كومينة: كابرانات الجزائر وصدمة البريكس.. فن صناعة الأكاذيب بدل صنع ما يفيد
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
"حبل الكذب قصير". مَثَلٌ يتردّد في كل اللغات وبكل اللغات إلا لغة كابرانات الجزائر، التي يصعب تصنيفها ضمن اللغات، التي ابتدعتها البشرية وجعلتها خزانا لثقافاتها ولتجاربها، ولم تكتف باستعمالها في التواصل بين أفرادها وجماعاتها.
كابرانات الجزائر لم ينتبهوا قط، في ما يبدو، لوجود هذا المثَل السائر كي يكفّوا عن كذبهم، لذلك كرّسوا كل قدراتهم العقلية لصنع الأكاذيب بدل صنع ما يفيد الجزائر الشقيقة وشعبها الشقيق ويخلق دينامية تنمية تؤسس لاقتصاد غير موجود، بالاعتماد على الثروات الطبيعية، التي تستخرج من باطن الأرض، وعلى التخطيط والإبداع والعمل المنتج والتعاون المثمر مع الجيران والشركاء...
لجوء الكابرانات ودُماهُم المتحركة إلى الكذب، فالكذب، ثم الكذب تواليا، يعود إلى مشكلة خطيرة نشأت في الجزائر منذ الانقلاب على الحكومة الجزائرية المؤقتة من طرف بومدين، الذي نصّب بنبلة رئيسا مؤقتا، قبل أن ينقلب عليه، تتمثل في خلق شعور مرَضي بأن الجزائر، التي ورثت عن الاستعمار مساحة كبيرة مقتطعة في جزء كبير منها من أراضي الجيران، ومليئة بالثروات الطبيعية، بمقدورها أن تستمر في لعب دور الجزائر الفرنسية الموروث عن الاستعمار، وأن تشكل تهديدا لجوارها ولقارتها، بل وأن تفرض هيمنتها، وهذا ما يفسر استمرارها في تنفيذ مخطط قسنطينة، الذي أعده الاستعمار حتى بعد نيل استقلالها المشروط، وإن بطرق عشوائية وغبية.
لقد أدى ذلك الشعور المرضي، الذي استمر في التفاقم بفعل تراكم الفشل واستشراء الكسل، إلى خلق اضطراب هوياتي، توجد أصلا عوامل فاعلة في توليده، بدل أن يخلق هوية ويضمن متانة وطنية ويكون قاعدة لتأسيس دولة غير فاشلة، وإلى العسكرة وتحول الدولة الجديدة إلى رهينة لضباط فرنسا وجيش التحرير، الذين استغلوا استقواءهم على السياسيين وعلى المجتمع منذ اليوم الأول لممارسة النهب وإشاعة الفساد وبناء أجهزة بوليسية ومخابراتية تحميهم وتشتغل وفقا لأجندة البلادة وإهدار الموارد بلا طائل، وهو ما أدى، كنتيجة منطقية، إلى أن الجزائر اليوم بلا بنيات تحتية، وبلا اقتصاد، وبلا أفق للخروج من هذا الوضع إلى الآن...
الجزائر بلا بنيات تحتية ولا اقتصاد ولا مؤسسات اقتصادية أو مالية أو سياسية، وبلا قدرة حتى على توفير الماء والدقيق والعدس والحليب وحتى قنينات الغاز والكهرباء ووسائل النقل...، لمجموع السكان، هي جزائر فاشلة اليوم بكل المقاييس، ليس بالمقارنة مع الدول الصاعدة أو المتقدمة، بل بالمقارنة حتى مع عدد من الدول الأفريقية التي تتعامل معها بتعالٍ لا يقوم على أساس، وترتيب الجزائر على المستوى الصناعي أفريقيا وحده يكشف الباقي!! فكيف سمح الكابرانات بالترويج لكذبة الالتحاق بمجموعة البريكس، بالاستناد إلى الكذب وتزوير الإحصائيات والمعطيات المتعلقة باقتصاد جزائري يعرف العالم أنه قابل للانهيار بسرعة البرق لو انخفضت أسعار المحروقات بشكل كبير، وكيف دفعوا برئيسهم الدمية إلى السلوك الجنوني الذي رأيناه لدى لقائه بالرئيس الروسي، لينتهي الأمر بإهانة مدوية، بعد قبول عضوية ست دول جديدة في التجمع الناشئ، ورفض النظر في الترشيح الجزائري الدعائي وغير الجدي.
قبول إثيوبيا، المدعومة من طرف الصين، رغم أن ناتجها الداخلي الخام لا يتعدى 126 مليار دولار، هو مكافاة لدينامية تنموية تضررت من الحرب الأهلية لكنها لم تتوقف، ورفض الجزائر هو تعبير عن رفض الدول المؤسسة للبريكس للفاشلين في كل شيء.
وأتصور أن المغرب لو ترشح لكان ملفه أقوى من إثيوبيا، لأن الدول المؤسسة تعرف ليس فقط دينامية المغرب الداخلية، التي جعلت ناتجه الداخلي أعلى من الناتح الإثيوبي، بل ديناميته في أفريقيا وقوة مؤسساته وشركاته وشراكاته وغير ذلك، لكن المغرب لم يفعل، وكان عدم الترشح، لحد الآن، موقفا حكيما ومتلائما مع مصالح بلدنا، مع العلم أن عدم دخوله للبريكس لا يمنعه من علاقات جيدة مع المجموعة ومع الدول المشكلة لها، خصوصا وأن عدد أصدقائه بها بعد التوسيع أكبر، وهو ما يقلص أثر دخول جنوب أفريقيا سنة 2010...