الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الناشر أحمد المرادي: نشر الكتاب بين مطلب النبوغ ومطلب وهم الانتشار

 
جلال مدني
 
يطرح قطاع النشر العربي الكثير من الإشكالات المعقّدة، التي تستفحل أحيانا فتغدو ذات طابع بنيوي، نظير المحور، الذي اختارته الزميلة سعيدة شريف، في إعداد ملف حول الموضوع، نشرته في موقع "الجزيرة نت"، بعنوان: ("مأساة الكتاب العربي".. ما الذي يدفع المؤلف إلى النشر خارج بلده؟)، والذي ركّز على ظاهرة النشر خارج البلاد، وبالخصوص في الشرق، من قبل العديد من الكُتّاب...
 
رابط المقال
 
لقراءة المقال الضغط على الرابط أعلاه أو الضغط على الصورة
 
المقال استقى آراء العديد من الكتاب والناشرين معا، حول هذه الظاهرة، من ضمنهم الناشر المغربي أحمد المرادي مدير "دار التوحيدي للنشر"، التي تأسست سنة 2000، واستطاعت، في ظرف محدود، أن تغني الخزانة المغربية والعربية بالعيد من الكتب، التي تشكّل اجتهادات في العديد من المجالات، ففضلا عن النقد والإبداع الأدبيين، هناك العديد من الدراسات الفكرية والفلسفية والتنويرية، التي تميّزت "دار التوحيدي" بشجاعة أدبية في نشرها، سواء لكتاب مغاربة أو عرب أو أجانب...
 
وبخصوص محور النقاش، يعتقد الناشر أحمد المرادي أن "ما يتوهمه بعض الكتاب من حسن التوزيع خارجيا، فهم أعلم بأن الأمر مجرد مبرر واه، يكفي أن أؤكد أن الكتاب المغربي يصل عبر الناشر المغربي إلى كل الآفاق العربية والعالمية، أما الأصل فهو في نوعية الكتاب".
 
الموضوع أثار ومازال يثير الجدل، وكان لقاءٌ مع الناشر الصديق أحمد المرادي فرصةً لتعميق النقاش، لقد كنت أعرف مسبقا، وكما العادة، أنني عندما أثرت معه هذه القضية، سأجد لديه ما يكفي من الأفكار والمعطيات، التي من شأنها أن تضع النقط على الحروف في ما يعرفه الموضوع من إشكالات... وكذلك كان، إذ توسّع المرادي في عرض تصوّره لهذه الإشكالية، أعرضه بدوري أمام العموم لتعمّ الفائدة، وهذا تصوّر الناشر أحمد المرادي مدير نشر "دار التوحيدي" لقضية صناعة الكتاب وظاهرة النشر خارج البلاد: 
 
من المؤكد أن العلاقة بين المؤلف والناشر في غالب الأحيان متوتّرة، ومصالحهم ليست دائما متوافقة.
 
ومن حق كل طرف أن تكون له مقاربته الخاصة لموضوع النشر، وهنا يحضر مبدأ حرية المؤلف في أن ينشر مؤلَّفه حيث يريد ومتى يريد وضمن أية شروط يريد، كما من صميم حرية الناشر أن ينشر ما يراه مناسبا من حيث توافقه مع اعتباراته التحريرية، التي تتوفر لدى بعض الناشرين وليس كلهم، واعتباراتهم التجارية التي تطغى عند بعض الناشرين أكثر من غيرهم، لكن الفصل في ذلك هو عقد الناشر، الذي يقبل به ويوقّعه الطرفان.
 
أما اختيار مؤلف مغربي لناشر مشرقي أو حتى غربي، فأعتبر (كناشر) أن هذا الأمر من حرية صاحب العمل، ولا دخل لي بخلفياته وأسبابه وهي متعددة، وقد تكون حقيقية أو تكون وهمية.
 
العديد من المبدعين الأجانب غير المغاربة نشروا لدى دار التوحيدي، من داخل بلدانهم أو من خارجها، وفي كل الصيغ التي نتعامل بها مع النشر.
 
كما أن العديد من المغاربة نشروا لدى دار التوحيدي، ومنذ أكثر من 20 سنة ما زالت الثقة متبادلة، ويكفي أن أخبرك بأن كاتبين مغربيين داخل المغرب وخارجه وضعا ثقتهما في دار نشرنا، منذ زمن وما زال مشروعنا المشترك مستمرا، وهما الروائي والسيناريست المعروف عبد الإلاه الحمدوشي، الذي أصدرنا له 12 رواية وترجمنا له أخيرا إلى الفرنسية رواية "الذبابة البيضاء"، وهشام نوستيك الذي أصدرنا له أكثر الكتب مبيعا بالمغرب "مذكرات كافر مغربي" و"حوار مع لمسلم اللي ساكن فيا" و"العدمية البراغاتية"، بالإضافة إلى مؤلفين آخرين ومبدعات مغربيات وأجانب أصدرنا معهن ومعهم كتبا نعتقد أنها إضافة للحقل الثقافي بالمغرب وبالعالم.
 
أما ما يتوهمه بعض الكتاب من حسن التوزيع خارجيا، فهم أعلم بأن الأمر مجرد مبرر واهٍ، يكفي أن أؤكد بأن الكتاب المغربي يصل عبر الناشر المغربي إلى كل الآفاق العربية والعالمية، أما الأصل فهو في نوعية الكتاب.
 
فالجميع يعلم بأن الكتاب المغربي، تأليفا ونشرا، صار مطلوبا في كل منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بل في الولايات المتحدة الأمريكية، بمجهود من الناشر المغربي، عبر مشاركاته في المعارض الدولية، وعبر الشراكات التي تربطه بالفاعلين الثقافيين في هذه "الأسواق".
 
مع العلم أن صناعة الكتاب بالمغرب، ليست في أزهى أوضاعها، فالقطاع يتميز بمعيقات كبرى يمكن تلخيصها في:
 
- سيادة احتكار سوق الكتاب، وخاصة سوق الكتاب المدرسي من طرف مجموعة محددة، بشكل يعيق تطور صناعة الكتاب بالمغرب نوعيا وكميا، ووزارة التعليم لها دور أساس لتلعبه من أجل تحرير القطاع من هذه السيطرة.
 
- غياب مهننة (Professionalisation)  لقطاع صناعة الكتاب، من حيث تطبيق القوانين الموجودة أصلا لصالح سوق الكتاب، وهذا يساهم فيه الناشرون والجهات الوصية.
 
- استمرار امتهان مؤسسات، كالجامعات والمؤسسات العمومية، لممارسة مهنة النشر دون سند "قانوني"، ودون صفة، وفي تناقض مع طبيعتها غير الربحية للمؤسسة.
 
- غياب سياسة  للدولة مبادرة لتأطير قطاع صناعة الكتاب، تحت كل أشكاله ورقية ورقمية، لتجعل منه، جزءا من صناعة ثقافية قادرة على المساهمة في تنمية وتنويع مصادر الثروة باعتبار أن العصر الحالي هو عصر المعلومة والمحتوى والإبداع، وبالتالي فهذه المكونات تشكل دعامة أساسية لتثمين المنتوج الداخلي، أي ثروة للوطن.