أحمد المرادي: قطاع النشر في المغرب يتميز بالهشاشة وغياب التنظيم.. وقطاع الكتاب سهل الاختراق
الكاتب :
"الغد 24"
قصة هذا الحوار تعود إلى يوم الخميس 30 ماي 2024، في لقاء نوعي بحضور نوعي ومتنوع ومتعدد، نظمه المركز الثقافي نجوم سيدي مومن، في مقرّه بقلب حي سيدي مومن، وفي إطار برنامجه "آفاق متعددة"، حول إشكالية القراءة في المغرب كمكوّن رئيس للثقافة. تدخّل في اللقاء، الذي سيّرته أمينة أوتموحين عن المركز، كل من أحمد المرادي مؤسس ومدير دار النشر التوحيدي، ونوال سكوري مديرة المركّب الثقافي أنفا... كان الزميل حسن عين الحياة حاضرا، كان حريصا على الحضور منذ علم أن أحمد المرادي سيتحدث فيه، قال: "ظني أنه سيكون لقاء ممتع ومفيد ومستفز ومحفّز على السؤال"... وعندما انتهى اللقاء، قلت لحسن: "كيف الظن؟"، رد على التو: "لم يخب طبعا، لأن أحمد المرادي يطرح الأسئلة القلقة والقضايا الحقيقية، ولا يعير اعتبارا للأسئلة المعطلة"... ثم اقترح فكرة الحوار، يطرح فيه أهم أسئلة قطاع الكتاب والنشر، فكان هذا الحوار، الذي نشرته الزميلة "المنعطف"، على صفحة كاملة، في العدد رقم 5749، من الخميس 20 يونيو إلى الأربعاء 26 يونيو 2024، نعيد نشره، هنا، للفائدة...
أحمد المرادي مدير نشر دار التوحيدي
قطاع النشر في المغرب يتميز بالهشاشة وغياب التنظيم
وقطاع الكتاب سهل الاختراق
حاوره حسن عين الحياة
تعرف وضعية النشر والكتاب في المغرب معضلات حقيقية، تعكس الأزمة السائدة في القطاع، والمخاطر التي تتهدّده، مع ضعف وسائط التدخّل والمواجهة على أمل وضع القطاع في السكة لتجسيد التطور الحضاري، الذي يعرفه المغرب... لكن قلة قليلة من الفاعلين من يتحدثون ويفكّرون ويغضبون ويقترحون الحلول بصوت مرتفع... والكاتب والناشر أحمد المرادي، مدير نشر "دار التوحيدي"، هو أحد هذه الأصوات الممانعة، التي لا تكفّ عن إثارة الانتباه إلى الأعطاب التي تتربّص بالقطاع.. ومثلما يدير "دار التوحيدي" بأفق وطني حضاري تنويري مستقبلي، فإنه لا يتردد في الجهر بحقيقة الوضعية المرة للكتاب في المغرب... وعندما تريد محاورة أحمد المرادي عليك أن تربط الأحزمة، فهو أولا فاعل ثقافي ومدني وفكري له تصوره للأوضاع وللصراع في المغرب وفي العالم، ثم هو أحد أبرز المهنيين الذين خبروا تحوّلات صناعة الكتاب، وفضلا عن أن المرادي خبر كذلك خبايا المعارض الدولية للنشر والكتاب في المغرب وفي العالم، وراكم تجربة غنية وبلورَ رؤية معرفية واضحة لما يجب أن تكون عليه المعارض الدولية، ولما ينبغي أن يكون عليه معرض دولي تحتضنه العاصمة الرباط... أسئلة قلقة حملناها إلى الكاتب والناشر أحمد المرادي، فكان هذا الحوار:
+ بداية كيف ترى قطاع النشر في المغرب. هل تراجع إن كان متقدما في السابق، أو العكس، وهل يلبي حاجيات القارئ؟
++ يتميز قطاع النشر في المغرب بالهشاشة وغياب التنظيم، بل يمكننا القول إنه قطاع غير مهيكل في أغلب عملياته التجارية، وهذا يجعل قطاع الكتاب سهل الاختراق، من الداخل عبر قرصنة الكتب الأجنبية بالخصوص، ومن الخارج لسهولة ولوج الكتب تجاريا إلى المغرب من مختلف الدول.
ويمكن القول إن سوق القراءة في المغرب محدود جدا، نتيجة للعديد من العوامل الاجتماعية والثقافية والتربوية كما التعليمية، ولذلك يتعامل الفاعلون في قطاع الكتاب من منطلق أنه قطاع غير مهيكل ومحدود كسوق تجاريا.
+ كم من كتاب ينشر في المغرب سنويا؟
++ الرقم الوحيد الذي يمكن اعتماده في هذا الشأن هو عدد طلبات الإيداع القانوني الموضوعة لدى المكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وهذا المعطى يخبرنا أن عدد الكتب المنشورة في المغرب تتجاوز بالكاد 4000 عنوان في كل الميادين، ولكل المؤسسات التي تنشر "قانونيا" أو غيره أي الناشرين والمؤسسات الجامعية والمؤسسات العمومية والجمعيات...
+ ما هي آليات ضبط الإحصائيات المتعلقة بالنشر في المغرب وأيضا بمعدلات القراءة، أي عدد القراء وعدد الكتب المقروءة؟
++ في الشرط الحالي لا يتوفر نظام إحصائي للثقافة ومنه قطاع الكتاب، لذلك فكل الأرقام المعتمدة هي تقريبية فقط، وفي غالبها تأملية ومتخيلة، باستثناء مبادرة مكتبة مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود بالدار البيضاء التي تقوم بإصدارسنوي حول وضعية النشر بالمغرب، وهو عمل مهني يتطلب مجهودا كبيرا وتحسينا ليستطيع التوفر على المعطيات الحقيقية للقطاع.
+ ماهي الإكراهات، التي يواجهها الناشر المغربي حاليا في ظل وجود القرصنة والضرائب المفروضة على استيراد الورق؟
++ الإكراهات، التي تواجه الناشر المغربي، متعددة ومتنوعة، وتتعلق بعدّة عوامل من أبرزها:
- النموذج التنموي القطاعي للمكون الثقافي أولا.
ـ عدم تنظيم القطاع حيث تتقاذفه العديد من التنظيمات: الفيدرالية العامة للصناعات الثقافية والإبداعية التابعة للكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب (CGEM)، والعديد من التجمعات الجمعوية، أكثر من ثلاث تنظيمات لا تفصل بين مكوّنات القطاع (ناشر موزع مكتبة...).
ـ عدم مواجهة التزوير في القطاع، سواء الكتب المزورة القادمة من الخارج أو التزوير داخل المغرب.
ـ عدم سن أو تطبيق قوانين خاصة بتجارة الكتاب، أخذا بالاعتبار خصوصية هذا القطاع، دون السقوط في استغلال هذه الخصوصية من أجل الاغتناء غير المشروع، كما في قطاعات أخرى، كالفلاحة والصيد البحري...
ـ سيادة الريع والزبونية داخل القطاع عموما، وهذا لا يتعلق بالوزارة الوصية فقط، بل ينخر كيان الفاعلين في القطاع، وهذا يمس، كذلك، جزءا حيويا من القطاع يتعلق بالكتاب المدرسي وما يستتبعه من مؤلفات مقررة وغيرها...
+ من خلال تجربتك في معارض الكتب المغربية والدولية، وباعتبارك خبيرا في مجال النشر، ما هي التيمات الأدبية، التي ينجذب إليها القارئ المغربي؟
++ أعتقد أن سوق القراءة تتجاذبه شرائح متعددة، سوق الكتاب أو القراءة بالمغرب متعدد ومتحول، فكل فئة تبحث عن اهتماماتها في الكتب كما في وسائط التواصل الاجتماعي، وبالتالي ففي غياب إحصائيات دقيقة للقراءة بالمغرب من الصعب على أي كان تحديد بالضبط التيمات التي ينجذب إليها القارئ.
+ هل للكاتب المغربي جاذبية عند القراء حاليا؟
++ ليس بالشكل المطلوب، إلا ناذرا، وفي غالب الأحيان بشكل محدود في الزمان، والقراء غالبا تجرهم نحو الكاتب النوستالجيا والإيديولوجيا والإشهار (القطيعي).
+ في نظركم، هل سيظل الكتاب الورقي المغربي صامدا أمام هيمنة الكتاب الرقمي؟
++ في رأيي، سيستمر الكتاب الورقي لمدة محدودة في التواجد، العملية في مجملها عبارة عن تحوّلٍ من الحامل الورقي إلى الحامل الرقمي للكتاب، وبذلك فإن الثورة الرقمية سائرة في سيادتها في كل المجالات، طبعا على الفاعلين التحول، ومن لم يستعدَّ لهذا التحول أو لم يستطع التحول، سيتجاوزه التاريخ، وسيصبح جزءاً من "التاريخ" الماضي.
+ باعتبارك شاركت في النسخة الأخير من المعرض الدولي للكتاب والنشر في الرباط، كيف تفسر ظاهرة ازدحام القراء الشباب المغاربة على مؤلفات الكاتب السعودي أسامة لمْسـلَّم وهل لكم في دار النشر تجربة مماثلة؟
++ هذا ما أسميته الإشهار (القطيعي)، وهو منتوج لوسائط التواصل الاجتماعي الحديثة، فكل "مؤثّر" يشكل (قَطيعَه)، ويوجهه (وهذا في حد ذاته عمل مهم رغم مخاطره) نحو اختيارت محددة، وبالتالي فالعملية هي، في النهاية، تواصلية حديثة تُستغل تجاريا.
أما تقويم العمل الذي تتهافت عليه "الجماهير"، فهذا أمر متروك لعلماء الاجتماع ولفلاسفة العصر وللدراسات المحكمة في علم النفس وسيكولوجية الجماهير. وما نحتاجه أكثر وراهنا في هذا السياق هو فلسفة عصر التواصل المكثّف.
+ قبل أيام، اختتم معرض الكتاب والنشر بالرباط في دورته التاسعة والعشرين، فهل استجابت هذه الدورة لانتظارات الفاعلين من كتاب وناشرين ومطبعيين وموزعين ومكتبيين وقراء؟
++ لقد سبق لي أن تحدثت في أكثر من مناسبة على الحال المائل لمعرض الكتاب بالمغرب، ومثلما ذكرت الأهمية الكبيرة لوجود معرض دولي للكتاب والنشر في بلادنا، فإنني، من جهة أخرى، تصديت بالنقد لما أعتقده من النقائص، التي جعلتني أجيب على السؤال المطروح: "لا"، أي أن معرض الكتاب لم يستجب لأي من الانتظارات... سواء انتظارات الكُتَّاب، كما المبدعين والكتبة وأصحاب المعرفة وأصحاب التعلُّمات، لا يتوقّفون عن الشكوى فيما يتعلق بحقوقهم. أو انتظارات الناشرين، بمختلف فئاتهم، من تجار سلعة اسمها الكتاب، إلى أصحاب مشروع ثقافي في صيغة تجارية، وما بينها من مواقع ومواقف دامجة لهذا وذاك.
وكذلك الأمر بالنسبة للمطْبعيين الذين يعانون الأمرَّين من مستوردي الورق، التي هي تجارة في غالبها قطاع غير مهيكل، لا يخضع لنظام الفوترة إلا فيما نذر.
والوضع نفسه بالنسبة للموزعين المكتوين بنار أسعار النقل، في الوقت الذي استفادت شركات نقل السلع والبضائع من كل أشكال الدعم على المحروقات ودعم وباء كورونا...وفي نفس الوقت طبقت زيادات صاروخية في تكاليف النقل الطرقي، دون مراعاة لخصوصية قطاع الكتاب.
وكذلك بالنسبة للمكتبيين الذين تحولوا، شيئا فشيئا، إلى باعة لكل شيء حيث توارى الكتاب وراء السلع الأخرى، حتى لم يعد له وجود لدى بعضهم، أو أكشاك تبيع الكتب جنب الجرائد والمجلات، قانونية ومزورة دون رادع ودون رقابة، باستثناء بعض المكتبات الكبرى القابضة على الجمر، والتي تعمل ضمن شروط قانونية وضرائبية قاتلة لكل تطور، وبمنافسة مفترسة لمقرصني الكتب الذين يعملون في واضحة النهار دون مواجهة حقيقية لهذه الآفة المميتة للقطاع.
والحال نفسه نجده، أيضا، لدى القراء، وهم الحلقة الأضعف في سلسلة "صناعة الكتاب"، على قِلَّتهم وباختلاف مستوياتهم، وأهدافهم من القراءة.
لقد سبق لي أن أشرت، وأعيد اليوم التأكيد على أن المغرب يستحق معرضا دوليا للنشر والكتاب في مستوى عالمي، نظرا للعديد من المؤهلات، التي يتوفر عليها، لكن الحوكمة معطلة وتخضع لحسابات صغيرة جدا في هذا القطاع، وقد حاول الوزير محمد أمين الصبيحي تغيير الأمور، للأسف تآمرت عليه لوبيات الكتاب، ولوبيات الناشرين، ولوبي الإدارة، ليضعوه في مواجهة مباشرة مع واقع موبوء!