الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم
موقع العقار الذي تتربّص به الأيادي "الخفية"

مراد بورجى: "من المستفيد من الجريمة!!".. ‏"!!A qui profite le crime"

 
مراد بورجى
 
القرار الذي اتخذه، مؤخرا، المجلس الجماعي للدارالبيضاء، والقاضي بنزع ملكية العقار المحوري الواقع عند تقاطع شارعي الزرقطوني وأنفا، يطرح الكثير من الإشكالات القانونية والتدبيرية، التي تضع القرار نفسه في قفص الاتهام!
 
وحسب معطيات متطابقة، فإن وزارة الداخلية، بعد توصّلها بالعديد من الشكايات، تباشر هذه الأيام حملة تحقيقات حول اختلالات قانونية مفترضة قد تكون العديد من المجالس الجماعية، وضمنها جماعة الدارالبيضاء، ارتكبتها خلال الدورات العادية لشهر ماي المنصرم، في ما يتعلق بقرارات نزع الملكية للمنفعة العامة، بسبب شبهات عدم احترام الضوابط القانونية.
 
بيد أن وزارة الداخلية إذا كانت قد ركّزت، في تحقيقاتها الجارية حاليا، على رؤساء مجالس جماعية، فإنها اليوم مطالبة بتوسيع حملاتها التفتيشية لتشمل قرارات نزع الملكية عبر طلبات تُوجه إلى رؤساء الجماعات، مثلما وقع في الدارالبيضاء، بخصوص القرار المذكور، الذي تحوم حوله "شبهات تدبير غير شفاف" لمشروع سياحي، مدرّ للدخل ومنتج لمناصب شغل وممتص لمعضلة الإيواء في قلب العاصمة الاقتصادية، إذ هو عبارة عن فندق خمسة نجوم، يتكون من 14 طابقا...
 
الإشكال الذي يطرحه قرار المجلس الجماعي للدارلبيضاء، أنه يفتح الأبواب مشرعة على الكثير من الأسئلة حول خلفيات العديد من التحركات "الغامضة"، التي لا يمكن لأي مراقب موضوعي أن يقتنع أنها محض صدفة... فقد تعرّض العقار للعرقلة وتوقيف الأشغال، مما فرض على صاحبه المستثمر اللجوء إلى القضاء الإداري، وقد صدرت أحكام قضائية لصالح المستثمر، قام الوالي السابق سعيد احميدوش بتجميدها بل ومخالفتها في تحقير ثابت ومقصود لمحرّرات قضائية، خصوصا أن هذا المشروع الاستثماري حاصل على ترخيص قانوني ساري المفعول، ويندرج ضمن تصميم مرخص... واليوم، يأتي الوالي محمد امهيدية، ليتصدّى لمشروع قال فيه القضاء كلمته الأخيرة، بعدما استنفد ملفه كل مراحل التقاضي وفق النظام القضائي المغربي، وليحمل في مواجهته "سلاح" نزع الملكية، و"يأمر " العمدة بعقد دورة استثنائية، التأمت يوم الثلاثاء 10 يونيو الجاري، لتلبية رغبة الوالي!!! هل هذه مجرد صدفة؟!
 
الآن، وقد اتخذ المجلس الجماعي للدار البيضاء قرار نزع الملكية، الذي سيكون محل نزاع مع المستثمر المغربي المتضرّر من هذا القرار "القسري"، فإن المفروض، في انتظار رقابة القضاء، أن يلتزم كافة المسؤولين المعنيين بالتقيد الصارم بالمساطر القانونية، فقرار المجلس هو مجرد قرار تمهيدي يؤسس للقرار النهائي القاضي بإعلان المنفعة العامة، الأمر الذي يفرض سلوك المساطر القانونية، سواء منها البحث العلني المحدد في أجل 60 يوما، والذي تباشره جماعة الدارالبيضاء بصفتها صاحبة قرار المنفعة العامة المطلوبة من طرف والي جهة الدارالبيضاء سطات محمد امهيدية، وبعد استكمال هذا البحث يحال القرار على وزارة الداخلية بصفتها الوزارة الوصية لاتباع مسطرة إعداد مرسوم إعلان المنفعة العامة، صادر عن المجلس الحكومي، بناء على اقتراح من الوزير المعني، أي وزير الداخلية، ويصدر بالجريدة الرسمية، وبعد ذلك ترفع جماعة الدارالبيضاء دعوى توجه إلى المحكمة الابتدائية الإدارية من أجل استصدار أمر بنقل ملكية العقار للجماعة، التي لن يتم نقلها حتى تنظر فيها محكمة الموضوع، التي ستصدر حكمها بناء على مدى سلامة المسطرة القانونية، والإشكال هنا أن المحكمة المعنية (الإدارية) ستكون أمام واقعة غريبة، تتعلق بقضية مشروع استثماري عالجتها المحكمة ابتدائيا واستئنافيا ونقضا، وأصدرت حكما نهائيا بتوقيف كل العراقيل الموضوعة أمام المشروع، وتمكين صاحب المشروع من الشروع في الأشغال لاستكمال إنجاز مشروعه الاستثماري السياحي... لتجد المحكمة نفسها أمام المشروع ذاته يعود إليها، مرة أخرى، لكن هذه المرة بـ"جلباب" نزع الملكية! فهل هي إرادة مبيّتة تناهض هذا المشروع الاستثماري، وتتمرّد على أوامر الملك بتشجيع الاستثمار؟!
 
الإجابة على السؤال ستُظهر، للغادي والبادي وبوضوح أكثر، المعضلة والأزمة المستفحلة وراء "السعي المحموم" لوضع اليد على العقار ولتعريض المشروع للإقبار ولإثارة الشكوك حول الاستثمار في بلادنا، الذي طالما وجّه الجالس على العرش أوامر وتعليمات صارمة لتنقية طريقه وأوراشه من كل أشكال العراقيل المفتعلة... المعضلة هنا تتمثّل في دراسة جدوى المشروع المقترح، الذي على أساسه ستتحقّق المنفعة العامة وسيتم نزع الوعاء العقاري! فهل هناك مشروع آخر مقترح لإنجازه على الوعاء العقاري المنزوع الملكية، مشروع مفترض أن يكون أحسن وأكثر جدوى ومنفعة من المشروع الحالي في كل شيء؟! هذا ما ينتظره عموم الرأي العام لفك لغز هذا "السطو" ضداً على أحكام القضاء!!؟...
 
في هذا الانتظار، دعونا نفصّل أكثر في المعضلة أو الأزمة المستفحلة ليكون البيضاويون وعموم الرأي العام المغربي على بيّنة من طبيعة التدبير الإداري لهذا المشروع الاستثماري، وهو هنا مربط الفرس، حيث دخول رقابة القضاء على هذا القرار الإداري سيجعل المحكمة الإدارية في مواجهة جماعة الدارالبيضاء، ومعها والي جهة الدارالبيضاء سطات، الذي كان قد لجأ إلى الفصل 37 من قانون 113/14 المتعلق بالجماعات، ليبني عليه طلب عقد دورة استثنائية لإدراج نقطة نزع ملكية الوعاء العقاري، بإلغاء تام لكل الأشواط القانونية والقضائية، التي خضع لها هذا العقار، الذي سبق أن تحصّل صاحبه المستثمر المغربي على رخصة استثنائية صادرة عن الوالي السابق سعيد أحميدوش لإضافة طابقين لتشييد فندق من خمسة نجوم، وبعده تحصّل المستثمر المغربي على رخصة الهدم ورخصة أخرى للبناء بناءً على قرار اللجنة المختلطة المختصة موقعة من طرف رئيس جماعة الدارالبيضاء السابق، وبعد شروعه في البناء بعد الهدم، تدخلت "أيادي مجهولة"، فمُنع المستثمر المغربي من استكمال بناء فندقه بقرار وقف الأشغال صادر عن السلطة نفسها، التي سبق أن أصدرت التراخيص المذكورة، وهو ما دفع بالمستثمر المغربي للتوجه إلى القضاء الإداري، الذي استصدر قراراً ابتدائياً واستئنافيا أيدته محكمة النقض ليصبح حائزًا لقوة الشيء المقضي به، وهو إلغاء القرار الوقتي بوقف الأشغال وتمكين المستثمر المغربي من إكمال بناء فندقه، الذي كان قد تعاقد بشأنه مع سلسلة فنادق الماريوت الدولية، التي تضمن 50% من السياح يزورون المغرب وينزلون ضيوفاً على الفندق طيلة السنة...
 
هذا الجرد التأريخي لما مرّ على المشروع وعلى صاحبه، يكشف معطى في غاية المرارة، وهي أن في بلادنا اليوم هناك من لا يتردّد في "تحقير" محرر قضائي، وفي الالتفاف على أحكام القضاء الإداري باللجوء إلى مسطرة نزع الملكية، وهو قرارٌ جماعي وترابي يجد نفسه اليوم وجها لوجه مع نفس القضاء الإداري، الذي يبسط رقابته على العمل الجماعي والترابي، مواجهة ستكون فيها الثقة الكبرى للقضاء المغربي، الذي يرى فيه المستثمر صاحب العقار المنزوع الملكية ملاذا آمنا للإنصاف وتحقيق العدالة لإرجاع الثقة في التراخيص الصادرة عن مؤسسة الوالي وعن المكتب المنتخب، الذي تترأسه رئيسة جماعة الدارالبيضاء، مواجهة مرتقبة قد لا يكون فيها لـ"الأيادي الخفية" واسع النظر!!؟