الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الطفل ريان.. أغمض عينيه عن الحياة وفتّح أعيننا على كثير من الأشياء

 
محمد نجيب كومينة
 
 
رحل الطفل ريان بعد عملية إنقاذ عُبّئت لها وسائل استثنائية وبُذلت خلالها مجهودات غير مسبوقة تتبعها العالم. كان الأمل كبيرا في إنقاذ الطفل، الذي بقي على قيد الحياة، رغم سقطته في عمق 32 مترا، أي ما يعادل 8 طوابق تقريبا، التي لابد أن تكون قد تسببت في أضرار بليغة لأعضاء جسمه الصغير، ولكن النهاية لم تكن سعيدة كما تمنتها أسرته وكل المغاربة والناس أجمعين الذين عبّروا عن تعاطفهم بمختلف الأشكال، ومن بينهم إخواننا الجزائريون الذين أولوا للطفل ولعملية الإنقاذ اهتماما كبيرا، وعبّروا عما عبّرنا عنه.
 
مؤلم دائما أن يتعرض إنسان عامة، وطفل خاصة، للأذى، ويواجه تجربة مأساوية كالتجربة التي عاشها ريان، الذي لا يقوى على شيء، ومؤلم جدا بالنسبة لأسرته أن تفقد صغيرها الذي سقط في بئر كان من المفروض أن لا يوجد في سفح جبل.
 
تتبعت الموضوع، منذ علمي به، تتبعته بكثير من التعاطف مع الصغير وأسرته وبإحساس بالألم، وأثارني، إيجابيا، المجهود الذي بذل من أجل إنقاذه، وأتصور أنه ما كان ليكون بذلك الحجم والزخم لو لم تصدر تعليمات على مستوى عال لتعبئة كل الوسائل والجهات المعنية بالإنقاذ، بحيث أُنجز شيء استثنائي للانتصار على المعيقات الطبيعية سيبقى راسخا، واشتغل الذكاء للبحث عن حلول لتجاوز كثير من المخاطر.
 
لكن أثارني كذلك، سلبيا، كيف تحوّلت المأساة الإنسانية، التي أدمت القلوب الطيبة، خصوصا وأن الضحية طفل في عمر الزهور كان ممكنا أن يكون وضعه ومآله مغايرين لو ولد بمدينة في وَسَط مُرفّه أو متوسط، وليس في مجال قروي-جبلي بالغ الصعوبة والقساوة، تحولت إلى إثارة وبوز وتجارة من طرف البعض، وبالأخص في بعض منصات وسائط التواصل الاجتماعي، حيث ترتكب جرائم ليس ضد أخلاق مهنة الصحافة وحسب، بل وضد الأخلاق البشرية بشكل عام، وتكشف عن بشر يفتقد للحد الأدنى من الضمير ومن الشعور الإنساني، مما يعتبر خطرا على البلاد وعلى المجتمع وعلى الحياة لو تُرك ليفعل ما يشاء كي يربح....
 
وأتصور أن الوكيل العام، الذي تولّى تتبع عملية إنقاذ الطفل ريان سيكون مطالبا، بعد أن خف عليه الضغط القاسي، الذي استمر لخمسة أيام طويلة، بفتح ملف استغلال المأساة الإنسانية استغلالا بشعا ولا أخلاقيا والترويج للأخبار الزائفة في كثير من الأحيان...
 
وحيث إن النيابة العامة تبقى تراتبية، فإن رئيسها يمكن أن يوجه بمكتوب لفتح بحث في التجاوزات المرتكبة وعرض نتائجه على قضاء الحكم ليقول كلمته وفقا لمقتضيات القانون...
 
وإذا كان الطفل قد فتح أعيننا على الكثير من الأشياء، ومنها ظروف الطفل القروي في المناطق الجبلية الوعرة التي لم تغيرها البرامج العمومية المعلن عنها، وعلى قدرتنا على العمل وتحدي العوائق عندما تتوفر الإرادة وتتم تعبئة الإدارات والوسائل، فإنها فتحت أعيننا كذلك على كوارث في فضائنا الإعلامي-التواصلي منفلتة من كل تقنين، وأحيانا بدعم بعض الجهات المفروض أن تتحلى بالمسؤولية كي لا تتورط ولا تورط معها البلاد في كوارث مسيئة، يجب التصدي لها بحزم، وأظن أن ليس المجلس الوطني للصحافة، على علاته وعلله، هو المفروض أن يدخل على خط هذه التجاوزات الوحشية، بل وأيضا الهيئة المكلفة بتقنين السمعي البصري وغيرها...
 
و ما دام الشيء بالشيء يذكر، فلابدّ من تقييم حقيقي لبرامج التنمية القروية وتنمية المناطق الجبلية والواحات والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها، لنعرف مدى تحقيق ما صرف من ملايير من أموال الدولة والجماعات الترابية وعدد من المؤسسات العمومية المعنية بالفلاحة والعالم القروي، والأموال المتأتية من التعاون الدولي شاملة منظمات المجتمع المدني، لنتائج حقيقية ملموسة، وليس نتائج التقارير التي يتضمن الكثير منها تضخيما ويلجأ البعض منها إلى ما لا يتناسب والأخلاق الحميدة.
 
رحم الله الطفل وألهم أهله الصبر. فقدانُ عزيزٍ مفجعٌ وغيرُ قابل للنسيان، والإحساس بالفجيعة يصبح أكثر ضراوة وإيلاما لما يتعلّق الأمر بطفل صغير.