بورجى: الحكم على المهدوي.. "الفلول" يعاكسون إرادة الملك ويحاولون جر المغرب لسنوات الرصاص!
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
لا أخفي أن صدمة قرار محكمة الاستئناف بالرباط، أول أمس الاثنين، القاضي بتأييد الحكم الابتدائي الصادر في حق الزميل حميد المهدوي بسنة ونصف حبسا نافذا وغرامة 150 مليون سنتيم تعويضا لعبد اللطيف وهبي، مازالت تثير الكثير من السخط وسط السواد الأعظم من رواد الفضاء الأزرق، وتجعلني أطرح السؤال كل مرة: كيف تغيّر عبد اللطيف وهبي المناضل الطليعي المدافع الصلب والصنديد على قيم العدل والعدالة لفائدة المظلومين، إلى مدافع شرش عن تكميم الأفواه، و"شرعنة" قوانين تحمي المفسدين، وتبيح الفساد.
سؤال مستفز طرحه تشبت وهبي بدعواه لنصل لهذا القرار القاسي ضد الزميل المهدوي، قرار صادم صعب الهضم وكارثي بكل المقاييس، شكّل، بالنسبة لي، إعلانًا مُدوّيًا على أن مغرب اليوم، الذي يريد الجالس على العرش أن يضعه على سكّة مونديال 2030، يأتي وزير العدل في حكومة الباطرون الملياردير عزيز أخنوش، ليحاول إعادت عقارب الساعة إلى الوراء ويحاول أن يستعيد معها كل تلك الممارسات القمعية البائدة، التي مازالت آثارها موشومة في أرواح وأعصاب من تبقّى من مغاربة القضبان والزنازين الباردة والموحشة!!!
هذه السلوكات الانتقامية الذاتية الضيقة تحدث اليوم والبلاد تتهيأ لدخول ملكي مشرّف إلى المسقبل، بعدما نفضت عنها كل تلك المخططات الفاشلة لنموذج تنموي منكسر ومنهار، حيث سترتدي قميصا مزركشا بنموذج تنموي جديد بجيل جديد من الإصلاحات المهيكلة والمستقبلية، قبل أن نتلقّى هذه الصفعة المدويّة من وزير العدل الذي، رغم كل شعاراته الحداثية، ينتمي إلى الماضي، ويتحرك بمعاول أهل الكهف السياسي!!!
استهداف وهبي للمهدوي بتزكية من رئيسه الملياردير عزيز أخنوش، يعني أننا أمام حكومة تعيد التاريخ إلى الخلف، وتريد أن تعيد الروح لأسوأ قوانين تكميم الأفواه وهي رميم، حين أعطى رئيسها لوزيره في العدل الضوء الأخضر لاستعادة ظهير "كل ما من شأنه" البائد، وإدخاله في مشروع مراجعة القانون الجنائي، بصيغ ملتوية ومناوِرة لكنها عاجزة عن إخفاء الهدف الأساسي وهو تكميم الأفواه، والحد من حرية التعبير والرأي، والتضييق على الصحافيين والمدوّنين، وزرع الخوف في نفوس المواطنين!
الكارثة الكبرى أن البام، الذي كان يوصف بحزب صديق الملك والذي كان يريد تأهيل الحقل الحزبي بممارسة السياسة بشكل مغاير والدفاع عن قيم الحرية والديمقراطية والقبول بالاختلاف والتنوع والتعدد في مغرب يسع الجميع، يأتي اليوم أحد رموز "قيادته الجديدة"، وهو وزير للعدل، مدعّما ومنصورا بفاطمة الزهراء المنصوري ومن معها من التابعين، ليصبح كل هؤلاء رموزا لمن يمكن أن نسميهم "الفلول"، الذين يعتقدون أنهم بإمكانهم العصف بكل المكتسبات والحقوق، التي ساهم البام نفسه في النضال المجتمعي العام لإحقاقها، والدفع في تنميتها وتطويرها، وليس لتذروها رياح زمن رصاصي، ينبعث من جديد، حيث عشنا أول أمس الاثنين واحدة من آخر تجلّياته، وهي الحكم القاسي ضد الزميل حميد المهدوي، حكم أعطى صورة سيئة لوضعية حرية التعبير في المغرب، وفتح الباب أمام العديد من الجهات والهيئات الدولية للطعن في هذه الوضعية والتحذير من مخاطرها على الاستثمار والاستقرار، وعلى المستقبل... خصوصا بعدما تكشّفت النزعة الانتقامية لرئيس الحكومة، التي يتحرك بها وزير العدل لجعل المشتغلات والمشتغلين بمهنة المتاعب مُجرّدين من كل حماية لحقوقهم الدستورية، في محاولةِ "اغتيال" مقنّعة، عن سابق قصد وترصّد، تستهدف إفراغ "صاحبة الجلالة" من كل قيم الحرية والمسؤولية معا، مستأسدا في ذلك باستغلال الأغلبية العددية لمقاعد "ممثلي الأمة"، الذين ينتمون للأحزاب الثلاثة، الأحرار والبام والاستقلال، الداعمة لسياسة الريع وتضارب المصالح لسن قوانين تمنع عموم المغاربة من التبليغ عن الفساد في البلاد، بمن فيهم قضاة النيابة العامة!!!
ولذلك، وابتداء من أول أمس الاثنين 30 يونيو 2025، يوم تأييد الحكم الابتدائي في حق زميلنا حميد المهدوي، سيكون وزير العدل عبد اللطيف وهبي سبباً في تعريض المغرب لموجة من الانتقادات الخارجية إلى درجة أن الخارجية الأمريكية، التي تنظر بتقدير كبير للأجندة الإصلاحية الملكية، ولتطور الدستور المغربي في إقرار المحاكمة العادلة، وجدت نفسها مضطرّة إلى تنبيه الحكومة المغربية إلى ما أصبحت البلاد تعيشه من "تراجع مهول لحقوق الإنسان يمسُّ حرية التعبير"!
علينا أن نكون صرحاء ونعترف بأن وهبي ومعه حكومة أخنوش كانوا سببا في تضرّر صورة المغرب في الداخل والخارج، خصوصا الأضرار الفادحة، التي لحقت بقطاعٍ (حرية التعبير والرأي) الذي باتَ يعلب دورا محوريا في جلب الاستثمارات الأجنبية، وكان من الممكن أن يمضي التدهور بشكل مخيف على الصعيد الخارجي، لولا الإدارة القوية والاستباقية، التي يعالج بها رئيس الدولة الملك محمد السادس هذه المعضلة وينجح في احتواء مضاعفاتها الخطيرة...
ففي الوقت الذي يقدّم المغرب تجارب ونصوصا قانونية في غاية الأهمية لتأمين الولوج السلس والمتيسّر للقضاء ولتوفير ظروف وشروط المحاكمة العادلة ولفتح آفاق أرحب للتقدم المضطرد لحقوق الإنسان في البلد، يأتي وزير العدل ليعاكس هذا التيار، وليؤشّر على عودة قوية لقوى الردّة ممن يوصفون بـ"الفلول"!
إن أبرز ردّة اقترفها "الفلول" حاليا هو هذه الإدانة ضد الصحافي الزميل حميد المهدوي، التي جاءت، ابتدائيا واستئنافيا، بناء على دعوى قضائية رفعها ضده وزيراً للعدل، ومحاكمته بالقانون الجنائي وليس بقانون الصحافة والنشر، في الوقت الذي لم تفتح فيه تحقيقات قضائية بخصوص فضائح ناهبي ملايير المال العام، الذين "يتستر" عليهم ممثلو الأمة من المنتمين للأغلبية الحكومية بعدم انخراطهم مع المعارضة لتشكيل لجنة تقصّي الحقائق في نهب 1300 مليار سنتيم المخصصة لاستيراد المواشي، ولِمَ لا التحقيق في الصفقات التي "يفوز" بها كل مرة رئيسهم في الحكومة الملياردير عزيز أخنوش...
هؤلاء "الفلول" يقدّمون لنا اليوم مغربا لا نعرفه ولا نريده، يهضم حقوق الإنسان ويعادي الحرية، ويتستر على الفساد ويدعم الريع ويرسل المخالفين إلى السجون! والمعضلة، هنا، وجوهر القضية، أن وهبي، قبل وبعد كل ما تقدّم، يضع نفسه على نهج مناهض لرمزية ودلالات العفو الملكي الكبير بمناسبة الذكرى الفضية (25 سنة) لعيد الجلوس، الذي شمل صحافيين ومدوّنين وفاعلين مدنيين وسياسيين، من ضمنهم حالة الصديق رضا الطاوجني، الذي تابعه وهبي بعدة تهم منها تهمة "انتحال صفة"، باعتباره لا يتوفّر على بطاقة الصحافة، في تناقض جوهري مع التوجّه الملكي في ما يتعلق بحرية التعبير، باعتبارها حقا أساسيا من حقوق الإنسان، مما يعني أن وزير العدل، مع كل الأسى والأسف، لم يلتقط جيدا الإشارات السياسية القوية، التي جاء بها العفو الملكي، في حالات المدوّنين المستفيدين من العفو، والذين حوكموا بقانون الصحافة والنشر، في دعوة قوية إلى كل من يعنيهم الأمر للأخذ بالاعتبار هذا المتغيّر الزمني، الذي له فلسفته وأرضيته التي فرضت نفسها على واقع الناس، في محاولة لاستيعاب التقنيات والتطورات الحديثة في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي ارتباطها العضوي بمقتضيات قانون الصحافة والنشر...
بمعنى أن وهبي، يوجد اليوم "متلبّسًا" بمعاكسة الزمن والتاريخ والتطور والتقدّم، بل وقبل ذلك وبعده، بمعاكسة إرادة ملك البلاد!
إرادة الجالس على العرش، الملك محمد السادس، من خلال العفو الملكي للعام الماضي، هي دعوة إلى الانخراط في أبعاده المتقدّمة لاستثمارها اليوم من أجل مغرب الغد، فالعفو الملكي هو انتصار للحرية وللمسؤولية أيضا، وهو نوع من استعادة الثقة في المؤسسات الدستورية على قاعدة دفعها إلى تفعيل مقتضياتها والنهوض بمهامها في معالجة الأسباب العميقة وراء إنتاج حالات تثير الجدل، وتثير أحيانا الرفض والتنديد والاحتجاج... ففي بلد يحترم نفسه ومؤسساته وقوانينه وكرامة مواطنيه، لا يمكن تجريم الاحتجاج، وأحرى تجريم التعبير عن الرأي المخالف، خصوصا في فترة دقيقة جدا، مطبوعة بالولاية المتميزة، التي ترأس المغرب، خلالها، اللجنة الأممية المكلفة بحقوق الإنسان، والتي كان الملك قد دشنها بلحظتين سياسيتين قويتين: العفو عن الصحافيين والنشطاء والمدونين (عيد العرش يوليوز 2024).. والعفو عن مزارعي الكيف (ثورة الملك والشعب غشت 2024)...
هذا المنحى العام والمحوري، الذي يدعو الجالس على العرش إلى استحضار قيمه ومبادئه وتوجيهاته، نجد أن حكومة أخنوش تعاكسه، وهكذا ولأول مرة في تاريخ النظام السياسي المغربي الحالي، توجد الحكومة برئيسها ووزير عدلها في وضعية مناهضة لإرادة الملك!!! والحصيلة اليوم، أن المشهد السياسي أصبح على طرفي نقيض: مغرب ملكي يوطّد حقوق الناس ويوسّع مساحات الحرية، ومغرب أخنوشي يهضم حقوق الإنسان ويعادي الحرية ويرسل المخالفين إلى السجون! ونظريا، فإن التناقض، عندما يصل إلى الذروة، قد يضع حدا لكل تعاقد، إما بصفة جزئية من قبيل اجثتات السبب، وهو هنا وزير العدل، وإما بصفة كلية تصل إلى طرد الحكومة برمتها، بعدما خيّبت ظن الملك وطحنت قوت المغاربة!!!