للتواصل معنا
البريد الإلكتروني: [[email protected]]
العبيد في مغرب الأمس القريب.. 9- مرافقة السيد للخدمة والمتعة والحماية
حلقات يعدها الزميل محمد الخدادي عن العبيد في مغرب الأمس القريب
في إطلالة على عالم العبودية من ماض قريب، نقدم في حلقات رصدا لبعض مظاهر العبودية والرق بالمغرب في القرن التاسع عشر، بالاعتماد على كتاب للباحث المغربي السوسيولوجي محمد الناجي، عن "الجنود والخدم والجواري"، صدر في طبعة ثانية باللغة الفرنسية عن "منشورات إديف" عام 1994.
9- مرافقة السيد للخدمة والمتعة والحماية
لم ينحصر مجال العبيد المستخدمين في الأشغال المنزلية، رجالا ونساء، في العمل داخل البيوت والقصور، لأن طبيعة العمل وتغير المهام تستدعي الخروج، سواء في المدن أو البوادي، خاصة وأن أنشطة السيد تتوزع بين الاستقرار والتنقل، ما يفرض على الخدم مرافقة السيد للخدمة والتسلية والحراسة والحماية، وأيضا في إطار استعراض الجاه والمكانة الاجتماعية للمالك.
ففي حالة رجال المخزن من قواد وعمال، شكل التنقل لازمة في عملهم من أجل جمع الضرائب، وتسوية النزاعات، وقمع التمرد، أو زيارة السلطان لتجديد الولاء، أو مرافقته في الحملات العسكرية، المشهورة في مغرب القرن التاسع عشر باسم الحركات (بالراء الساكنة) السلطانية.
في جميع الحالات، احتل الخدم العبيد موقعا في تنقلات الأسياد، وشكل الموكب السلطاني نموذجا متميزا من حيث التنظيم في هذا السياق. يختار الموكب، الذي عرف باسم المحلة، المكان المناسب لقضاء الليل، حيث تنصب الخيام حسب تنظيم خاص يحدد موقعا لكل فئة، تفصل بين المواقع حواجز مصنوعة من نفس نسيج الخيام، وتقام خيام للنساء، وأخرى للعبيد والمخصيين.
كبار الأسياد ورجال السلطة أيضا يصطحبون في خرجاتهم وتنقلاتهم المحظيات والجواري والخدم، فضلا عن رجال الحراسة، للدفاع عند الضرورة. ويورد المختار السوسي في كتاب "المعسول" حالات عبيد مرافقين أقدموا على القتل لإنقاذ حياة أسيادهم. وتتحدث المصادر أيضا عن حالة قايد خلال حملة عسكرية، مرفوق بكثير من الخيام والمحظيات للتسلية والاستراحة بعد العمليات الحربية، اضطر لإرجاع الجميع إلى قلعته قبل نهاية مهمته العسكرية، مخافة تعرض "ما ملكت يده" لتجاوزات من طرف بعض الخدم أثناء انشغاله. وقايد آخر قطع ألف كيلومتر من جنوب البلاد لزيارة مكناس، لكن طول المسافة لم يثنه عن اصطحاب تسعة من أقدم عبيده، بالإضافة إلى العدد المألوف من المحظيات.
أما كبار القواد في وسط البلاد، من منطقة سايس والغرب إلى مراكش، فقد توفروا، إلى جانب قلاعهم وقصباتهم في مناطق نفوذهم، على منازل في المدن السلطانية، كفاس ومكناس والرباط ومراكش، وهي عبارة عن إقامات ثانوية تتوفر على الخدم الساهرين عليها، وينزلون بها عند الوفود إلى القصر السلطاني في مهمة رسمية أو بمناسبة الأعياد، حيث تدب حركة غير مألوفة في البيت وحوله، حتى أن جموع الناس من رجال المخزن، بين عبيد وخدم يملأون المكان بالصخب، حسب شهادة مسافر فرنسي من مدينة فاس.
وتتحدث شهادة أروبية أخرى عن إحدى الجولات لشريف من شمال البلاد يتبعه العديد من الخدم، راكبين وراجلين، من بينهم على الخصوص الطباخة، "وهي جارية سوداء، تمتطي بغلة، وقد غطت وجهها بالكامل عن الأعين الفضولية، وتحمل فوق رأسها مظلة من ثوب القطن، زرقاء اللون، اتقاء لأشعة الشمس، يليها مساعد طباخ، وزنجي صغير من بلاد السودان".
إن امتطاء بغلة في ركب السيد لا يتأتى لأي كان من الخدم والعبيد، ما يدل على المكانة الخاصة للراكبة أو الراكب. أما عامة العبيد، فقد ساروا عادة راجلين في مواكب المالكين، كما تحدث عن ذلك الرحالة (والجاسوس) الفرنسي، الراهب ميشيل دو فوكو، الذي طاف في شمال المغرب أواخر القرن التاسع عشر وبداية العشرين.
ومع ذلك، فإن مجرد إشراك العبيد في الرحلة يدل على المكانة الخاصة والامتياز، إما بفضل جودة الطبخ أو القدرة على التسلية، أو عامل الثقة، أو المزايا الجسدية لدى المحظيات. ثم إن مرافقة السيد تفتح للمرافق آفاق جديدة للتعرف على أحوال البلد، واكتساب معارف جديدة، وعادة ما ينال المرافق "الجيد" مكافأة بعد العودة، في صورة ملابس جديدة، أو بعض النقود.
لكن أكبر مناسبة لمرافقة السيد قد يتطلع إليها كل خادم، هي اصطحابه في الرحلة إلى المشرق لأداء فريضة الحج، وهي فرصة لا تتاح إلا لكبار المحظوظين، مقابل ما أسدوا من خدمات متميزة، وتقابل من طرف المحظوظ بالشكر والامتنان والدعاء للسيد صاحب "الفضل" .
تتحدث المصادر المغربية عن قائد كبير من منطقة دكالة، اصطحب معه إلى الحج ما لا يقل عن عشرة من العبيد لأداء الفرض الخامس في الإسلام، ولا شك أن العملية لم تكن حالة معزولة، إذ تشكل أيضا مناسبة للسيد في استعراض القوة المادية والمعنوية، فضلا عن الاعتبار الديني المتمثل في طلب الأجر. كما تكلف السلطان بمصاريف الحج لكبار أعوان المخزن، وأقاربهم، من عبيد وأحرار.
وإذا كان أداء فريضة الحج بالنسبة لعامة الناس ظل فوق طاقة الأغلبية الساحقة لأسباب مادية بالأساس، فإن العبد المختار في ركاب السيد إلى مكة يتفوق كثيرا على غالبية الأحرار بهذا الامتياز.
