فضيحة على أبواب فاس.. إسبانيا تطحن في المغرب ومغاربة تحوّلوا إلى سماسرة لشركة "ألزا" الإسبانية!
الكاتب :
"الغد 24"
في وقت نجد الساحة الوطنية، وبالخصوص ست مدن مغربية تهيمن فيها الشركة الإسبانية "ألزا" على قطاع النقل الحضري بها، تحبل باحتجاجات السكان على الخروقات البنيوية لهذه الشركة، التي تمارس الاستعلاء الاستعماري والاستكبار والاستهتار بحق المغاربة في نقل كريم وآمن...
وفي الوقت ذاته، الذي يرفع نشطاء مدنيون وحقوقيون سؤالين على هذا الوضع المزري للنقل الحضري في ظل شركة "ألزا": أولا، من يحمي هذه الشركة الاستعمارية؟ ثانيا وأساسا من هو الطابور الخامس الذي تستعمله الشركة الإسبانية كأذرع مغربية تشتغل بصفة مشبوهة لتوفير الأرضية اللازمة للتمدّد إلى المدن المستهدفة، لتبسط عليها، بدورها، هيمنتها على القطاع؟
صحافي مستبصر
في هذا الوقت، وما إن انطلق العام الجديد، حتى بدأت تظهر علامات التمدد من جديد، إذ لعلة ما، لم تُعِر الشركة الإسبانية أي اهتمام للدعوى القضائية، التي رفعتها شبكة حقوقية ضدها، في حين بدأت توجّه أذرعها الأخطبوطية، التي تكشف عن بعض ميكانيزمات التمدد، لتهيّء الأجواء للشركة بخطوة الإعلان والإعلام، فيخرج صحافي مغربي في فاس اسمه يونس سعد العلمي، الذي شوهد خارجا من مقر شركة "ألزا" في الدارالبيضاء، ليزفّ البشرى لسكّان فاس، وهي أن شركة النقل الحضري الوحيدة القادرة على حل كل مشاكل النقل الحضري لأهل فاس هي الشركة الإسبانية "ألزا"!
وهذه عجيبة العجائب في هذا التوقيت بالذات، الذي تقف فيه إسبانيا على حدود عدائية للمغرب، ولمصالحه الوطنية والإقليمية، بعدما كان المغرب يعطيها الكثير من الامتيازات في شتى القطاعات ويفتح أسواقه لمنتجات إسبانيا، ومدنه لشركات إسبانيا، وضمنها هذه الشركة "ألزا"، التي تلاحقها دعاوى الفساد في إسبانيا نفسها، فضلا عن دعاواها في المغرب...
طابور خامس وراء ظهر الملك
اليوم، تغيّر الزمن، وتغيّر المغرب، مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، مغرب اليوم لم يعد يتسامح مع أي خطوة معادية لمصالحه الوطنية، من أي جهة كانت، وفي هذا الشأن، كان ملك البلاد حازما، وجاءت تحركاتُ الديبلوماسيةِ المغربيةِ فاعلةً وناجحةً في ترجمة التوجيهات الملكية، والتي تُوّجت بعودة سفيرة المغرب بإسبانيا إلى الرباط... وقدّم المغرب، بمختلف مؤسساته الوطنية، درسا في الدفاع عن مصالحه الوطنية وفي قواعد العلاقات الدولية، وكانت أقوى رسالة وجّهها الجالس على العرش للعالم، في خطاب المسيرة الخضراء نونبر 2021، هي ربط الاعتراف الصريح بمغربية الصحراء بأي تعاون اقتصادي مع دول العالم، إذ توجّه إلى "أصحاب المواقف الغامضة والمزدوجة"، وفي طليعتهم إسبانيا، ليخبرهم، بصيغة صريحة، أن المغرب "لن يقوم معهم بأي خطوة اقتصادية وتجارية لا تشمل الصحراء المغربية"...
بيد أنه من وراء ظهر الملك، وظهر مؤسسات البلاد الوطنية، يتحرّك "الطابور الخامس" للنزعة الاستعمارية للدولة الإسبانية، فيشرعون في فتح الأبواب وحتى النوافذ، لتهييء شروط ضم مدينة فاس إلى "سلّة" المدن المغربية الواقعة تحت هيمنة الشركة الإسبانية على قطاع النقل الحضري...، مثل ما فعله الصحافي المذكور، الذي قيل إنه مجرد رجع الصدى للكاتب العام للمصالح في مجلس مدينة فاس، محمد الذهبي، المثير للجدل...
كاتب عام متحوّر
الكاتب العام كان باستمرار مثار جدل وغضب... تحوم حوله الشبهات، ويتلبّس، مثلَ فيروسٍ متحوّر، كلَّ مسؤول تولّى رئاسة الجماعة، على امتداد خمسة رؤساء، من بنسالم الكوهن والفيلالي بابا ومفدي أحمد وحميد شباط، الذي أصبح رجل ثقته، إلى إدريس الأزمي الإدريسي، الذي كان يريد إزاحته، وفي الأخير زكّاه، وصولا إلى الرئيس الجديد عبد السلام البقالي، الذي لا يُعرف ما إذا كان سيتمكّن من إزاحته لرفع قبضته عن مصالح الجماعة الحضرية، أم ينتهي به الحال إلى تزكيته على غرار سلفه، الأزمي الذي كان قد فاجأ الرأي العام المحلي بتزكية شخص يثير تذمّر السكان والموظفين، في ظرفيةٍ كانت أنسب لإزاحة "سكّة قديمة" وفتح الباب أمام كفاءات شابة من شأنها أن تعطي قيمة مضافة للتسيير الجماعي النظيف والنزيه والمثمر، عوض إبقاء مصالح الجماعة رهينة الحسابات الخفية لمسؤول تُردّد أصواتٌ فاسية، هذه الأيام، أخبارا عن "تقرير أسود" حول ثروة أحد الموظفين الجماعيين في فاس، وُضع بين أيدي المديرية العامة للجماعات الترابية، التي تفيد الأخبار المتواترة أن المديرية كلّفت لجنة خاصة بالتحقيق في معطيات التقرير... هذا دون الحديث عن الملف الفضائحي، الذي فجّرته الفدرالية الديمقراطية للشغل، في سبتمبر الماضي، ويتعلّق باختفاء حواسيب في مصلحة الوعاء الضريبي، واختفت معها العديد من الوثائق الإدارية. وطالبت الفدرالية من المجلس الجماعي أن يحيل هذا الملف على أنظار الشرطة القضائية من أجل فتح تحقيق تحت الإشراف المباشر للنيابة العامة.
ويأتي هذا المطلب بعدما فجّرت الفدرالية فضيحة كبرى تتعلق بإحداث مصلحة موازية وتكليف عامل موسمي وموظفة بإعداد قرارات الإلغاء الضريبي والشواهد الجبائية، دون أي تتبع أو مراقبة من طرف رئيسة المصلحة، مع تنقيل بعض الموظفين دون سابق إشعار، الأمر الذي اعتُبر شروعا في تجريد المسؤولة عن الوعاء الضريبي من مهامها واختصاصاتها، واحتقارًا لمقرر تنظيم الإدارة الجماعية وتحديد اختصاصاتها الصادر عن المجلس الجماعي لفاس، والمؤشر عليه من طرف والي جهة فاس مكناس عامل عمالة فاس...
الأنباء المتواترة في المجالس الخاصة والعامة في فاس تفيد أن هذا المسؤول يضع يده، بهذه الصيغة أو تلك، في مختلف الصفقات، التي تبرمها الجماعة، وتتحدث عن ثروة مرقّمة، وتشير إلى أن "الأحداث البارزة"، التي تعيشها الجماعة، لابد أن تكون للكاتب العام يد فيها...
لدينا قصّة من مصادر مقرّبة تحكي عن اللقاءات بين الصحافي والكاتب العام، وعن الملفات، لكنها ليست هي التي تعني المقال في هذا المقام، إذ لا يهمّنا شخصيهما، فهما يبقيان جزءا صغيرا من هذا المقام، الذي وقفنا فيه عند الطابور الخامس لشركة "ألزا" في المغرب...
الشركة الإسبانية تتمدد وتتسرطن رغم الاختلالات
استعملنا مصطلح "الطابور الخامس" لأن العديد من الفاعلين المدنيين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى حقوقيين من حماة المال العام، كانوا ومازالوا يطرحون، بحدة، وبكثير من القلق، قضية التمدّد السرطاني لشركة النقل الإسبانية "ألزا" في العديد من المدن المغربية، بمباركة من مسؤولين جماعيين وترابيين، إلى درجة أن بعض النشطاء وصف هؤلاء المسؤولين بـ"الطابور الخامس" للنقل الاستعماري الإسباني، فيما رفع آخرون هاشتاغات، تسير في نفس المنحى، منها:
إلى غير ذلك من الهاشتاغات، التي تترجم الغضب الشعبي العارم من الاختلالات البنيوية المسجلة على الشركة في مجال النقل الحضري...
ولذلك، من الطبيعي أن يتساءل هؤلاء النشطاء: ترى كيف تتمدد وتتسرطن هذه الشركة الإسبانية رغم الاختلالات؟ ومن هم أبرز وجوه الطابور الخامس للاستعمار الإسباني الذين يتحركون في الخفاء وفي العلن للمحافظة على وجود تلك الشركة في مدن مراكش وأكادير وخريبكة وطنجة والرباط والدارالبيضاء، وتهيء لها الأسباب عن طريق حملة يقودها الذباب للتمدّد إلى مدن أخرى؟!!!
والمثير في قضية تمدّد شركة النقل الحضري الإسباني في المغرب هو أن الأساليب التي تُعتمد في هذا التسرطن مبنية على اختلالات مالية خطيرة وعلى انتهاكات للمال العام، بعضها سبق أن رصده تقرير قضاة المجلس الأعلى للحسابات سنة 2018، والبعض الآخر حدث بعد تقرير مراقبة قضاة الحسابات، وبينهما أمثلة مفضوحة عن هذه الاختلالات، وصولا إلى الدعوى القضائية، التي رفعتها الشبكة المغربية لحماية المال العام إلى رئيس النيابة العامة الحسن الداكي، تتهم فيها الشركة الإسبانية "ألزا" بالعديد من الاختلالات وتطالب بالتحقيق فيها، مما يجعل المرء يتساءل: كيف تحدث كل هذه الخروقات والانتهاكات دون مساءلة ولا محاسبة؟!!! بل كيف تكون الشركة مطلوبة للقضاء في المغرب وفي إسبانيا، ورغم ذلك يوجد من بين ظهرانينا مغاربة وضعوا "خدماتهم" بين يدي الشركة لتحقيق أهدافها التوسعية والهيمنية؟!!!
قضاء إسبانيا يتابع شركة "ألزا" بتهم الفساد في المغرب
في إسبانيا، تجري ملاحقة شركة "ألزا" بالعديد من الملفات القضائية، كما هو الحال في بلدية سانتاندير، بتهم تتعلق بجرائم "اختلاس الأموال العامة، والمراوغة، واستغلال النفوذ والمخالفات في منح عقود مشروع Metro-TUS، حتى أصبح الإسبان أنفسهم كلما أثير حديث عن صفقة ما مع شركة "ألزا"، يبدأون في السؤال والبحث عن ممارسات فساد ورشاوى مفترضة مقابل الحصول على الصفقات...
وفي تفاصيل الدعوى العديد من الاتهامات والعديد من المتهمين، ضمنهم رجل الأعمال الإسباني خوسيه فايا لوبيز، بخصوص إصداره فاتورة بمبلغ 95580 أورو، أضحت وثيقة ضمن ملف القضية على أساس استخدام الشركة إجراءات احتيالية لخدمة مصالحها، وأن هذا المبلغ دفعته شركة ألزا لمسؤولين إسبانيين ينتميان إلى الحزب الشعبي، وهما النائب والسفير السابق غوستافو دي أريستيكي والنائب السابق بيدرو خوميز دي لاسيرنا، نظير حصول الشركة على عقد الامتياز لتدبير النقل الحضري في مدينة الرباط، بالإضافة إلى العمل على إلغاء عقود أخرى في مدن مغربية مقترحة لتحلّ محلّها عقود "ألزا"...
"ألزا" متهمة بدفع رشاوى لمسؤولي دول أجنبية
ووفقًا لصك الاتهامات، التي وُضعت بين أيدي العدالة ومازال التحقيق جاريا حولها، كانت شركة "ألزا" التزمت بدفع 200 ألف أورو إذا أقنع Gustavo de Aristegui السلطات المغربية المخولة لتسهيل الحصول على صفقة النقل الحضري في الرباط. ويؤكد صك الاتهامات، أيضا، أن شركة "ألزا" استعملت، كذلك، خدمات الضغط، التي يقودها النائبان السابقان عن الحزب الشعبي دي أريستيغي ودي لاسيرنا لمحاولة الفوز بصفقة النقل الحضري في الرباط، ومازالت الدعوى ينظر فيها القضاء الإسباني، ومن شأن تعميق البحث فيه الإطاحة برؤوس مسؤولين مغاربة، خصوصا بعدما أتاحت التحقيقات الجارية لقاضي المحكمة الوطنية خوسيه دي لا ماتا تكوين صورة واضحة عما جرى ويجري، ما دعاه، مؤخرا، للدفع بمحاكمة السفير السابق غوستافو دي أريستيغي، وزميله في الحزب الشعبي البرلماني السابق بيدرو غوميز دي لا سيرنا، إضافة إلى 21 شخصًا آخرين، بتهمة تشكيل منظمة مكرسة لتحصيل العمولات مقابل الحصول على عقود في البلدان الأجنبية، من خلال دفع الهبات والرشاوى لمسؤولي تلك البلدان، على أساس أن الوقائع، التي توصّلت إليها التحقيقات، تشكل "جرائم فساد في المعاملات التجارية الدولية والرشوة وغسيل الأموال والتنظيم الإجرامي أو تكوين الجمعيات غير المشروعة"...
وأوضح القاضي دي لا ماتا أن التحقيق يُظهر أن الغرض من هذه المنظمة الإجرامية كان، من ناحية أولى، هو "الحصول على عقود في بلدان أجنبية، من خلال دفع عمولات وهدايا إلى السلطات والمسؤولين"، ومن ناحية ثانية، سعي المتهمين إلى إثراء أنفسهم بشكل غير قانوني وبطريقة منهجية للتحوّز على الأموال من العقود نفسها المبرمة مع شركة "ألزا" في الدول الأجنبية المعنية"...، حيث تشير التقديرات أن السلطات المعنية غالبا ما تتشكّل من رؤساء جماعات تابعين لأحزاب سياسية ومن مسؤولين ترابيين تابعين لوزارات الداخلية، حسب كل بلد معني...
شبكة حقوقية تتهم "ألزا" الإسبانية بانتهاك أموال عمومية مغربية
وفي المغرب، ليس الأمر أفضل حالا على الشركة الإسبانية "ألزا"، التي تجرّ وراءها مسيرة من الخروقات المتراكمة، سجلتها عدة مؤسسات، بدءًا من المجلس الأعلى للحسابات، وصولا إلى إحدى أبرز جمعيات المجتمعين المدني والحقوقي، ممثلة في الشبكة المغربية لحماية المال العام، التي تقدّمت بطلب لدى حسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، من أجل فتح تحقيق مع الشركة الأجنبية المكلفة بالتدبير المفوض للنقل العمومي "ألزا"، بخصوص الشروط، التي تم بها إبرام صفقات التدبير المفوض مع الشركة المذكورة، التي شددت الشبكة على أن "فيها انتهاك للمال العام، يتمثل أساسا في استفادتها من الدعم رغم عدم التزامها بنفيذ التزاماتها، وعلى رأسها تجديد الأسطول، مع الوقوف على اختلالات وتجاوزات بالجملة، وتناقضات في التقارير المحاسباتية التي تقدمها"...
شركة "ألزا" لا تعير أدنى اهتمام لهذه الدعاوى القضائية، فهل بسبب اطمئنانها إلى قوة لوبي المسؤولين المغاربة الذين يشتغلون في الظلام؟! لو صحّ هذا الافتراض فلن يطول الزمن حتى تنفضح كل الممارسات الفاسدة للشركة الإسبانية، تماما مثلما وقع في إسبانيا، حيث نجد مسؤولين كبارا، متورّطين في ملف فساد "ألزا"، كشفتهم التحقيقات رغم التكتّمات، ورغم مرور الوقت، ورغم وجود مثل هذه الممارسات في "الغرف المغلقة"، لكن في الأخير ظهروا بوجوههم التي تحوم حولها شبهات الفساد أمام الرأي العام الإسباني والمغربي والدولي...
العاصمة العلمية الفريسة المقبلة لـ"ألزا" الإسبانية
عموما، شركة "ألزا" لا تعير اهتماما للقضاء، ولا لمؤسسات دستورية أنجزت تقارير تدين مختلف أوجه تدبير النقل الحضري في مدن تهيمن عليها "ألزا"، ولا لدعوى الشبكة المغربية لحماية المال العام حول طريقة حصول الشركة الإسبانية على صفقة النقل الحضري في العاصمة الاقتصادية، فما يهم، بالنسبة إليها، أنها حسمت تدبير النقل في مدينة الدارالبيضاء، ومثلما فعلت في صفقات المدن الأخرى، باعتبار الدارالبيضاء هي آخر صفقة، فإن الشركة، بمجرد ما "دّير المدينة في كرشها"، تشرع في التخطيط للهدف المقبل، مع التركيز على المدن الكبرى، والتوجّه شمالا، ومن خلال المنشور في صحيفة "ليكونوميست"، فإن المدينة المستهدفة هي مدينة فاس، ومن أجل إخلاء لها الجو، بدأت الأيدي تحيك سيناريوهات المواجهة مع الشركة المغربية المكلّفة بتدبير النقل الحضري في العاصمة العلمية، التي ستكون أمام خيارين: إما أن تفهم رأسها وتخضع لـ"المطالب المدبّرة"، وإما استصدار قرار جماعي، ممهور بتوقيع العمدة عبد السلام البقالي، لتنفيذ مخطط طرد الشركة الوطنية لتقديم فاس هدية للشركة الإسبانية "ألزا"! وبعد فاس، سيأتي الدور على تطوان، وهكذا دواليك، إلى أن تجد السلطات العمومية المغربية نفسها وقد تحوّلت إلى رهينة بيد شركة إسبانية في تدبير قطاع حيوي يمس أوسع فئات الشعب المغربي، قطاع النقل الحضري...
من يحمي شركة "ألزا" من المساءلة الإدارية والقضائية؟
لكل ذلك، ترتفع الأصوات بالسؤال: من يحمي هذه الشركة الإسبانية، التي تحوم حولها شبهات الفساد في إسبانيا والمغرب؟ ومن يكون هذا اللوبي، الذي لديه هذه "القوة" لإبعاد شركة "ألزا" من المساءلة الإدارية والقضائية؟ حتى المساءلة الإدارية باتت الشركة متحكّمة في حدودها، يكفي أن نعلم، مثلا، أنه في محاولة لتدارك ملاحظة قضاة المجلس الأعلى للحسابات حول غياب أي آلية لمراقبة مدى التزام شركة "ألزا" بمقتضيات دفتر التحملات، عمدت مؤسسة التعاون بين الجماعات إلى خلق "المصلحة الدائمة للمراقبة" تضم أربعة أجراء تتكلف شركة "ألزا" بأجورهم، وهذا يضرب في صميم حياد وموضوعية مهام المراقبة وضبط مدى احترام الشركة لالتزاماتها بالشكل المطلوب بعيدا عن أي تأثير كيفما كان. في المنحى نفسه، منحت السلطات المفوضة على مستوى مدينة أكادير (المجلس الجماعي)، لشركة "ألزا" حق اختيار مكتب الدراسات الذي سينجز الافتحاص المالي والإداري للشركة، وهذه نكتة، فشركة "ألزا" أصبحت خصما وحكما في الوقت نفسه، هي التي تعد تقارير المراقبة عن نفسها، في خرق فاضح لمقتضيات المراقبة المالية والإدارية التي يجب أن تقوم بها السلطات المفوضة، وليس أن تمنح الفرصة للشركة المفوض لها باختيار ما تشاء من مكاتب الدراسات... ولعلة ما، اختارت شركة التنمية المحلية لمشاريع النقل الحضري والشبة الحضري في مراكش، مكتب الدراسات الإسباني "إدوم كونسيلتين اينجينيرين ارشيتيكتير" (Idom consulting Engineering Architecture)، من أجل إنجاز دراسة إعادة هيكلة شبكة النقل الجماعي على مستوى المجال الترابي لمراكش الكبرى، والعجيب في القصة، هنا، أن مكتب الدراسات المذكور متابع، بدوره، أمام القضاء في إسبانيا...
شركة "ألزا" نموذج لخطورة التغلغل الإسباني في النسيج الاقتصادي المغربي، ووضع اليد على قطاع حساس في المعيش اليومي للمغاربة... وبالتأكيد، فإن أي تحقيق، عندما يُفتح، سيصل إلى الأطراف أو الجهات المغربية والأجنبية التي تقف خلف هذه الشركة الإسبانية، وطبيعة الخيوط والمخططات، التي تتحرّك مع المصالح المخفية...، مثلما سيصل إلى الأيدي "غير البيضاء"، التي كانت وراء غض النظر عن خروقات واختلالات شركة "ألزا"، بما فيها الاختلالات البنيوية، التي كشفها المجلس الأعلى للحسابات، وبالمقابل تمتيعها بامتيازات حصرية لم تحظ بها أية شركة مغربية على الإطلاق...
ويكفي الرجوع إلى التقارير الإعلامية والمدنية والحقوقية لتبيّن تفاصيل هذه الحالة المثيرة للانتباه في العلاقة مع هذه الشركة الإسبانية في مختلف المدن التي تهيمن عليها، والتي تتحرّك فيها دون أن تخضع لأية محاسبة أو مراقبة لمدى احترامها للاستثمارات التعاقدية، التي لا تؤدي بعضها إلا عقب جني الأرباح ليدفع المغاربة تكاليف الاستثمارات اللاحقة، فتلهفها الشركة لتحوّلها إلى عملة صعبة تحوّلها إلى إسبانيا، لتستعملها سلطاتها العمومية في تحركاتها المعادية للوحدة الترابية المغربية...
أبأس نموذج لخروقات وانتهاكات التفويض للشركة الإسبانية
ولعل أبأس نموذج على هذا الوضع الامتيازي نجده في آخر صفقة أبرمتها شركة "ألزا" في مدينة الدارالبيضاء، حيث تجني أرباحا ضخمة دون أن تستثمر شيئا، إذ تكشف وثائق عقد هذا التدبير المفوض أن الشركة تحصّل أرباحا صافية تصل إلى 100 مليون درهم في السنة الواحدة، بما يفوق مبلغ الاستثمار برمته الذي خصصته الشركة للفوز "المدبّر" بصفقة النقل الحضري للمدينة، والذي لم يتجاوز 80 مليون درهم، بمعنى أن شركة "ألزا" تحصل على ذلك المبلغ السنوي بشكل مباشر من مجلس مدينة الدارالبيضاء، من دون أن تتحمل أي مصاريف استغلال أو تشغيل أو أجور العاملين!
وفوق هذا وذاك، فإن مقتضيات العقد إياه تنص على أن جماعة الدارالبيضاء هي التي تتحمل كل نفقات الاستثمار من خلال نظام "النفقات الجزافية"، بما في ذلك شراء الحافلات والمباني، إضافة إلى نفقات التسيير من أجور وصيانة وتسويق، فضلا عن الرسوم والضرائب وغيرها من نفقات التشغيل، إذ إن الشركة تستردها في رأس كل شهر من مالية الجماعة!!؟؟
هذا نموذج واحد ومصغر عن واقع مر، مليء بنماذج أخرى بلا حصر من خروقات وانتهاكات هذه الشركة الإسبانية، الأمر الذي أصبح يطرح، بقوة، أكثرَ من سؤالٍ حول الجدوى الوطنية من تسليم مقاليد مرفق النقل الحضري بكبريات المدن المغربية، إلى من يمكن تسميتهم بـ"المستعمرين الجدد"، ليعيثوا فيه خروقات واختلالات كما فضحت ذلك تقارير قضاة الحسابات وتقارير مصالح المراقبة، علاوة على تقارير حماة المال العام؟!
لقد كشفت هذه التقارير أننا أمام أخطبوط استعماري يستعمل النقل الحضري لامتصاص المال العمومي، ويتكرّس ذلك عبر ثلاثة مظاهر:
المظهر الأول أن الشركة الأجنبية تمتص المالية العمومية باستغلال ضعف وثغرات آليات المراقبة والتتبع لدى الجماعات المحلية، وافتقارها إلى الوسائل المادية والضرورية، وعدم القدرة على نقل المعرفة التكنولوجية وتأهيل الموارد البشرية، وهي أمور تكشف الفشل المغربي في إنتاج مستشارين جماعيين سياسيين بكفاءات مؤهّلة وقادرة على رفع تحديات التدبير الجماعي، بما في ذلك إبداع حلول مبتكرة للإشكالات البنيوية التي تعاني منها الجماعة، وعلى رأسها معضلة النقل الحضري، ومدى انفتاحها على الفاعلين المغاربة...
وهذا هو المظهر الثاني، الذي يتمثل في إقصاء الشركات الوطنية، واستعمال الذباب الإلكتروني لتحريض السكان على الشركات المغربية المستهدفة، في هذه المدينة أو تلك، حسب مخطط التمدد والهيمنة، الذي تدبّره الشركة الاستعمارية الأجنبية مع طابورها الخامس المغربي...
ونصل إلى المظهر الثالث، وهو في غاية الأهمية لأنه يهم مصالح السكان، ويتمثل في طابعين: من جهة خروقات الشركة، ومن جهة ثانية الاستهتار بمصالح المواطنين وحتى المستخدمين...
فالشركة الأجنبية تتمتّع بامتيازات القروض وإعفاءات جبائية، فيما تراكم الاختلالات والتجاوزات التدبيرية المفوضة للنقل الحضري، بإخلالها ببنود الاتفاقيات وعدم وفائها لوعودها وتجاهلها للشروط والبرنامج التعاقدي للشركة مع الجماعة، مقابل مضاعفة معاناة السكان من رداءة خدمات الشركة، والاستهتار بحقوق ومستحقات العاملين والمستخدمين بقطاع النقل الحضري، في ضرب صارخ للمقتضيات المنصوص عليها في دفتر التحملات.
تحرير النقل الحضري الوطني من براثن الاستعمار الإسباني
وفي هذا الصدد، لنستحضر، أولا، روح ومتطلبات المشروع التنموي الجديد، الذي اعتمدته بلادنا، وجوهره التأهيل الذاتي الشامل، في جميع المجالات، ويأتي النقل الحضري ضمن الأولويات، وهذا ما يقتضي، ثانيا، أن تبادر مختلف الجهات المسؤولة، من الحكومة إلى الجماعات ومختلف مؤسسات الدولة ذات الصلة، إلى مراجعة جدية وحقيقية لواقع وأفق التدبير المفوض للنقل عبر الحافلات، في أفق طي صفحة الشركات الأجنبية والتحرر من خروقاتها البنيوية وانتهاكاتها المزمنة وإعادة الاعتبار للشركات المغربية والوقوف إلى جانبها، مثلما تفعل هذه الشركات عندما تحتاج السلطات إلى خدماتها، من أجل تكاثف الجهود مع الفاعلين الوطنيين في إنتاج نقل حضري بديل، يكون أكثر جدوى وفعالية، وأكثر التزاما بتعهداته، وأكثر قدرة على توفير شروط نقل آمن وكريمٍ للمواطنين...
لسنا ضد الشركات الأجنبية عندما يكون لوجودها قيمة مضافة، لكن في قطاع حيوي، يتعلّق بانشغال يومي للمواطنين الذين يستعملون النقل الحضري، فإن الجهات المسؤولة مطالبة، انسجاما مع مقتضيات النموذج التنموي الجديد، بتحرير هذا القطاع من الشركات الأجنبية، وفتح الباب أمام الشركات المغربية، التي أثبت الكثير منها أنها في مستوى النهوض، بشكل أفضل، بهذه المسؤولية الحيوية، التي تتعلق بمصالح السكان في احترام حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية وصون كرامتهم الإنسانية...
لقد آن الأوان ليتحمل الجميع مسؤوليته التاريخية: السلطات العمومية بمراجعة المقتضيات القانونية للتدبير المفوض عبر الحافلات لوضع حد للتدخّلات الأجنبية وفتح الباب أمام الشركات الوطنية، ومؤسسات الرقابة الدستورية بتتبّع ومراقبة الصفقات الممنوحة لشركة "ألزا" الإسبانية، من قبل المجالس الجماعية في كل من مراكش وأكادير وخريبكة وطنجة والرباط والدارالبيضاء، لتخليص القطاع من مظاهر الرشوة والمحسوبية ونهب المال العام وتحقير المواطنين...
ولقد آن الأوان، أيضا، ليتحمل الجميع مسؤوليته التاريخية: من أجل المساهمة الجماعية في تحرير النقل الحضري الوطني من براثن الاستعمار الإسباني، وإعادة الاعتبار للفاعل المغربي، من خلال تشجيع الشركات المغربية على العمل والتأهل لتكون قوة تنافسية حقيقية قادرة على رفع تحدّي النهوض بالنقل الحضري لفائدة بنات وأبناء الشعب المغربي...