عبد السلام الصديقي: من اجل تنمية ترابية تفتح المجال لتفعيل المصعد الاجتماعي
الكاتب :
د. عبد السلام الصديقي
د. عبد السلام الصديقي
منذ اليوم التالي لخطاب العرش الملكي، بدأ سباق مع الزمن. وكان على عاتق وزارة الداخلية، المتمرسة في هذا المجال، مسؤولية تنفيذ التوجيهات الملكية. أولاً، لتحضير الظروف لتنظيم الاستحقاقات الانتخابية المقبلة. ولهذا الغرض، عُقد اجتماع أولي منهجي في 2 غشت مع الأحزاب السياسية، حيث تم دعوتها لتقديم مقترحاتها في موعد أقصاه نهاية الشهر. ومر هذا اللقاء في أجواء ودية، وهو ما يعد فألًا حسنًا للمستقبل. ثم، من خلال معالجة مسألة التنمية عبر تقليص العجز في الخدمات الاجتماعية الأساسية، ومكافحة الفوارق الاجتماعية والمجالية، وخلق فرص عمل منتجة لصالح الشباب.
الديمقراطية والتنمية وجهان لعملة واحدة
في الأساس، الجانبان، الديمقراطية والتنمية مرتبطان. يمكننا حتى إضافة حقوق الإنسان، ولاسيما الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية. وهكذا، فإن الرغبة في تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة في مجتمع يهيمن عليه الفقر والهشاشة هي مجرد وهم. لا ديمقراطية بدون تنمية. ولا تنمية بدون ديمقراطية. علاوة على ذلك، يَظهر هذا الرابط الجدلي والعضوي بين "الديمقراطية" و"التنمية" بوضوح في الخطاب الملكي. البلد لا يمكنه ان يتقدم إن هو ترك أجزاء واسعة من السكان على حافة الطريق. قطار التقدم يجب أن يكون قادرًا على تأمين مكان للجميع. شرط أساسي لإنهاء "المغرب الذي يتقدم بسرعتين". لا يهم ما إذا كان هناك درجة أولى ودرجة ثانية. الأهم هو أن يصل الجميع في نفس الوقت! لتحقيق ذلك، يجب إصلاح المصعد الاجتماعي الذي كان معطلاً لسنوات.
في هذا السياق، وجّه وزير الداخلية دورية في 15 غشت الماضي إلى الولاة والعمال يدعوهم إلى "البدء، بسرعة وفعالية، في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإنجاح هذا المشروع الملكي، وذلك بالتنسيق مع الفاعلين المحليين المعنيين". يتعلق الأمر باستهداف مشاريع ذات تأثيرات حقيقية على السكان من حيث خلق فرص العمل، لاسيما في القطاعات الإنتاجية، وتعزيز الخدمات الاجتماعية الأساسية مثل التعليم، والولوج إلى العلاجات الصحية "بما يحفظ كرامة المواطنين، ويحقق العدالة المجالية، ويحد الفوارق المجالية"، والتدبير الاستباقي والمستدام للموارد المائية في سياق الإجهاد المائي وتغير المناخ، والتأهيل الترابي المندمج بما يتماشى تمامًا مع المشاريع الكبرى الجاري تنفيذها على المستوى الوطني. هذه هي الأولويات التي جاءت بالفعل في الخطاب الملكي وتم التذكير بها في دورية الوزير.
مقاربة تشاركية ومدمجة
سيكون الولاة والعمال في الطليعة لقيادة هذه المشاريع مع الحرص على إطلاق سلسلة من المشاورات مع جميع الأطراف المعنية (المسؤولين المنتخبين، المصالح اللامركزية للدولة، المؤسسات والمقاولات العمومية، الجامعات...) بهدف إعداد هذه البرامج التنموية الجديدة وتوعيتهم بشأن منهجية إعداد هذه البرامج والتحديات المرتبطة بتنفيذها.
في ضوء السياق ما قبل الانتخابي الذي أُطلقت فيه هذه العملية، أصدرت المذكرة عددًا من القواعد والمتطلبات التي يجب الالتزام بها، بما في ذلك: توافق البرامج مع التوجهات الملكية، اعتماد مقاربة تشاركية ومدمجة استهداف وترتيب أولويات البرامج بناءً على تشخيص دقيق، إعطاء الأولوية للمناطق القروية المحرومة، والامتثال لقواعد الالتقائية والتكامل لتجنب التكرار والهدر.
"لا شك أن التصور الجيد وتنفيذ هذه البرامج الجديدة سيؤديان بالتأكيد إلى تحسين ظروف حياة السكان، والحد منً الفوارق المجالية وتعزيز الجاذبية والتنافسية الترابية، وتحسين مؤشرات التنمية البشرية وخلق فرص الشغل".
لا أحد فوق القانون
سنرى النتائج خلال الأيام القادمة قبل إطلاق أحكام مسبقة. النص كما هو مقدم واعد. هناك استعجال بالتأكيد، لكن لا يوجد حريق في المنزل. يجب تجنّب الارتجال، أو المجيء بمشاريع جاهزة في الخفاء، مما يفرغ التشاور من أهميته، أو الانغماس في تفكير أكاديمي وفلسفي بحت. الملفات التي يجب معالجتها هي ملموسة. ترتيب أولوياتها يعتمد على درجة خطورتها وتأثيرها الفوري على السكان المعنيين.
لقد أحسنت الدورية الوزارية في اختيار العمالة/الإقليم كإطار للتدخل، ولكن داخل كل إقليم، هناك حالات طارئة يجب معالجتها على المستوى الجماعاتي. عندما يكون لدينا جماعات ترابية تسجل معدل فقر متعدد الأبعاد يزيد عن 50%، الاختيار يفرض نفسه. يجب أن ينطلق التأهيل الترابي من أحدث بيانات المندوبية السامية للتخطيط المستندة إلى الإحصاء العام للسكان لعام 2024. وهو ما لا يستبعد القيام بالتحققات أو التحديثات إذا لزم الأمر ذلك.
علاوة على ذلك، إذا كانت الدورية مصاغةً على مستوى عام يقتصر على المبادئ الكبرى، وهو أمر طبيعي. ومع ذلك، يجب علينا تحديد المستوى الزمني للإجراءات الواجب اتخاذها: هل هو نهاية سنة 2025 أم نهاية سنة 2026 أم أفق سنة 2030؟ ثمة شيء واحد مؤكد: التخطيط الاستراتيجي لا يتم على المدى القصير. وبالمثل، تدعو المذكرة إلى إجراء تشخيص قبل اتخاذ أي إجراء. إنها فكرة ممتازة، لكن إجراء تشخيص لوحدة ترابية قد يتطلب وقتًا وموارد.
أيضًا، من المناسب أن نلعب دور الشفافية المالية بالكامل: مما يتطلب الإعلان في الوقت المناسب عن الميزانية المخصصة، وتوزيعها حسب نوع التدخل والفضاء الترابي، ومصادر تمويلها ومساهمة الشركاء المعنيين.
يجب أن تكون ثقافة التقييم والمساءلة حاضرة بقوة. فلا أحد فوق القانون. في هذا السياق، فإن السياسات العمومية، التي تم تنفيذها حتى الآن، بما في ذلك صندوق التنمية القروية، الذي استفاد من ميزانية ضخمة تبلغ 50 مليار درهم، يجب أن تخضع لتقييم موضوعي وغير متحيز.
ختاما، لن نجد أفضل من خاتمة الدورية: "الرهان النهائي هو أن التوجيهات الملكية السامية المذكورة في خطاب العرش، تُترجم بسرعة وبطريقة بناءة إلى إجراءات ملموسة ومرئية على الأرض، وأن تُنفذ برامج التنمية الترابية بشكل فعلي".