للتواصل معنا
البريد الإلكتروني: [[email protected]]
العبيد في مغرب الأمس القريب.. 2- العبيد عنوان للجاه والثروة وأداة للمتعة
حلقات يعدها الزميل محمد الخدادي عن العبيد في مغرب الأمس القريب
في إطلالة على عالم العبودية من ماض قريب، نقدم في حلقات رصدا لبعض مظاهر العبودية والرق بالمغرب في القرن التاسع عشر، بالاعتماد على كتاب للباحث المغربي السوسيولوجي محمد الناجي، عن "الجنود والخدم والجواري"، صدر في طبعة ثانية باللغة الفرنسية عن "منشورات إديف" عام 1994.
2- العبيد عنوان للجاه والثروة وأداة للمتعة
ظل وجود العبيد السود في الخدمة المنزلية في بيوت الأعيان والأسر الغنية في المدن منتشرا بكثرة في بداية القرن التاسع عشر، كما سجلت ذلك مذكرات الرحالة والزوار الأوروبيين. وأثارت الظاهرة انتباه الفرنسيين الشقيقين جيروم وفراسوا تارو، اللذين خصصا صفحات كثيرة للخوض في تفاصيل النشاط اليومي للعبيد في البيوت الفاسية. وقدر الباحث الفرنسي روجي لوتورنو في كتابه "الحياة اليومية بفاس في نهاية القرن التاسع عشر"، عددهم في المدينة ببضعة آلاف.
ولم تكن حالة مراكش تختلف كثيرا، حسب فرنسي آخر، أوبان أوجين، في "مغرب اليوم" الصادر عام 1922.
شكل وجود العبيد في البيوت الأرستقراطية بالمدن الكبرى عنوانا إضافيا فقط على الثروة والجاه، وليس المؤشر الرئيسي على الثروة، بمواصفات ذلك العصر، إذ يسجل نص مغربي أن "الغني الحقيقي هو من يشتهر بالمال وقطعان الماشية، وليس الذي يتوفر على منزل رفيع يأوي أمَة (عبدة) تخدمه، وأمور أخرى مشابهة هي من الضروريات".
هكذا يكون العبيد جزءا فقط من الثروة، فضلا عن أملاك أخرى، والغني هو المالك لعدد كبير منهم. كما وجد أسياد في وضع أدنى، سعوا إلى امتلاك عبيد بتضحيات مالية فوق طاقتهم. وتخبر نزاعات الإرث والطلاق عن حرص رجال ونساء على التمسك بخدامهم. ويجري اقتناء الإماء لدى الأسر الأقل غنى، خاصة عند الزواج، إذ تشترط العروس الحصول على "خادم" لإنجاز كل الأشغال في بيت الزوجية المقبل، بالإضافة إلى جلب الماء وبقية المتطلبات من الخارج.
وقد تسند مهمة الخدمات المنزلية إلى فتاة أو امرأة تجلب من البادية، من دون مقابل تقريبا، في ظروف المجاعات والفقر، إلا أن وجود "العبدة" في البيت يضفي على مكانة ربته قيمة اجتماعية مضافة، كعامل للتباهي بين الجارات ونساء العائلة.
وللزوج كذلك مآرب في هذا الامتياز، من خلال المنفعة الجنسية، خلسة أو بغض الطرف من جانب الزوجة. أما في الأسر الغنية، فيستطيع الأزواج التمتع علنا بـ"ما ملكت أيمانهم" من الإماء، وبخدمات العبيد الذكور في البيوت والدكاكين والبساتين، والاعتناء ببغلة الركوب، حسب قدرة جيوبهم على الشراء، وعلى الإطعام.
لم يقتصر استخدام العبيد في البيوت وخارجها على الفئات الأرستقراطية في المدن، ذلك أن الوثائق تسجل انتشار الظاهرة في البوادي أيضا، وبصورة كبيرة في بعض المناطق، كما هو الشأن في مداشر منطقة الغرب، حيث امتلك السكان أعدادا كبيرة من العبيد من الجنسين، كما دون ذلك الفرنسي جان بوتوكي في "رحلات إلى تركيا ومصر وهولندا والمغرب".
ويلاحظ فرنسي آخر، ألبير بريف، الذي زار المغرب في مطلع القرن الماضي، أن "كل البيوت في الشياظمة تضم عددا من العبيد، وتوفر منهم العشرات للزوايا". لكنه لا يجد لهم أثرا لدى قبائل إداو تنان، رغم أن الوثائق المحلية تتحدث عنهم.
أما في مناطق أخرى، مثل جبالة، فقد اقتصر وجود العبيد على بيوت الأغنياء من الأعيان.
وفي الجنوب، بمنطقة الواحات، اختص العبيد في مجمل الأعمال اليدوية. وفي الصحراء، اقتنى كبار الرحل أعدادا كبيرة من العبيد، لرعي قطعان الإبل والماعز. وفي منطقة سوس، ملتقى القوافل القادمة من الصحراء، انتشر الرقيق الأسود على نطاق واسع، وامتلك بعض الملاكين الكبار ورجال الزوايا عشرات العبيد الرجال، بأزواجهم وأطفالهم، يشتغلون ويعيشون في أرضي الأسياد. وكانوا يشكلون جزءا من ثروة المالكين، وعنوانا على المكانة الاجتماعية. وتجاوز العدد لدى بعض الأسر أرقام معدل التقديرات المتعارف عليها، كما كان شأن آل بيروق، في واد نون، حيث تحدثت الروايات عن 1500 عبد، وفي الشمال، تحدد الرواية نصيب شريف وازان في 700 عبد.
وإذا كانت الضرورة المنهجية تفرض التعامل بحذر مع الأرقام، فإن الوفرة تبقى مؤشرا على انتشار الظاهرة. وإلى جانب كبار الملاكين والأعيان وأرباب الزوايا ذوي السلطة والنفوذ القوي في مناطقهم، يكتفي بعض الأغنياء من مستوى أقل ببضعة "رؤوس"، تفاديا لإثارة الأنظار من منافسين وسلطة محلية، إذ لا تتوفر دائما الضمانة والحماية ضد التقلبات السياسية وعوادي الزمن.
وانفرد القواد الكبار بالأعداد الكبيرة من العبيد السود للخدمة في البيوت والحقول، وامتلك قائد بمنطقة دكالة، في منتصف القرن التاسع عشر، 400 عبد، حسب رسالة إلى السلطان المولى محمد بن عبد الحمان (1822- 1859). وفي الأطلس، انفرد القواد الكبار ، من حجم والكلاوي والكندافي، بالتنافس في امتلاك المئات من العبيد، بين سواعد للعمل في القصور والحقول والرعي، وجواري للخدمات الخاصة في الحريم.
