العبيد في مغرب الأمس القريب.. 6- العبيد يلجأون إلى الاعتصام الجماعي من أجل الخبز
الكاتب :
"الغد 24"
حلقات يعدها الزميل محمد الخدادي عن العبيد في مغرب الأمس القريب
في إطلالة على عالم العبودية من ماض قريب، نقدم في حلقات رصدا لبعض مظاهر العبودية والرق بالمغرب في القرن التاسع عشر، بالاعتماد على كتاب للباحث المغربي السوسيولوجي محمد الناجي، عن "الجنود والخدم والجواري"، صدر في طبعة ثانية باللغة الفرنسية عن "منشورات إديف" عام 1994.
6- العبيد يلجأون إلى الاعتصام الجماعي من أجل الخبز
اختلفت ظروف حياة العبيد بين الحد الأدنى للحفاظ على الطاقة للاستمرار في خدمة الأسياد، وبين وفرة تقترب أحيانا من مستوى الرفاهية، تبعا لدرجة ثروة المالك ومكانته الاجتماعية، وكذا حسب تقسيم العمل، ومكانة العبد، وطبيعة الوظيفة الموكولة إليه، وانعكس ذلك على كل مناحي العيش، من أكل ملبس ومسكن.
انحصر مجال المسخرين في الأعمال المنزلية داخل البيت بالأساس، وخاصة بالنسبة إلى النساء، اللواتي لا يغادرن دار السيد ويُِِِقمن في عين المكان في بيت مخصص لهن. أما في حالة عبيد المخزن، فقد وجدت إقامات في أحياء خاصة، سواء بالنسبة للعاملين في الجيش، أو في الفلاحة، ورعي المواشي، أو في مختلف الأشغال بالقصور. وخضع عبيد المخزن لتنظيم محكم، إذ بمجرد اقتنائهم، يصدر أمر سلطاني إلى القواد من أجل "تحديد وجمع أفراد كل أسرة من الخدم، وتعيين المكان المناسب لنزولهم في بيوت العبيد السلطانية".
وكلما اقترب العبد في سلم مهمته من السيد، ارتفع درجة وحصل على جملة من الامتيازات في السكن، كما هو حال حراس باب وزير على عهد السلطان الحسن الأول (1872- 1894)، كانت "بيوتهم على قدر من الجودة، أرضيتها مغطاة بالزليج، وبها ثلاث حجرات، ومراحيض، وساقية ماء".
إنها رفاهية لم تتوفر لعامة الناس في عالم الأحرار.
أما الحياة اليومية للفئات الدنيا من العبيد، فكانت مسلسا من الحرمان والمعاناة، ولا شك أن أسوءهم حظا هم الذين اشتغلوا في الأعمال الزراعية، في الحقول، والبساتين، وفي رعي المواشى، وفي معاصر الزيوت. ولم ينج جلهم من الموت جوعا إلا بفضل جهودهم لانتزاع بعض المحاصيل من قطع أرض صغيرة، قد "يتفضل" السيد بتركهم يستغلونها لحسابهم الخاص. وتتحدث الوثائق بالخصوص عن قساوة الملاكين في جنوب المغرب، وكبار القواد عموما، لدرجة قرض عبيدهم حبوبا بفائدة في فصل الخصاص، ينتزعونها في الصيف من ذلك المحصول الهزيل. وتطرقت كتابات الزوار الفرنسيين للحالة المزرية لعبيد القايد الكندافي، في الأطلس الكبير، حيث كانوا يحشرون في أكواخ، في عز قساوة فصل الشتاء.
لم ينج عبيد المخزن أيضا من الجوع أحيانا، لكن السبب هنا يعود بالأساس إلى البيروقراطية، وفساد بعض الأعوان. وتتحدث الرسائل بوفرة عن تأخر وصول "المونة" إلى عبيد السلطان. ووصل الأمر برعاة أبقار المخزن (البقّارة) في منطقة الغرب حد الافتقار "لما يسترون به جلودهم وعورتهم، فساء حالهم كثيرا بسبب البرد، ولم يعودوا قادرين على أداء المطلوب منهم من العناية ببقر المخزن".
واقتصر طلب "المونة" (المؤونة) في هذه الحالة على الضروريات الأولية للعيش، من حبوب الشعير وقطاني، كالفول والعدس.
يزداد وضع العبيد سوءا في مواسم الجفاف ودورات المجاعة. وقد تدفع حالة البؤس الجماعي إلى تنظيم مقاومة جماعية في صورة اعتصام. تقول رسالة من أحد خدام المخزن، في تافيلالت، إلى السلطان محمد بن عبد الرحمان، (1859- 1872)، بتاريخ 1855: "ليعلم مولانا، رعاه الله، أن عبيد المخزن افتقدوا المونة من شهر غشت إلى شهر شتنبر، وذلك لنفاذ المال، وقد لجأنا إلى الاقتراض من أجل تغذيتهم في شهري يونيو ويوليوز، وبحلول شهر نونبر لجأ بعضهم إلى "الرَوايات" (إصطبلات المواشي) يشتكون من فقدان ما يأكلون نظرا لقلة الحبوب في البلاد، بسبب الغلاء وتوقف مؤونة التمر عنهم. ثم إنهم في العام الماضي كله لم يحصلوا على ما يلزمهم من طعام إلا لمدة أربعة أشهر، وأكثر من ذلك، فقد غشهم القيم على أمورهم في نصيبهم من المحصول (وهو الخمس الذي يمنح لهم مقابل العمل)، حتى أن بعضهم لم ينل سوى ثمانين حبة من التمر. وقد سطا القيم على نصيب رجال ونساء منهم لحسابه الخاص فنالهم من ذلك ضرر كبير.
يعلم الله أن حال هؤلاء العبيد في غاية السوء، خاصة وأن الأغلبية منهم لهم أطفال لا ينالون نصيبا من المؤونة، ولذلك فهم عاقدون العزم على البقاء في الإصطبلات ما لم يتوصلوا بما يلزمهم عن شهرين، وإذا استمر الحال هكذا، فهم ينوون اللجوء إلى ضريح مولاي علي الشريف.
لقد اقترضنا من أجل مؤونة شهر، ووعدناهم بتسوية البقية خلال أسبوع، لذلك نرجو من مولانا أن يستعجل الأمر بإرسال المؤونة، فقد أصابتهم الأمراض بسبب الاقتصار على أكل التمر فقط، وكل يوم يزداد حالهم سوء، وقد أسقطت واحدة من نسائهم جنينها بسبب المداومة على أكل التمر فقط أياما عديدة، ثم ماتت هي الأخرى".
إنها حالة معبرة من تافيلالت عن حال العبيد، بعيدا عن عين السيد، وتحت رحمة المتصرفين الشرهين، ولا شك أن ذلك كان مصير الغالبية الكبرى من العبيد العاملين في الفلاحة فوق أراضي الأسياد.