أحمد حبشي: مهرجان ابن مسيك الثالث عشر للمسرح الاحترافي.. خصائص الإبداع
الكاتب :
"الغد 24"
أحمد حبشي
في موعدها الثالث عشر، أكدت جمعية "فضاء القرية للإبداع" إصرارها على مواصلة الاحتفاء بأعلام الإبداع المتميّزين بإسهاماتهم ونوعية عطاءاتهم المتعددة. فمنذ الدورة الأولى لمهرجان ابن مسيك للمسرح، أثارت الانتباه إلى الحضور الخلاق لثلة من المبدعين، الذين تميّزوا بخصوصية تجربتهم ومجال عطاءاتهم. اتسعت دائرة المبادرة وأصبح إشعاعها منارة قوية الإشارات في رد الاعتبار، والتنويه بكل العطاءات ذات النفس الإبداعي المتميز والحضور الفعال في تطوير الأداء الثقافي والتجريب المسرحي على وجه الخصوص.
في لحظة التكريم الخاصة بالمبدع عبد الواحد عوزري، التي أقيمت بمسرح بنمسيك مساء يوم الأربعاء 26 يونيو 2024، كان الحضور القوي لثلة ممن واكبوا تجربته الإبداعية وخصوصية أدائه الفني، شهادة على حقيقة تميزه كمبدع متعدد، فتح أكثر من أفق في تطوير الأداء المسرحي بتجديد آليات تعبيره، وتسخير كل إمكانياته الفنية والأدبية للرفع من منسوب الفرجة وتوسيع أفق أبعادها.
في التعريف بتجربة عبد الواحد عوزري الإبداعية، كشفت مداخلات كل من الحسين الشعبي ومحمد بهجاجي عن الأبعاد والإضافات النوعية، التي حملتها تجربة المحتفى به، وخصوصية الموقع الذي احتلته في سياق ما عرفه المسرح المغربي من تحولات واجتهادات، سواء على مستوى الكتابة أو عند تقديم العروض. لم يكن في حديثهما، كمهتميْن ورفيقي درب، أي إطناب أو سعي لتلميع صورة المحتفى به، بل قدّما معطيات تبرز ما حملته تجربة عوزري الإبداعية، وتصوره الخاص في تقديم العروض وتحقيق الأداء النوعي للممثلين. وهو ما شكّل، لحظتها، قفزة في التجريب المسرحي وتوسيع أفقه الإبداعي، وشجّع العديد من رواد المرحلة على تخطّي دائرة الفهم الكلاسيكي لقواعد الإخراج وكيفية تقديم العروض وتحديد بنية النصوص وصيغ تفكيكها.
فإلى جانب تجربة مسرح اليوم وتألقها بشكل لافت، كانت تجربة المسكيني الصغير وحوري الحسين إلى جانب آخرين بخصائص متباينة، والتي سعت كلها إلى بلورة تصورات، شكلت بعدا مفاهيميا يعتمد قواعد وتصورات، تساعد على بسط المسعى أو الغاية من اختيار النصوص وكيفية عرضها. تجارب متباينة جعلت البعد النظري أو التنظيري يتسع، ويصبح قاعدة معرفية في اختيار النص وحصر مقومات شكله في كل أبعاده الفنية والمعرفية. فكان أن قاد كل ذلك إلى ضرورة التعميق النظري وتوسيع دائرة المعارف عند كل المهتمين.
فليس صدفة أن يكون عبد الواحد عوزري من أوائل الأكاديميين الذين سعوا إلى تعميق معارفهم والرقي بها إلى أقصى درجات البحث والاستقصاء، والانخراط المباشر في وضع اللبنات الأولى للتكوين الأكاديمي بالمغرب في مجال المسرح والأداء الفني، حيث تم تجاوز معاهد الاستئناس، التي كانت تكتفي بتقديم أولويات العمل المسرحي وتقوية حضور بعض المواهب.
فشكرا لجمعية "فضاء القرية للإبداع" على هذه الفرصة السنوية، التي تسمح بالوقوف على حقيقة تجربتنا الإبداعية، ومواقع مختلف المساهمات في تطوير الأداء الإبداعي وتجلياته بما يميّزها من تباين وتكامل، يسمح بتحقيق التنوع والكشف عن حقيقة عطاء كل الطاقات الإبداعية وخصوصية قدرة تميزها.