مراد بورجى: الجامعة الصيفية للبام.. هذا ما علّمه "شيخٌ مشتبه فيه" لشباب الحزب في ثلاثة أيام!
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
أثارتني إطلالة "الرفيق السابق" أحمد أخشيشن، رئيس ما يسمى بـ"أكاديمية حزب الأصالة والمعاصرة"، في الجلسة الافتتاحية للجامعة الصيفية للحزب في نسختها الثانية، عندما تقدّم إلى المنصّة، وشرع يتكلّم وهو يقف أمام شابّات وشباب في عمر أحفاده، عن الغرض الأساسي من تنظيم هذه الجامعة الصيفية، والذي حدّده في"إذكاء مقومات التفكير الجماعي"، بداعي أن "اللي كيفكر وحدو كيشيط ليه"! وما أن انتقل إلى الحديث عن الهدف المحوري من هذه الدورة الثانية للجامعة الصيفية، حتى شرع يدخل ويخرج في الكلام حول "الجهوية والقضايا الأولية لتنزليها"...
صراحة، وأنا أتابع الرجل وهو يلقي هذه الكلمة، حاولت أن أتخيل أولئك الشباب، وهم يستمعون إلى هذا الشيخ السبعيني، الذي يتحدث عن السياسة والبام والشباب والجهوية، فتتبادر إلى أذهانهم أن ينقروا اسمه في محركات البحث في الأنترنيت، للتعرف أكثر على هوية وشخصية وأفكار رئيس أكاديمية حزب الأصالة والمعاصرة، ليصدموا بالكمّ الهائل من الفضائح والملفات الصادمة، بعضها له صلة بجرائم الأموال، فإذا بـ"الأستاذ المُكوّن والمُربّي" له باع طويل في "تخريب" منظومة التربية والتكوين، عندما كان وزيراً للتربية والوطنية والتعليم العالي، إذ يتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية، وقد تكون قانونية أيضاً، في تبديد أكثر من 4400 مليار سنتيم من أموال البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم، علما أن تبديد مبلغ كبير جدا من المال العام بهذا الحجم لا يمكن إلا أن يكون من الأسباب المباشرة في تدهور ونكبة وإفلاس قطاع التربية والتعليم في المغرب إلى اليوم...
هذا ليس اتهاما مجانيا لـ"الرفيق" القيادي الدائم في جرار البام، أحمد أخشيشن، الذي يرأس اليوم أكاديمية حزبية للتكوين، وهو يجرّ وراءه كل هذه الاتهامات، حين كان وزيرا في حكومة عباس الفاسي، وفي نفس الوقت قياديا في البام الذي كان في المعارضة، وقد عضّ بالأسنان والنواجد على حقيبة وزارة التربية الوطنية، التي كانت تضم وقتها أيضا التعليم العالي، وكذا "4400 مليار سنتيم من أموال البرنامج الاستعجالي"، فما كان من مؤسس الحزب فؤاد عالي الهمة إلا أن يقوم بتجميد عضويته، في خطوة اعتُبرت أنها "تنسجم مع مبادئ الحزب الهادفة إلى إرساء الوضوح في العمل السياسي"...
ملفات ملايير البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم لم يقع إغلاقها بعد حتى اليوم، فقد فُتحت أبحاث قضائية حول هذه الملفات، لكنها تركّزت أساسا على مسؤولين في الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، دون أن تشمل بعد الوزير المكلف بالقطاع حين تنفيذ البرنامج، وكذا دائرته الضيقة من المسؤولين الكبار، الأمر الذي أثار جدلا مازال مستمرا في أوساط النشطاء المدنيين والحقوقيين، الذين اعتبروا استثناء الوزير ومسؤوليه الأقربين حتى اليوم من التحقيقات تمييزا في إعمال القانون وتقويضا لربط المسؤولية بالمحاسبة وإمعانا في تثبيت الإفلات من العقاب في جرائم الفساد المالي، وبالخصوص إفلات المسؤولين الكبار والتوقف عند حدود معاقبة الموظفين الصغار!!! بمعنى أن شبهات فساد مازالت تلاحق الشيخ أحمد أخشيشن، الذي تعدى عمره السبعين، وهو يخاطب شبابا في عمر العشرين، وهم يعرفون وهو يعرف أن دوره آت لا ريب فيه، عاجلا أم آجلا، للمثول أمام القضاء، وتقديم الحساب على مسؤولية صرف 44 مليار درهم على البرنامج الاستثنائي لإصلاح التعليم، الذي تحوّل إلى برنامج لإفساد وتخريب التعليم!!!
صراحةً، مرة أخرى، لا أعرف أي "ذبابة" لسعت قيادة ثلاثية "يا حسرة" عندما انتدبت شيخا سبعينيا "مشتبها فيه" لتأطير وتكوين شابات وشباب البام في جامعتهم الصيفية، التي اختتمت أشغالها أمس بـ"التصفيق" دون "تسقيف"؟! ودون تسويق للبرق والرعد الذي خطف بريق 4 آلاف و400 مليار في واضحة النهار، دون أن يُساءل الوزير أخشيشن ولا أي واحدة أو واحد من مسؤولي فريق عمله الكبار عن "الانفلات" الخطير الذي ضرب التعليم العمومي في مقتل أدخله إلى موت سريري لم يخرج منه لحد الآن...
أتصوّر أن بعض الشباب الغيورين، سيطرحون ألف سؤال وسؤال: كيف لأصحاب القرار "الكامشين" اليوم على مفاصل "الجرار" أن يضعوا مفاتيح التكوين بيد وزير أسبق في أرذل العمر ليفتي في أمور التأطير السياسي لشبابٍ في أول العمر؟! ماذا سيعلّمهم؟ وما هي القيم والأخلاق المُثلى والخصال الفُضْلى، التي سيلقنها المعني بالأمر لهذه الأجيال الرقمية الناشئة، طالما أن فاقد الشيء لا يعطيه؟ وهو نفسه الشيخ البامي الذي أجّج غضب الشباب المغربي، خلال النسخة الأولى من الجامعة الصيفية، حين دعا إلى تشديد العقوبة على الجرائم الإلكترونية، إذ رأى فيها الشباب ركوبا من هذا "الشيخ" على قضية عادلة، ليبني عليها خلاصة باطلة تستهدف تكميم الأفواه وحماية المفسدين من تحقيقات وتقارير نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في فضح الفساد على الفضاء الرقمي!!
إن "الشيخ" أحمد أخشيشن ليس مطالبا اليوم بالتأطير السياسي للشباب ولا لغيرهم من فئات المجتمع داخل البام وخارجه، لأن مسؤولاً حزبيا بهذا المسار المُلتبس، وبهذه الملفات "العالقة"، وبما قد ينتظره من تحقيق قضائي، هو بالأحرى مطالب بأن يدافع عن براءة ذمّته من كل هذه التهم التي تلاحقه إلى غاية اليوم.
أحمد أخشيشن، الوزير الأسبق والرئيس السابق لجهة مراكش آسفي ، الذي استطاب الحديث إلى الشباب عن الجهوية، لم يخجل وهو يجمع حول الشباب رؤساءَ الجهات، المنتمين إلى البام، ليقدم إليهم "نموذجا يُحتذى"، تشير إليه أصابع المغاربة بشتى الاتهامات، بعضها وصلت إلى القضاء، وبعضها ينتظر، وضمنها ملفات "الشيخ" أخشيشن نفسه، عندما ترأس جهة مراكش آسفي في الولاية السابقة، حيث كان ومازال في مرمى اتهامات مناهضي الفساد، الذين يثيرون العديد من الشبهات حول ولايته على جهة مراكش آسفي، التي تخترقها "التقوّلات"...
متابعة الرئيس الأسبق للجهة نفسها عبد العالي دومو جاءت بناء على "خروقات" رصدها تقرير المجلس الجهوي للحسابات، وكانت محل شكاية إلى الوكيل العام للملك لدى استئنافية مراكش اتهمته بـ"تبديد واختلاس أموال عامة ومنقولة والتزوير واستعماله وإتلاف وثائق من شأنها الكشف عن جناية"... وفي انتظار انعقاد الجلسة المقبلة لهذا الملف بغرفة جرائم الأموال يوم الجمعة المقبل (18 يوليوز 2025)، شرعت أصوات مناهضي ناهبي الأموال تحتج وترتفع مطالبة بإخضاع ولاية الرئيس السابق للجهة أحمد أخشيشن أيضاً للرقابة المالية، من طرف إحدى هيئات الحكامة الدستورية، وبالخصوص المجلس الأعلى للحسابات!!!
وإذا كانت الرسالة، التي يبعثها أخشيشن من خلال هذا الوضع، هي رسالة سلبية جدا تضرب، في العمق، المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة، فإن الرسالة التي يبعثها إلى شباب البام، وهو يتحدث عن الجهوية، رسالة فادحة، تقدم صورة ملطّخة للتدبير الجهوي، الذي يتابع فيه اليوم كذلك مسؤولون من البام أمام محاكم جرائم الأموال، وأن التغاضي عن فتح أي بحث أو تدقيق أو تحقيق لحد الآن في ما جرى في عهد اخشيشن، أو العهد الحالي، يمس بقدسية مساواة المواطنين أمام القانون، ناهيك عن المساءلة والمحاسبة على "تبديد" ملايير البرنامج الاستعجالي!!! فبئس الدرس والدارس و"زنازن الضّس" التي يسجن داخلها صغار الموظفين كأكباش فداء لكبار المسؤولين!!!
وخلاصة القول إن تكليف مثل هذه "النماذج" السياسية (بتعبير محمد أوزين) بالإشراف على مثل هذه الأنشطة الحزبية الشبابية هو أكبر إدانة ليس لأخشيشن فقط، وإنما هو إدانة لقائدة "الثلث" ومن معها من "الكامشين" على هياكل الحزب، والذين يؤكدون، في كل مناسبة، أنهم فاقدون لبوصلة الحزب، ولبوصلة مؤسسيه الأولين الفاعلين، وقبل ذلك وبعده فاقدين لبوصلة التوجيهات الملكية... لكن أخشيشن، رغم كل شيء، قد قال كلمة حق: "اللي كيفكر وحدو كيشيط ليه"! ذلك ما سيقع لأخشيشن ومن معه من "بنت الصالحين" إلى باقي المخططين النافذين من حولها، الذين يظنّون أن بإمكانهم "الضحك" على شباب اليوم لجعلهم مطية نحو الكراسي والمناصب والمكاسب، وهو ما سنعود له بالتفصيل من خلال "خدعة جيل 2030"، فعلى "جماعة بنت الصالحين" أن تعرف أن هؤلاء الشباب هم واعون ومطلعون على كل ما ينشر حول الفضائح والحصيلة الكارثية التي ورّطوا فيها حزباً بكامله، جاء في الأصل ليمارس السياسة بشكل مغاير قبل أن يحولوه اليوم إلى وسيلة للنهب، و"سوط" في يد عزيز أخنوش وأغلبيته لحماية الفساد والمفسدين قولاً وفعلاً وتشريعاً.