أمّنا سلا، سلا الولادة، أهدتنا بسخاء، أهدتنا وأهدت الوطن كله، محاربا من فولاذ ومن رخام، أهدتنا سيدي محمد بن أحمد المالكي الزياني العياشي، المجاهد، البطل الشعبي، المتصوف، قاهر الأوروبيين، الذي لا يمكن تجاوز ذكره، وعطاءاته بأي شكل من الأشكال، فداءً للبلاد...
سيدي محمد بن أحمد المالكي الزياني العياشي
هكذا، هم الجبابرة الأوحدون، حين هبّ مدافعا عن حوزة البلد، عن ثغوره، عن سيادته الوطنية، لحظة وهن السلطة المركزية. لم ينتظر إشارة من أحد، لم يطلب إذنا من أحد، بل أن غيرته، ذات النفس الطويل، دامت لأكثر من أربعين حولا، ضد الغزو الأجنبي، خيمة تظلل جناح هذه البلاد، وتحميها بالنفس الصوفي، تحميها من أطماع الطامعين، دون مقابل. هكذا، إذا، الفدائيون الألمعون، أبناء هذه المدينة الفاضلة، الولادة، في الماضي، بالأمس، وإلى حد الآن!
هذه المدينة، بِمائها، كُلّ مائها تَسْبَح فِيهِ المَدِينَة،
المَدِينَة كُلّها.. يَضِيق الماء بِها.. يَخْرُج من شُقُوقها،
من شَبابِيكها، وَأَبْوابها..
نَحْوَ مَفازات السُكُون،
وَكَسْر السَلاسِل، نَحْوَ الشمُوس الدافِئَة،
وَنَحْو الحُرِّية: الحُرِّية، الحُرِّية، الحُرِّية ما أَحْلاها!..
محمد بن أحمد الباررودي "صاحب الخفة في الاداء وتوليد الألحان"
وختم المرحوم محمد بن أحمد البارودي، هذا المشهد، بحكمة بليغة:
لن يتأتى لكما ذلك، يا خلان، إلا بحلول "شمس العشية"!!
هذا الرجل إنسان رائع، أنيق، استثنائي، وفريد. هو، "صاحب الخفة في الأداء وتوليد الألحان"، ولد بسلا، ودفن بين أطياب روضة باب فتوح بفاس العلياء.
وكان قد غادر "سلاه"، وعاد إليها بعد ترحال، ليملأ سماها بعبق موسيقاه الأندلسية، ويطلق العنان لكمانه الفريد في كل الدروب.
جوق البارودي
كلام بليغ، كلام عتيق، كلام من عقيق. كلام مصفى.. كلام خاثر، كلام ذو معنى، كلام له مبنى وله أساس.. جواز سفر نحو اللذة، والطيبة، والخلود. سأرمي هذه الآيات في بطن نهرنا الخالد، نهرنا العظيم، رقراقنا السرمدي. سأرميه فيه، يفجّر فينا أسراره، يهدينا محاره، وطحالبه من لؤلؤ، ويمنحنا حكمته السرمدية!