الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

عريضة حامي الدين.. حلقة أخرى من طمس الحقيقة وتبييض المجرمين قتلة الشهيد أيت الجيد

 
نور الدين محتان
 
من دروس التاريخ، هناك لحظات ربما قد تبدو عابرة، لكنها في سيرورة الأحداث تكون فارقة في رسم معالم للصراع الموصول من أجل الحرية والكرامة. ونحن اليوم على وقع تصدّر المشهد الإعلامي والسياسي لقضية "العريضة" المعلومة والتدليس الممنهج لطمس الحقيقة، حقيقة اغتيال سياسي مكتمل الأركان، كان منفذه حامي الدين وعصابته، وكان ضحيته، مع سبق الإصرار والترصد، محمد بنعيسى أيت الجيد، مناضل الشعب المغربي والحركة الطلابية وفصيل الطلبة القاعديين التقدميين وعموم اليساريين والتقدميين، اغتيال شكّل حلقة من سلسلة مخطط ممنهج لمحاولة تقويض حضور الفكر التقدمي والحداثي، الذي كان يزعج تحالفا طبقيا عريضا، وشكّلت الجامعة المغربية وإطارها العتيد (أوطم) معقل هذا الفكر، مخطط محبوك من الأجهزة، التي جيّشت له جحافل الفكر الظلامي، مدججة بالسلاسل والسكاكين والهراوات والقضبان الحديدية، لإثارة الرعب داخل الحرم الجامعي، وتحويله من ساحات الفكر النقدي والاختلاف البنّاء، إلى قلعة "إسبارطية" تُستل فيها السيوف وتُنصب المقاصل وتُرفع دعاوى التكفير والانطلاق في ملاحقة المناضلين والتنكيل بهم... كان تكتيك المخطط هو الاستحواذ على الجامعة، كمقدمة للتمكن من تطويق الشارع وتركيع المواطنين...
 
كانت صدور اليسار عارية تقاوم مجنّدين إسلامويين كانت تحرّكهم الأجهزة لتنفيذ خططها الأمنية، التي كانت توضع وتوجّه إليهم في الدهاليز المظلمة، غير أن تصاعد الحملات القمعية الشرسة لم تفتّ أبدا من عضد المناضلين، حتى عبّر القاعديون عن ذلك من خلال "بلاغ يا وحدنا"...
 
واستهبل الظلاميون "سُخرتهم" للأجهزة حتى باتوا يستأسدون ويضعون خطط التنكيل بالقاعديين، والجميع يعلم تفاصيلها ويعلم بطقوسها، التي كانت تخطط لـ"نحر قيادات القاعديين وتقطيع أوصالهم وضرب أعناقهم وتعليقها على مداخل الجامعات"، في خطة وحشية لداعشية مبكرة، حتى قبل ظهور داعش وإرهابها الهمجي...
 
تلك هي حقيقتهم، التي يحاولون اليوم التستّر عليها جاهدين وهم يهرولون لحشد الدعم والتضامن سعيا لإفلات أحد قادتهم البارزين، الذين نفّذوا أبشع جريمة في حق شهيد الفكر والممانعة أيت الجيد محمد بنعيسى، تودّدوا لشخصيات لتوقيع عريضة مشبوهة، ومارسوا تدليسا على البعض، واختلقوا وقائع، وقدموا "المقابل" ربما للبعض الآخر، واستغلوا علاقات مهنية، وابتزازية، للإسراع في حشد الدعم من أجل تأمين إفلاته من العقاب...
 
غير أن ما حصل ويحصل هذه الأيام، يكشف استنهاضا متدرّجا ليساريين وتقدميين باتوا يتواصلون ويتضامنون ويتطارحون "العريضة المشبوهة" ويشرعون في تدبّر خروج من حالة "المبتعِدين" أو حالة "المبعَدين" للتعبير عن مواقفهم الأصيلة في مناصرة القضايا العادلة للشعب المغربي... إنها معادلة تذكّرنا بأن صناعة لحظة انعطاف تاريخية قد تحدث بمجرد جرة قلم أو حادثة أو موقف، وأذكر كيف أن مداخلة حول السلام للراحل ياسر عرفات أنشأت حزبا في قلب إسرائيل مناصرا للقضية الفلسطينية ضدا على الكيان الصهيوني... وهذا ما يقع حاليا مع عريضة المتضامنين المفلسين الساعين إلى محاولة تبييض عنصر أساسي في العصابة الظلامية الإجرامية، التي اغتالت الشهيد محمد بنعيسى أيت الجيد وكادت تُلحق به رفيقه الخمار الحديوي... هذا الاستنهاض زرع في العديد من المناضلين بذور الوحدة، والتداول حول الوحدة، التي يحتاجها اليساريون والتقدميون في هذا المنعطف النوعي، الذي يهدد بلادنا بتسييد نزعة الإفلات من العقاب...
 
فهل ستكون عريضة مناصري قضية الشهيد محمد بنعيسى أيت الجيد لحظة فارقة أخرى وموعدا مع التاريخ، نحو وحدة حقيقية ليسار جديد ممانع، بعدما انكشفت أسماء وعورة المشاركين في عريضة تبييض المجرمين الظلاميين؟؟؟
 
المجد والخلود للشهداء والخزي والعار للخونة والمرتدين، من ظهر منهم وما بطن...