الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

فضيحة مجلس مدينة مراكش.. إطلاق طلب عروض للنقل الحضري على مقاس شركة إسبانية

 
رغم التقارير الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات ضد شركة "ألزا" الإسبانية على صعيد المدن، التي تُسيّر فيها النقل الحضري (مراكش والدارالبيضاء وطنجة وأكادير والرباط)، فإن مجلس مدينة مراكش يمثل استثناءً على هذا المستوى، فقد سبق أن تمكنت شركة "ألزا" من تمديد عقد الامتياز لمدة 5 سنوات (من يوليوز 2014 إلى 30 يونيو 2019) بناءً على طلب وجهه، آنذاك، المدير العام للشركة الإسبانية إلى عمدة المدينة الحمراء، خلافا لما هو معمول به قانونيا، على اعتبار أن الشركة لم تلتزم بتعهداتها، إذ إنها التزمت بتجديد أسطول النقل عبر شراء 81 حافلة جديدة بتاريخ 10 ماي 2010، بينما في الواقع اشترت الشركة فقط 30 حافلة خلال الفترة ما بين 2012 و2015!
 
الفضيحة اليوم، التي سيكون لها ما بعدها، أن عمدة مدينة مراكش فاطمة الزهراء المنصوري، تركت الحبل على الغارب، بعدما عُيّنت وزيرةً لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، إذ فوّضت أغلب مهامها لنواب آخرين، مما جعل قطاع النقل الحضري تتلاعبه الأيدي وتتفاقم مشاكله التي لا تنتهي، خصوصا أن العمدة أكثر من يعرف، على وجه الدقة، اختلالات وخروقات شركة "ألزا" الإسبانية، التي أذاقت المراكشيين الأمرين، وهم يستعملون يوميا أزيد من 200 حافلة متهالكة وخربانة، منذ أزيد من 20 سنة، ومازالت تجوب شوارع مراكش فيما عمرها الافتراضي انتهى من زمان، أما عمرها القانوني فكان قد انتهى سنة 2019، في عهد العمدة السابق الخوانجي العربي بلقايد، خلال ترؤس البيجيدي للمجلس الجماعي لمدينة مراكش، الذي أورث العمدة الجديدة فاطمة الزهراء المنصوري وضعا بالغ التردي لقطاع النقل الحضري بسبب التدبير الفاشل والمفلس لشركة "ألزا" الإسبانية...
 
رغم هذا الوضع المزري، الذي شكّل ويشكّل علامة سوداء في حياة المدينة الحمراء، ورغم عدم التزام شركة "ألزا" بتعهداتها والتزاماتها، خصوصا ما يتعلق باحترام جودة خدمة النقل الحضري، بسبب تهالك وقِدم عدد من حافلات الشركة، وعدم ملاءمة بعضها لذوي الاحتياجات الخاصة، وافتقادها لصناديق الإسعاف الأولية، وتأخر الوصول وعدم احترام الوقت، فإن المجلس الجماعي الحالي لمدينة مراكش عمد إلى إلغاء طلب العروض الأول لتدبير النقل الحضري المفوض، ليُطلق حاليا طلب عروض جديد، برره المجلس بغطاء السهر على حل مشاكل النقل الحضري المزمنة في مراكش، وتعديل دفتر التحمّلات في جوانب الاستثمار والمواصفات وجودة الخدمات والتجهيزات التقنية وحجم الأسطول، فضلا عن أسعار التنقل...
 
بيد أن المراقبين ونشطاء مدنيين في مراكش يرون، وهذا ما يفترض أن تنتبه إليه عمدة مراكش، أن عملية إطلاق طلب عروض ثاني جاءت على المقاس، وتحديدا بما يخدم مصالح شركة "ألزا" الإسبانية في مدينة مراكش، وهنا الفضيحة، وهي بجلاجل، إذ إن جوهر وأساس كوارث النقل الحضري في مراكش يعود إلى شركة "ألزا" الإسبانية، وهذا يعرفه المسؤولون ويتلظى بجحيمه المواطنون، ثم يأتي المجلس الجماعي لتهييء صفقة على مقاس شركة "ألزا" نفسها، وهذا ضحك على ذقون المراكشيين، إضافة إلى أنه يُمثل حيفا كبيرا بالنسبة للشركات المُنافسة، الأمر الذي يتطلب تدخل مجلس المنافسة للتأكد من جدية طلب العروض واحترامه للإجراءات والقوانين الجاري بها العمل...
 
وكان تقرير المجلس الأعلى للحسابات قد أشار إلى أن شركة "ألزا" قامت بعدة تجاوزات تُنافي سلامة المسافرين المُشار إليها في المادة 13 من دفتر التحملات التي تُؤكد أن السائقين ينبغي أن تتوفر لهم خبرة لأكثر من 5 سنوات، بينما تبيّن من خلال الافتحاص أن نصفهم تقل خبرتهم عن 5 سنوات، كما أن 73 في المائة لا تتجاوز خبرتهم سنة واحدة.
 
وتستفيد شركة "ألزا" الإسبانية من الدعم العمومي، إذ تتسلم مليارين و340 مليون سنتيم من وزارة الداخلية في بداية كل سنة دراسية، في إطار دعمها لصندوق إصلاح النقل الحضري، كما أن الشركة الإسبانية لا ترسل الإحصائيات الشهرية المتعلقة بعدد التذاكر المخفضة والبطاقات التي يتم بيعها إلى السلطات المحلية، ما يُعد تجاوزا للمادة 5 من الاتفاقية.
 
وقد سبق لمحكمة الاستئناف الإدارية بمراكش أن أصدرت حكما استئنافيا على حكم سابق صادر عن المحكمة الإدارية بأكادير بتاريخ 13 أكتوبر 2009 الذي أكد وجود خروقات لمقتضيات قانون الصفقات العمومية المغربية بالنسبة لصفقة النقل الحضري بأكادير، وبالرغم من ذلك عقد مجلس المدينة اجتماعا استثنائيا بشأن النقل الحضري وتم إدخال بعض التعديلات على دفتر التحملات في فبراير 2010، ليتم بعد ذلك توقيع الاتفاقية مع شركة "ألزا".
 
وكان المجلس الأعلى للحسابات قد سجل، بشأن أكادير، أن الشركة الإسبانية للنقل الحضري "ألزا" تعهدت، بناءً على الاتفاق الموقع مع "مؤسسة التعاون بين الجماعات"، بأن تلتزم بتجديد أسطولها في نهاية شتنبر 2020، غير أن ذلك لم يتم بعدما تراجعت الشركة عن تنفيذ التزاماتها بالرغم من توصلها بدعم بقيمة 165 مليون درهم خلال الفترة بين سنة 2010 وسنة 2018. وقد أبانت النتائج المالية لعام 2018 أن الشركة الإسبانية لم تُحول أي مبالغ مالية للسلطة المفوضة للنقل الحضري لغاية أبريل 2019، بناءً على البند 11.05 من اتفاقية التدبير المفوض.
 
وبالنسبة للدارالبيضاء، فقد ارتكبت شركة "ألزا" عدة تجاوزات منذ عام 2019، وتمكنت من تعديل العقد الأولي في نهاية أكتوبر عام 2020، واستطاعت الحصول على نصف مبلغ استثماراتها من مؤسسة التعاون بين الجماعات بشكل مُنافي لمقتضيات القانون المنظم للتدبير المفوض خاصة المادة 24 منه. وفي إطار مسلسل المنح والمزايا التي يوفرها مجلس مدينة الدارالبيضاء للشركة الإسبانية، قام المجلس بتمكين "ألزا" من أسطول من الحافلات كان بحوزة الفاعل السابق، وموّل المجلس، من أموال دافعي الضرائب، شراء حافلات لـ"ألزا" بـ152 مليون درهم لشراء 400 حافلة بسعر حُدد في 400 ألف درهم، بينما سعرها الحقيقي أقل من ذلك بكثير.
 
وفي ظل استمرار هذه التجاوزات، فإن المتضرر الرئيسي هو الاقتصاد الوطني والشركات المغربية التي تتوفر على كل الإمكانيات ومستعدة لتقديم أفضل الخدمات، بينما تميل مجالس مراكش والدار البيضاء وأكادير وطنجة والرباط إلى الشركة الإسبانية بسبب استمرار "عقدة الأجنبي" ولدواعي وأسباب يعلمها مسؤولو المدينة والمشرفون على مصلحة النقل الحضري المفوض.
 
فإلى متى يستمر هذا الظلم والحيف ضد الشركات الوطنية وإعطاء الأولوية للشركات الإسبانية والفرنسية؟ إن المطلوب، اليوم، هو تتدخل الوزارة الوصية لضمان تقديم طلب عروض نزيه وبمصداقية عالية لفك عقدة الأجنبي بمراكش، مثلما فعلت السعودية الشقيقة، التي فرضت على الشركات الأجنبية إما الاستثمار عن طريق شريك محلي أو مغادرة السعودية، وعدم تمكين هذه الشركات من المشاركة في طلبات العروض والمناقصات إلا من خلال الدخول في شراكة مع الشريك المحلي...