العبيد في مغرب الأمس القريب.. 12- عبيد في أسفل الدرجات من سلّم العبودية
الكاتب :
"الغد 24"
حلقات يعدها الزميل محمد الخدادي عن العبيد في مغرب الأمس القريب
في إطلالة على عالم العبودية من ماض قريب، نقدم في حلقات رصدا لبعض مظاهر العبودية والرق بالمغرب في القرن التاسع عشر، بالاعتماد على كتاب للباحث المغربي السوسيولوجي محمد الناجي، عن "الجنود والخدم والجواري"، صدر في طبعة ثانية باللغة الفرنسية عن "منشورات إديف" عام 1994.
12- عبيد في أسفل الدرجات من سلّم العبودية
على عكس المرضعة أو المشرف على خزائن المؤونة في دار السيد، اختص عامة العبيد بالمهام الأقل شأنا والأكثر جهدا خارج المنزل، واحتل العاملون في الحقول، في الفلاحة ورعي الماشية ومعاصر الزيت، أدنى مرتبة في سلم الاهتمام من قبل الأسياد.
ففضلا عن الأشغال الشاقة، اقتصرت مساكن هذه الفئة من العبيد على بيوت واطئة و"نوالات"، تقام عادة على عجل في مكان العمل. ولأجل ضمان استمرار طاقة العمل لديهم فهم يفلحون قطع أرض صغيرة لحسابهم، بوسائل تقوم على الطاقة الجسدية. وتعكس رسالة شكوى إلى السلطان الحسن الأول (1872- 1894) قساوة الشروط المادية والمعنوية لعامة العبيد، إذ ضاق الأمر بفلاحين أحرار، سخرهم أحد الأسياد للعمل في أراضيه، وهو "يجلدهم بالسوط ويحبسهم من غير طعام، وكأنهم عبيد".
لم تتوفر معطيات دقيقة بشأن أحوال عبيد الحقول والمزارع، خاصة وأن الرحالة الأوروبيين ركزوا ملاحظاتهم على المدن التي زاروها بينما غاب عنهم الكثير من أخبار البادية. وعموما، فقد جرى تشغيل العبيد، إلى جانب الخماسين والرباعين من العاملين الأحرار، في أراضي المخزن، وفي أملاك الزوايا وأضرحة الأولياء، وكذا في أراضي "الشرفاء". لكن ذلك ظل في حدود معينة، ولم يرق الأمر إلى مستوى القنانة، كما عرفت في المجتمعات الأوروبية في القرون الوسطى، في النظام الإقطاعي (الفيودالية)، باعتماد طبقة النبلاء أساسا على طبقة العبيد في الإنتاج الاقتصادي. ولعل قلة أعداد العبيد في المغرب، من جملة عوامل أخرى، تفسر هذا المعطى، إذ لم يشكلوا نسبة عالية بين الفئات العاملة في الدورة الاقتصادية.
ومع ذلك، تبقى الأطروحة الزاعمة باقتصار تشغيل العبيد في العالم الإسلامي على الأعمال المنزلية حصرا، بعيدة عن الواقع، إن لم تكن مغالطة، وصادرة عن خلفيات إيديولوجية. فإذا كان صحيحا أن الدور الأساسي للعبيد في المغرب تمثل، بالخصوص، في تعزيز القوة العسكرية في محيط الأسياد، فإن ذلك لم يتعارض أبدا مع استخدام عدد من المملوكين في الأعمال الزراعية.
لقد وجد بالفعل أسياد اقتنوا العبيد أساسا لخدمة أراضيهم، منذ وقت مبكر في تاريخ المغرب، وفي هذا السياق يسجل الرحالة المغربي، ليون الإفريقي (محمد بن الحسن الوزان) منذ القرن الثالث عشر للميلاد، أن "العبيد والنساء وحدهم كانوا يستطيعون أن يتنقلوا في البوادي للذهاب إلى الحقول"، (بسبب غياب الأمن بالنسبة إلى الأسياد وكبار القوم). ويستفاد أيضا من المصادر المغربية أن السلطان السعدي أحمد المنصور الذهبي (1578- 1602) جلب من السودان (أي ما يطابق حاليا مالي وغينيا) عبيدا سودا لتأمين تشغيل معاصر السكر في منطقة سوس، الذي كان الإنجليز يقبلون بكثرة على استيراده.
على عكس العبيد السود الوافدين حديثا من مواطنهم الإفريقية، الذين كانوا غير ملمين بتقنيات الزراعة والبستنة، فإن القدماء منهم تميزوا بمهارات عالية في هذا المجال، ما يفسر الطلب الكبير على خدماتهم، خاصة من طرف المخزن. فالسلطان المولى عبد الرحمان بن هشام (1822-1859) عندما جهز "أكدال" في مركش بماء الري، وأحضر أنواع الأغراس المختلفة من أشجار الفواكه، من برتقال، وتفاح، وإجاص، ثم الموز لاحقا، حرص على اقتناء العبيد وتكوينهم للعناية بالساتين السلطانية، كما تحدث عن ذلك المؤرخ الرسمي محمد أكنسوس، في كتاب "الجيش العرمرم". كما أن بقايا عبيد البخاري، الذين سبق للسلطان محمد بن عبد الله أن أمر، في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، بتجميعهم في منطقة الغرب لإبعادهم عن مراكز السلطة، تحولوا من محاربين إلى فلاحين، واكتسبوا مهارات الزراعة.
وفي بداية الحماية الفرنسية بالمغرب، في العشرينيات من القرن الماضي، لجأ المعمرون في الضيعات إلى خدمات يد عاملة سوداء، جلبوها من واحات وادي درعة، في جنوب البلاد.
لم تقتصر الأعمال الزراعية على الرجال من العبيد، بل شملت النساء أيضا، إذ جرى استخدامهن في الأعمال الأقل جهدا، مثل نزع الأعشاب الطفيلية من الحقول، والمساعدة في جمع المحصول وتخزينه. وفي منطقة تافيلالت، اقتصر جني التمور على النساء السوداوات، كما كان عليهن العناية بقطعان الماشية، إلى جانب الأطفال السود، وتتخلل عملية رعي الماشية أعمال أخرى، مثل جمع الحطب والكلأ.
ويبدو أن فئة الراعيات من النساء العبيد احتلت أدنى الدرجات على مستوى الطلب، إذ لم يكن الإقبال عليهن كبيرا في سوق العبيد، والتصقت بهن أوصاف وصفات حطت أكثر من قيمتهن، حسب بعض الكتابات المزامنة، جعلتهن يمنحن أنفسهن لأول راغب، ونسبت إليهن الأطفال مجهولي الآباء.
إنهن جزء من فئة كبيرة من المهمشين العبيد، الذين وُجدوا في أسفل سلم العبودية، على غرار متسولات ومتسكعات فرض عليهن المالك طلب الصدقة لحسابه، ومغنيات في الأفراح يتعاطين الدعارة أيضا لفائدة المالك، وزملائهن من العبيد الرجال، الذين أخضعوا كذلك للكراء في الأشغال الشاقة لحساب السيد.