الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الشاعر محمد السكتاوي في قصيدة جديدة: صديقي اليهودي

محمد السكتاوي
 
 
في حينا القديم
كان جارنا اليهودي
إسكافيا يرمم نعالنا
وكانت أمي تبيع خبز النساء*
في السوق البلدي
وفي المساء تحمل إلى البيت
خبز Bollo الإسباني*
نتناوله بتلذذ مثل كعكة
مع فنجان شاي
 
أشياء كثيرة أحببناها
ولم تكن صورها المختلفة تثير انتباهنا
مدارسنا لم تكن واحدة
حينما يدق الجرس
كنا نخرج صاخبين إلى الشوارع
نتخاصم، نتصالح، نقصف ضاحكين
بعضنا البعض بطائرات من ورق
ونفترق مرددين أناشيد
توحدنا وتجمعنا
 
في فواجِعِ الموت
كنا نسير خاشعين في مواكب الجنائز
أحيانا نردد لا إله إلا الله
يتقدمنا محمل من خشب
وأحيانا أخرى
نسير صامتين وراء سيارة سوداء
ورجل وقور يحمل صليبا
وننسى في الغد كل شيء
سوى صوْتِ الحفْر
ورائحة الأعشاب والتراب المُبلّل
ولا نسأل لماذا نسكن في حي واحد
وندفن موتانا في مقابر متفرقة
لم نسأل يوما
لماذا تختلف صلواتنا
خضوعا وحركات وتمتمات
ولمّا نرفع أيدينا إلى السماء
نختم جميعا دعواتنا: آمين
 
هكذا عشنا حياة هادئة
تجري مثل نهر صغير
في مدينة بيوتها متداخلة الألوان
كقطعة فسيفساء
 
فجأة انهار عالمنا البسيط
حين أخبرني صديقي اليهودي
أنه سيهاجر إلى مكان بعيد
في جهة الشرق لا يعرفه
قبّلني وبكى
وتمتم كأي مؤمن يسبح في صلاة
هل كلمة آمين عربية في القرآن؟
قلت محتاراً: لا أدري
وأخفيت وجهي
حتى لا يحس بوجعي
وأضفت مستدركا: ربما لا
لكن سمعت راهبا
يرددها في ترانيم ربِّيَّة
شعرت أن خطرا ما قادم
امرأة تنادي بإلحاح:
أسرع، ستنطلق الحافلة
نظر إلي طويلا وأعطاني حذاءه
ومضى حافيا
 
عدت أبحث عن جارنا الإسكافي
وجدتُ دكانه موصدا
المكان مُستَغْرقٌ في صمتٍ كئيب
وحده صوت مذياع الجيران
كان يلعلع وسط الزقاق
يتحدث عن هجرة وحرب وموت
 
 
 
————————
* خبز النساء: أو "خبز الدار"، خبز بلدي كانت النساء الفقيرات تطبخنه في البيوت لبيعه،
وكان أقل ثمنا من خبز الأفران الحديثة والخبز الإسباني
* Bollo: بُويُو بالنطق العربي، وهو نوع من الخبز الإسباني كان معروفا في شمال المغرب
 
الصور من مدينة القصر الكبير بعدسة الشاعر محمد السكتاوي (محمد خلاد)