أمال حجي.. رَحل وفي الروح شعر وحب وأمل وحلم ورفاق (+ صور)
الكاتب :
أحمد نشاطي
أحمد نشاطي
مات الرفيق أمال حجي وأوراق الشعر مبعثرة بالقرب من جثمانه، مات الثّمل دائما بلوثة الشعر، منذ كنا شبابا يافعا ينظم الأمسيات الشعرية ليقول للعالم إن لدينا مبدعين، وليلتقط بعض الأنفاس من وعثاء المسير في الحلم بالثورة الذي كان يتملّكنا، وعندما أسّسنا حركة الشبيبة الديمقراطية، كان بيننا فنانات وفنانون، في الموسيقى والغناء معا، وفي العمل المسرحي والسينمائي، وكان بيننا، رفيقات ورفاقا، كُتابٌ ونقاد وقصاصون وروائيون وإعلاميون، وكان بيننا شعراء، شعراء كثيرون، وفي صدارة حركة الشبيبة الديمقراطية، كان هناك حسن الشيخاني في مراكش، وكان أمال حجي في سلا، وبين الحين والآخر كنا نناديه بشاعر "حشد"... تمر السنوات، وعاد أغلبنا إلى بيوتاتهم، لكن أمال حجي ظل يصرّ على تلك العرى الوثيقة والعميقة التي كانت تربط بين الرفاق، يسأل عن المرضى منهم، يعايدهم، ويكتب فيهم شعرا، وحبا، وأملا وحلما بمغرب جديد سعيد...
وظل أمال، اليوم كما كان، ذلك الحالم بالحب والثورة ومجد العنفوان، لطالما تأبط حبه وعاش في عدد من البلدان، في العمل الديبلوماسي، الذي أبلى فيه بلاء حسنا من لبنان ومصر إلى بلدان أفريقية، وفي ساحل العاج، حكاية طويلة مع الحرب والانقلاب أبَان فيها شاعرنا وفقيدنا ورفيقنا أمال حجي، وكان نائبا للسفير، عن شجاعة قل نظيرها، بقي هناك رغم القلاقل والهزات حيث لا صوت كان يعلو فوق صوت النار... وفي كل ذلك، كان مناضلا، وبقي مناضلا، ومات مناضلا حالما بالحرية والدمقرطة والعدالة والكرامة والتقدم والتنمية...
ومن بيروت إلى القاهرة إلى أبيدجان إلى سلا اليوم، ظل أمال حجي يتنفس الشعر، يسكر بالشعر، يتحدث بالشعر، ورغم مرضه، كان يتحامل على نفسه، ويعاند آلة التنفس التي يحملها معه خارج البيت، كان يتحدى المرض ويلغي الخوف من الموت من حسبانه، فنتواعد ونلتقي في مقهى شاردة قرب محطة القطار سلا المدينة، ليراود الشعر، ونصقل النسخة النهائية لديوانه الشعري الثاني، الذي يحمل عنوان (أنا الإله الجبار في العشق.. وأنتِ كاهِنَتي، فيه)، ولم يمر أسبوع على الانتهاء من الاشتغال على العاشق الجبّار، حتى عاد يحرّضني لمراودة أشعار ديوانه الثالث، ويحمل عنوان ("التراكتاتوس" الذَّبَّاح)... لعل الشاعر أحس بدنو أجله، فتراه يسابق الوقت لإخراج كل ما في جعبته من إبداع طال زمن ركنه في زاوية مهملة، ولطالما حرّضته على الخروج من هذه العتمة القسرية... أصدر ديوانه الأول (ديدان تقتات من أشيائي السفلى) في ماي 2024، وأنهى إعداد ديوانه الثاني "أنا الإله الجبار في العشق.. وأنتِ كاهِنَتي، فيه" في يوليوز 2024، وكان منتظرا أن ينهي إعداد ديوانه الثالث ("التراكتاتوس" الذَّبَّاح)، في غشت 2024...
وبحكم انشغالاتٍ طارئة، طلبت من رفيقنا الجميل أمال حجي إرجاء مراودة الديوان إلى حين قصير... كانت آخر مكالمة بيننا يوم السبت 10 غشت، وفي كل مكالمة تكون حكايات وقصص ونوادر ونكت وضحك، ثم تحدثنا عن مشروع ديوانه الجديد، وضربنا موعدا لمكالمة كانت مبرمجة لنهاية هذا الأسبوع لنحدّد أول مواعيد مراودة الديوان الجديد، قبل أن يهزّني رفيقنا العزيز يوسف غويركات بالخبر الصادم: مات رفيقنا أمال حجي...
لماذا لم تنتظرني حتى الغد لنتهاتف ونلتقي، لماذا أخللت، على غير عهدك، بالوعد، لماذا لم تنتظرني إلى الغد، وتقرأ علي ما شاء لك جنونك من الشعر؟ كنت أنتظر لقاءك فإذا بك، وربّما على غفلة، تقرّر الرحيل، تحمل معك شغبك الطفولي الذي لم يغادرك حتى والشيب بدأ يأخذ منا أي مأخذ، لا يمكن أن أستحضر رفيقنا أمال حجي دون أن أستحضر صورة شغبه، الذي كان يبدع في اللعب معه والتلاعب به، لكأنه أقسم ألا يعيش دون أن يسخر، ويضحك، ويشعر، وعندما تستبدّ به اللوثة، كان يغني، يردّد مقاطع جميلة من أغاني قديمة لأم كلثوم وعبد الوهاب الدكالي ولطيفة رأفت وكل أولئك النجمات والنجوم الذين كانوا يمدوننا بما تيسّر من روعة الإبداع الفني ودون حساب...
لماذا لم تنتظرني يا رفيقي حتى نلتقي؟ وداعا رفيقنا، الذي غادرنا وترك في القلوب غصّة حرّى موجعة ومؤلمة، وأحر العزاء والمواساة لكل عائلته الصغيرة، لزوجته فدوى، ولابنته نور وابنه إسماعيل، ولكل رفيقاته ورفاقه ولكل أهله الطيبين...
ولعل أفضل تعزية أن نهديه ونهدينا في رحيله المفجع لنا قصيدته (يَدُ الْحَجَرِ مَاء: لـ"مَارسَ" رائِحةُ التّرابِ وطَعْمُهُ):