حسن عين الحياة: كوميديا النظام الجزائري.. سوداء فعلا!
الكاتب :
"الغد 24"
حسن عين الحياة
تعجبني كثيرا كوميديا بلدي التي يبدعها صناع الفكاهة الحقيقيون، ممن ينتجون أفكارا جديدة محفزة على الإضحاك.. وتغريني النكتة السياسية في بلدي، التي بقدر ما تُضحك فينا الوعي والعقل، تعبر في الوقت نفسه عن رحابة صدر الدولة في تقبل الرأي الآخر، مهما كان منقوعا من حبر السخرية.. لكن، وهذا واقع، أميل أكثر إلى الكوميديا الجزائرية التي تقدمها المؤسسة العسكرية 24/24 ساعة لشعب شقيق، مغلوب على أمره، والتي يمكن إدراجها في باب الكوميديا السوداء، باعتبارها تنتج الضحك من عمق الألم والبؤس والتيه والوعي المتأخر بأن قطار تقدم الدولة قد فات.
ولا غرابة أن الكوميديا التي ينتجها العسكر في هذا البلد، موضوعها الأوحد الجار "المرّوك"، لذلك، فهي تعتبر صناعة في حد ذاتها، إذ لها سياسيون فكاهيون بالفطرة، وإعلام مجبول على نشر النكت في جرائده، ومبرمج بآلات تقليدية على خلق الأخبار الحصرية التي لا ساحة لها في الواقع إلا في عقل "الكابرانات". لذلك، عندما تعتريني الرغبة في الضحك والترويح عن النفس، "كنضرب شي طلة" على ما يبثه التلفزيون الجزائري وما يكتبه العسكر بأقلام الصحافيين. وهنا لا حديث إلا عن المغرب وعن "استفزازاته" التي لا تنتهي.
في كرة القدم مثلا، إن استجابة المغرب لطلبات الدول الإفريقية التي لها ملاعب غير مؤهلة من قبل "الكاف" من أجل خوض منافساتها القارية في ملاعب المملكة، يعتبره عسكر الجزائر أكبر استفزاز للدولة. واستقبال المنتخب الوطني المغربي لمنتخب إفريقيا الوسطى "ألي وروتور" في وجدة يرونه استفزازا أيضا.. وأما لعب هذا المنتخب الإفريقي بقميص عليه خريطة بلده، فهو عندهم استفزاز مقصود، وقد قامت القيامة بسببه في بلاطوهات قنوات الجار. حتى أن اعتماد "الكاف" الـ"سكور بورد" الخاص بنتيجة وتوقيت المباريات التي ترتسم أعلى يسار الشاشة، اعتبروه استفزازا صريحا لهم، لكونه يضم لوني العلم المغربي وعبارة "موروكو 25".. صورة "لقجع" في المدرجات وهو يتابع بنهم مباريات منتخب بلده استفزاز كذلك.. بل إن لازمة "ديما مغرب" التي يرددها رئيس الفيفا جياني إنفانتينو هي أكبر استفزاز عندهم.. أما تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 فذاك استفزاز بعيد المدى.. الملاعب الحديثة عندنا استفزاز.. والعشب الأخضر استفزاز.. وحافلات الركاب الأنيقة التي تقل لاعبي المنتخب الوطني والمنتخبات الأخرى استفزاز.. صور أمهات اللاعبين في المدرجات استفزاز، وحتى تسجيل حكيمي هدفا لباريس سان جرمان استفزاز.. كل شيء عندهم استفزاز وكولسة. والمضحك أن كل هذه الأمور تتعلق بشأن داخلي يخص المغرب وحده.
في الشق الدبلوماسي اضحك ولا حرج.. فاعتراف فرنسا مؤخرا بمغربية الصحراء اعتبره النظام الجزائري استفزاز وتهديد لأمن بلد الـ5 ملايين و630 ألف شهيد.. أما الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون للمملكة في 28 أكتوبر الجاري فهي بالنسبة لهم استفزاز "أوفر دوز"، وقس على ذلك الاعترافات المتوالية للدول الأوروبية والأسيوية والأمريكية والإفريقية بمغربية الصحراء، والتي هي عندهم استفزاز أعظم.. خلاصة القول، وجود المملكة في القارة، حتى قبل أن تُخلق دولة اسمها الجزائر هو استفزاز لهم أيضا.
والمضحك أكثر، هو أن النظام الجزائري، ظاهره ومستتره، يعبر عن شعوره بالاستفزاز صراحة، بلا حرج وبلا "حشمة"، عند كل إنجاز مغربي، سواء في أحاديث الرئيس المُعيَّن، أو في خطابات من عيَّنه أو من خلال بلاغات مؤسساتهما.. وبالتالي، يحاول هذا النظام جاهدا عند أي تقدم اقتصادي أو سياسي أو دبلوماسي أو اجتماعي أو رياضي للمغرب، أن يرسم صورة أخرى للمملكة عند الشعب الجزائري. لذلك، ينتجون يوميا وبكثافة أخبارا عن المغرب موجهة للاستهلاك الجزائري، كثيرها وليس بعضها، "يقتل عندنا بالضحك"، لكوننا نعرف أنها لا تعدو أن تكون مجرد محاولات لتصريف الأزمة الداخلية في هذا البلد الشقيق إلينا، حتى تتكرس أكثر عقد الجار المغربي، وأيضا لجرنا، في محاولات يائسة، للرد ولو بكلمة "لعنو الشيطان آااااالخوت".
عموما، تعجبني استفزازات بلدي.. وأريدها أن تستمر أكثر بإنهاء مشروع "تيجيفي" القنيطرة مراكش ومراكش أكادير، وأن تتكرس أكثر بتقديم أفضل نسخة لكأس أفريقيا 2025، وأن تزيد قوتها بإنتاج مليون سيارة العام المقبل.. وسأكون سعيدا أكثر لو أن هذه الاستفزازات شملت الربط القاري بين المغرب وإسبانيا عبر مضيق جبل طارق.. وأن تكبر أكثر حينما يسجل المغرب في نهاية العام 20 مليون سائح، بعدما سجل في متم يوليوز الماضي رقما قياسيا بتوافد 10 ملايين سائح على المملكة.
الحاصول.. إن ما نراه، ويراه المتابعون في العالم إنجازات كبرى في المغرب، يراها نظام الجار الشقيق استفزازات وتهديدات لوجوده.. و"فهم تسطا".