يوسف اغويركات: وداعا عز الدين سُلَيم.. المناضل الذي فتح قلبه وبيته لحلمنا الديمقراطي الشعبي
الكاتب :
"الغد 24"
يوسف اغويركات
يتساقط الرفاق تباعا، أولئك الذين أفنوا أعمارهم وشبابهم في معارك الشرف من أجل وطن ديمقراطي، عادل وحر، نذروا حياتهم من أجل دمقرطة الدولة ودمقرطة المجتمع، وواجهوا في سبيل ذلك الإقصاء والتهميش والملاحقة، لكنهم ظلوا أوفياء لقناعاتهم حتى آخر لحظة.
يسقطون واحدا تلو الآخر، بصمت النبلاء، دون ضجيج، وقد أدوا الأمانة كاملة، وتركوا وراءهم أثرا لا يُمحى، وذكريات لا تموت.
بعد الرفيق العزيز محمد الصالحي، الذي غادرنا قبل أيام، ها نحن نودع اليوم واحدا من أنبل الرفاق، رفيقا عزيزا، مناضلا شامخا، وإنسانا نادرا في زمن الندرة، الرفيق عز الدين سُليم، الذي غادرنا وهو في أوج عطائه الإنساني والنضالي.
حين التحقتُ بشبيبة منظمة العمل الديمقراطي الشعبي في أواسط الثمانينيات، كان لقائي الأول مع سُليم، الأستاذ اللامع بثانوية الخوارزمي التقنية. منذ البداية، شدّني حديثه العميق عن النضال الديمقراطي "طويل النفس"، عن الوحدة الترابية، وعن قناعة راسخة زرعها فينا "لا يكفي أن تكون قضيتنا عادلة، بل يجب أن نحسن خوضها"...
كانت له أقوال مأثورة، وكأنها حِكم من نبع التجربة. لم يكن يرددها استعراضا، بل كان يعيشها قناعة وممارسة. من عباراته التي ظلت راسخة في ذهني "المناضل الحقيقي يجب أن يؤمن بحتمية الانتصار الثوري، وأن يكون على استعداد دائم للتضحية"... كان يعتبر أن اليأس خيانة، وأن الإيمان بالقضية لا يكتمل إلا بالاستعداد لأداء ضريبتها مهما كان الثمن.
كان سُليم مرجعا لنا، يحكي عن المؤتمر 16 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الذي شارك فيه كمؤتمر، وعن لحظات مشرقة من تاريخ الحركة الطلابية والنقابية. كان الأقرب إلى الشباب، الأكثر فهما لهم، والأقدر على الإنصات إليهم دون وصاية أو تعال. وكان بيته مفتوحا لنا في كل الأوقات، صباحا ومساء، ملاذا دافئا للرفاق، وفضاء للنقاش والتخطيط والحوار العميق. لم يكن ذلك تفضلا منه، بل امتدادا طبيعيا لروحه الرفاقية الصادقة، ولإيمانه بأن النضال لا يكون فقط في الشارع أو داخل الهياكل، بل أيضا في العلاقات الإنسانية التي تُبنى على الثقة والكرم والمشاركة.
نقابيا، كان رجل المواقف الصلبة والحلول الذكية. حين تشتد الخلافات وتتعقّد الصراعات، كان هو الحَكَم، صانع التوافقات، المبادر إلى مدّ الجسور دون أن يتنازل عن مواقفه المبدئية. صوته كان عاليا، واثقا، لا يراوغ ولا يجامل حين يتعلق الأمر بالمبادئ.
ولن أنسى أبداً فرحته الصادقة، كفرح طفل، بمبادرة جمع الرفاق يوم 29 فبراير 2020 بآسفي. تلك اللمة التي جمعت عشرات الرفيقات والرفاق الذين شكلوا عصب المنظمة، وحضرها معنا محمد الحبيب طالب، علال الأزهر، المرحومة نزهة أمزيان، المهدي العمراني، زهرة الخضري، يوسف أيت منصور، والرفيق عز الدين نفسه، الذي كان روح اللقاء ودفئه.
رحل عز الدين كما عاش مناضلا شهما، نقيا، محبوبا، دمث الأخلاق.
ترك فينا فراغا لا يملأه سوى ذكراه العطرة وسيرته النضالية والإنسانية التي ستبقى حية بيننا...
اتصلتُ به قبل أيام فقط، وحزنت كثيرا لحاله، حيث فقد صوته وكان الوهن باديا عليه... لكن صوته ظل حيا فينا، كما ستظل روحه بيننا.
نم قرير العين يا رفيقنا، فقد أديت الأمانة كما ينبغي.
سنفتقدك كثيرا، لكنك ستظل في قلوبنا، في حكاياتنا، وفي كل ما زرعته فينا من صدق ونبل.
وداعا عز الدين.. وداعا أيها الرفيق العزيز...
الصورة (من أرشيف يوسف اغويركات) تعود إلى سبتمبر 1989، التقطت في القطار القادم من فاس إلى آسفي، بعد المشاركة في المؤتمر الوطني لحركة الشبيبة الديمقراطية.. في العلامة الأولى الرفيق الفقيد عز الدين سليم، وفي الثانية الرفيق كاتب المقال يوسف اغويركات، ثم الرفاق عبد اللطيف ازريع، وعبد الهادي قشوشي، ونور الدين ميفراني، ومحمد امشياع، وعبد الحكيم زيزة، وعبد الصادق السعيدي، وعبد الرزاق نشاطي
الصورة تعود إلى يوم 29 فبراير 2020 بآسفي، تفعيلا لمبادرة إنسانية جمعت عشرات الرفاق والرفيقات المتحدّرين من منظمة العمل الديمقراطي الشعبي بآسفي واليوسفية.. العلامة على الصورة الرفيق الفقيد عز الدين سليم يتوسط الرفيقين أحمد نشاطي وجمال زغلول