سيلفي برونيل تتحدث عن زلزال الحوز: المغرب ليس هو هايتي وموقف محمد السادس مسألة عزة نفس
الكاتب :
"الغد 24"
محمد محيفيظ
يتساءل الكثيرون عن سبب تردد السلطات المغربية في الاستجابة لعروض المساعدة التي قدمتها عشرات الدول إثر كارثة الزلزال...
بعض وسائل الإعلام الفرنسية حولت الأمر إلى حدث غطى على الكارثة في حد ذاتها، مع الكثير من الخبث واللؤم في طريقة الطرح..
سبق لجريدة لوفيغارو (يوم 10 شتنبر 2023) أن طرحت الموضوع مع عالمة جغرافيا مرموقة وأستاذة جامعية في السربون ورئيسة سابقة لجمعية غير حكومية هي جمعية "عمل ضد الجوع"، هي سيلفي برونيل (Sylvie Brunel). وقد قدمت تفسيرات موضوعية مفنّدةً لادعاءات الأوساط الإعلامية الفرنسية المغرضة إياها.
نظرا لأهمية الحوار، الذي أجرته الصحافية إليزابيث بّيرسون (Elisabeth Pierson)، أقدم هنا ترجمة شخصية سريعة له، لتعميم الفائدة، مع رابط الحوار...
لوفيغارو: منذ حدوث الزلزال ليلة الجمعة، قامت بلدان عديدة بعرض مساعدتها لتقديم يد العون في عمليات الإنقاذ. وبعد صمت طويل، قبل المغرب أخيرا مساعدات إسبانية. لماذا هذا التحفظ؟
سيلفي برونيل: عندما تتعرض دولة ما إلى كارثة، فإنها هي التي تقرر في مسألة طلب المساعدة. إنها مسألة سيادة. من غير المقبول أن تتهاطل المساعدات الدولية على بلد، إلا إذا فشل هذا البلد في القيام بمسؤولياته، كما كان الحال في هايتي سنة 2010، حيث إنه بعد حدوث الزلزال، كان هناك طوفان من المساعدات الإنسانية، لأن الدولة كانت عاجزة تماما عن مواجهة الوضع، بل إن القصر الرئاسي نفسه كان قد انهار. لكن بعد ذلك، كان هناك سجال بأن هايتي قد تعرضت لانتهاكٍ لسيادتها. إذ إن اللجنة المؤقتة لإعادة إعمار هايتي، كان يقودها بوش، وبعده كلينتون، بشكل مباشر...
إذن، يريد محمد السادس أن تبقى له اليد العليا في بلده. إنها أيضا مسألة عزة نفس. ضعوا أنفسكم مكان المغرب. في حالة حدوث كارثة طبيعية (في فرنسا)... تخيلوا أن تتوافد من تلقاء أنفسها منظمات غير حكومية مغربية وأمريكية؟ عادة تتجه المساعدات الإنسانية الدولية من البلدان المتقدمة إلى البلدان المتخلفة. فباعتباره بلدا صاعدا، يسعى أن يكون محاورا لأوروبا، ويطمح لأن يكون قوة إقليمية في أفريقيا، تريد الرباط أن تظهر أنها ذات سيادة، وأنها قادرة على قيادة عملية الإنقاذ، وألّا تتصرف كبلد مكلوم يريد الجميع أن يسعفه بداعي الشفقة...
لوفيغارو: إذا كان المغرب يرفض بدافع الأنفة، أليس ذلك تصرفا إجراميا تجاه الضحايا المحتملين الذين ما زالوا تحت الأنقاض؟
سيلفي برونيل: تثيرون هنا نقطة مفصلية، وهي المتعلقة بنجاعة وسرعة عمليات الإنقاذ المحلية في حالة زلزال. إن وضع تراكم الأنقاض تجعل أن كل شيء يحسم خلال 24 أو 48 ساعة الأولى. التدخلات الأساسية هي تدخلات القرب. بعد ذلك، فإن احتمال العثور على أحياء يتضاءل جدا، اللهم إلا في حالات استثنائية لأشخاص يكونون عالقين داخل فجوات. يعني أنه في انتظار وصول المساعدات الدولية، يكون قد فات الوقت للأسف. باسم هذا الأمل الضئيل لإنقاذ ناجين، يكون الخطر بالنسبة للمغرب أن يفقد سيادته.
ثم، إن تهاطل مبادرات المساعدة في عمليات الإنقاذ إبان الكوارث الإنسانية يكون مصدرا لعدد من المشكلات: الازدحام، رداءة التنسيق، الطرق المختنقة، أو زرع بنيات ليس من الضروري أن المغاربة يرغبون فيها (إسلاموية أو ذات توجه ديني مثلا).
إن الناس يحركهم دافع السخاء، لكن أيضا هناك بعض حسن النية الساذجة. إن كل عملية تدخل إنساني هي قبل كل شيء شأن جيوسياسي. إن بنيات العمل الإنساني حصان طروادة من أجل التوطن ونسج علاقات، وإظهار من هم أصحاب الفضل. إن الرباط ترفض أن تكون ميدانا كبيرا لعمليات إنسانية لا تتحكم فيها.
لوفيغارو: المساعدات المعروضة من طرف الدول إذن ليست سوى مسألة مصالح؟
سيلفي برونيل: إليكم هذه الطرفة. إبان تسونامي 26 دجنبر 2004 بجنوب شرق آسيا، سارع الأمريكيون إلى اقتراح المساعدة لأندونيسيا. لقد كانت الوسيلة التي يحلمون بها ليعودوا مرة أخرى لإيجاد موطئ قدم في منطقة من العالم لم يكونوا يتمتعون فيها بسمعة طيبة. بعد العراق، وأفغانستان سنة 2001، كانت هناك فكرة شائعة وهي أن الولايات المتحدة لها حساب تصفّيه مع المسلمين. والحال أن أندونيسيا تحتضن أكبر ساكنة إسلامية في العالم. هل تعلمون ما هي العبارة التي استعملت كاتبة الدولة الأمريكية كوندوليزا رايس؟ لقد قالت: "إنها فرصة رائعة"...
لوفيغارو: فقط قطر وإسبانيا من تلقيا طلبا من الرباط. لماذا؟
سيلفي برونيل: لأن هناك علاقة وثيقة بين الملك محمد السادس والأمير القطري آل ثاني، وتوجد علاقات ممتازة بين البلدين، تميزها الندية. إنه حساب جيوسياسي: المغرب سيختار بعناية شركاءه من أجل ألّا تدْخل سوى بنيات ذات كفاءة عالية وخبرات خاصة، مثل الكلاب الشمامة، التي ستسمح بتحديد موقع الأشخاص العالقين.
لوفيغارو: هناك شح في المعلومات والصور التي ترشح عن عمليات الإنقاذ. هل يتوفر المغرب على الموارد الضرورية؟
سيلفي برونيل: لقد تم نشر القوات المدنية والقوات المسلحة الملكية بسرعة. لكن سيتجاوزها الوضع سريعا. ذلك أن الزلزال ضرب مناطق جبلية وعرة. ثم إن مشكلة التخلف كبيرة في المغرب، البلد الذي يعرف تفاوتا بين مناطق تشبه المدن الأوروبية الكبرى، وقرى بالجبال مدارسها عاطلة، ومنعدمة الخدمات العمومية... إلخ. لن يكون متاحا للقوات المغربية، بالضرورة، أن تنقذ أرواحا ولا أن تعيد التعمير بعد ذلك. المطروح لاحقا هو إقامة ملاجئ، إعادة تشغيل شبكة الاتصالات، توفير الماء الشروب، مواجهة موجة البرد... سيتطلب الأمر إمكانيات ضخمة جدا.