الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

حدث تحت الأضواء.. المغرب وعمار سعيداني ومعركة كسر العظام داخل العصابة الحاكمة في الجزائر

 
محمد نجيب كومينة
 
 
لست أدري ما مدى صدقية ما يروج عن طلب عمار سعيداني، الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني الحاكم بالجزائر والرئيس الأسبق للغرفة الأولى للبرلمان بهذا البلد، والذي كان مقربا جدا من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأخيه السعيد، اللجوء السياسي بالمغرب، بعد مغادرته فرنسا نحو البرتغال، إذ إن المصدر الوحيد الذي اعتمدته كل وسائل الإعلام، التي تطرقت إلى الموضوع هو جريدة "لوسوار دالجيري"، التي تنطق باسم جزء من العصابة الحاكمة في الجزائر، وبالأخص المخابرات العسكرية.
 
بعض التعاليق ذهبت، أثناء الحديث عن طلب اللجوء هذا، إلى استحضار موقف عمار سعيداني المعبر عنه بشكل صريح، في حوار مع موقع كل شيء عن الجزائر "TSA"، الذي يؤكد فيه على مغربية الصحراء، ويعتبر بوليساريو عالة على الجزائر يجب أن تتخلص منها، ويدعو إلى فتح الحدود المغربية الجزائرية المغلقة، واعتبرت تلك التعليقات أن ذلك الموقف كان سببا في انهاء دوره السياسي وتعريضه للمتابعات القضائية وتهديده وأخيرا هروبه إلى فرنسا.
 
والواقع أن موقف سعيداني ليس موقفا فريدا في الجارة والشقيقة الجزائر، سواء وسط السياسيين أو المثقفين أو الجماهير الجزائرية، وقد عبر عن نفس الموقف محمد بوضياف والحسين أيت احمد وبنيوسف بنخدة وفرحات عباس ولويزة حنون وغيرهم، لكن توقيت تصريح سعيداني، وبصفته السياسية والحزبية، أظفى عليه طابعا خاصا في التوقيت الذي صدر فيه، لأنه كان رسالة مزلزلة وجّهت لجهاز المخابرات، الذي تحكم تاريخيا في بوليساريو، واستعملها استعمالا "كلبيا" ضد المغرب، وضد إمكانية انتقال الاتحاد المغاربي من مرحلة التأسيس إلى مرحلة الوجود والتطور المفتوح على التعاون والتكامل.
 
فقد لعب سعيداني دور "كاميكاز" في معركة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وشقيقه السعيد ضد جهاز المخابرات ورئيسه محمد مدين (المعروف بالجنرال توفيق)، الذي كان يطلق عليه اسم رب الجزائر وصانع الرؤساء والحكومات... إلخ، حيث قام سعيداني بمهاجمة الجنرال توفيق بقوة وبالاسم وكال له الاتهامات في إطار خطوة اعتبرها الكثيرون انتحارية، لكن هذه الخطوة لم تبق معزولة، إذ تلتها خطوات استهدفت جنرالات من مساعدي توفيق، ثم خطوة الإطاحة بتوفيق نفسه، وحل جهاز المخابرات الذي يشرف عليه وإلحاقه بسلطة الجنرال گايد صالح، قائد الجيش الذي عينه بوتفليقة نائبا له في وزارة الدفاع، وهكذا انتهى وقتئذ المسار الوظيفي لمحمد مدين، الذي بقي على رأس المخابرات منذ 1992، وتمكن الجيش، مدعوما من طرف الرئيس، من كبح جموح المخابرات وإنهاء سباقه/نزاعه معها بوضعها تحت سلطته. وكان الجنرال گايد صالح وقتئذ رجل ثقة بوتفليقة ويده الضاربة، وكان أخ الرئيس على صلة وثيقة به، وذلك قبل أن يقع ما وقع في ظل الحراك الشعبي الذي انطلق، وأنهى قصة العهدة الخامسة.
 
هذا تذكير بسياق تصريحات سعيداني وقتئذ المتعلقة بالوحدة الترابية للمغرب التي لا أشك في أنها تعبّر عن قناعة شخصية لرجل عرف ما عرف بعدما وصل إلى أعلى مستويات الدولة، لكنني أعتقد، في الوقت نفسه، أنها كانت تروم، كغيرها من تصريحاته، استفزاز وإرباك الجنرال توفيق ومن معه في إطار معركة كسر العظام، التي كانت مستعرة آنذاك، ورغم علاقة سعيداني بعبد العزيز بوتفليقة وشقيقه السعيد وموقعه في جبهة التحرير الحاكم، فقد كان لزاما أن يرحل، لأن رحيل توفيق وطرطاگ وحسان وغيرهم من الجنرالات الذين أجرموا في حق الشعب الجزائري والشعب المغاربي عامة لم يكن يعني نهاية نفوذهم ولا نهاية النزاع بين أطراف النظام الجزائري، الذي تفاقم، وهو ما كان، وما أصبح بعد ذلك رحيلا عن الجزائر نفسها بعد انقلاب الجنرال گايد صالح ضد بوتفليقة وشنه لحملة اعتقالات في صفوف رموز النظام، الذين كانوا في ما يبدو يتهيأون للتضحية به.
 
واليوم يعرف سعيداني أن توفيق عاد إلى حكم الجزائر، بعد أن أُطلق سراحه وعاد حليفه ووزير الدفاع الأسبق خالد نزار بقرار من الجنرال شنقريحة، وأن عودته تلك ستجعله ينتقم من خصومه بطرقه الدموية، التي عرفها الجزائريون في العُشرية السوداء وبعدها. عودة الجنرال توفيق إلى التحكم في مقاليد الحكم، وإلى استعمال أساليبه المخابراتية التي تعلمها من الـ"كا جي بي" ومن التخلف، أشعرت السعيداني أنه لن يكون في أمان في فرنسا، التي قد تدفعها حسابات المصلحة إلى التضحية به وبغيره، ولذلك انتقل إلى البرتغال حيث يقل نشاط المخابرات الجزائرية مقارنة مع كثافته في فرنسا وإسبانيا، وربما لن يشعر الرجل بالأمان هناك طويلا...