الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

الركراكي ووليداتو ورهانات علامة المغرب

 
محمد نجيب كومينة
 
بتنظيمنا لاستقبال رائع لأبطالنا، يليق بهم ويليق بنا كشعب وكوطن، استكملنا عملية رائعة للترويج لبلدنا ولثقافتنا وتاريخنا ساهم فيها لاعبو الفريق الوطني المغربي وطاقمه التقني والجمهور المغربي، الذي سانده في عين المكان وفي المغرب وفي كل مكان من العالم يوجد به مغربي، والجماهير العربية والأفريقية والمسلمة، والإعلام العالمي الذي تفاعل بقوة مع إنجازات الفريق الوطني، الذي حقق المفاجأة تلو الأخرى، وكتب صفحة جديدة في تاريخ المونديال ببلوغه المربع الذهبي، كأول فريق أفريقي وعربي يحقق هذا الإنجاز... كما تفاعل الإعلام العالمي مع جمهور مغربي حقق حضورا مميزا ورائعا وعرّف بالشعب المغربي وثقافته وتقاليده بأحسن الطرق وأرقاها... وتفاعل أيضا مع هذا التماهي غير المسبوق للجماهير العربية والأفريقية والمسلمة واليهود المغاربة مع المنتخب المغربي الذي وحد الجميع خلفه وأفرح الجميع بما أنجزه...
 
وفضلا عن ذلك، فقد تفاجأ العالم أجمع بكون ملحن البوم أغاني المونديال، وهذه أول مرة يصدر فيها ألبوم كامل، هو ريد وان المغربي، المستشار الفني للفيفا حاليا والملحن ذو الصيت العالمي، وتفاجأ كذلك بكون الأمن المغربي قد كُلّف من دولة قطر الشقيقة بأدوار مهمة في تنظيم وتأمين فعاليات المونديال والمنتخبات المشاركة فيه وغير ذلك.
 
فإذا كان القطريون قد نجحوا نجاحا مبهرا في الترويج لقطر في العالم بتنظيم مونديال استثنائي وغير قابل للنسيان على مدى أجيال، فإن المغاربة أيضا قد نجحوا في الترويج للمغرب بشكل غير مسبوق خلال المونديال القطري، بل وبشكل تجاوز توقعات أكثر المتفائلين، وجعلوا "علامة المغرب" Morocco label تصل إلى أقاصي العالم وأدانيه بأجمل صورة وطريقة، وأكسبوه احتراما وتقديرا عالميا لدى فئات مختلفة من الناس وليس فقط لدى الفئة الواسعة من عشاق كرة القدم... ولهذا الأمر أهمية قصوى حالية ومستقبلية تتخطى دائرة الكرة ونتائج مقابلات المونديال، على أهميتها، إذ المفروض أن تترتب على رواج علامة المغرب عالميا على هذا النحو، خصوصا إذا تم تدبير المكاسب المحققة بعقلانية وذكاء وأسندت الامور إلى من يمتلكون إرادة ووطنية شبيهتين بإرادة ووطنية لاعبي الفريق الوطني ويخدمون بالنية والنزاهة والاستقامة، والكلمات مترادفات في العمق، يمكن أن تترتب عليه نتائج إيجابية اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ورياضيا من شأنها أن تساهم بدورها في جعل المغرب يرتقي في سلم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية البشرية، وبلوغ مراتب أولى عالميا وبشكل يُحسّن المستوى المعيشي العام ويجعل علامة المغرب أكثر بروزا ضمن العلامات الوطنية الأخرى في عالم قائم على المنافسة على كل المستويات، ومن ضمنها مستوى الصورة والسمعة والإشعاع.
 
إن مسألة الترويج للأوطان هذه، أو ما يعرف بـ"Nation Branding"، وهو مصطلح ابتدعه سيمون أنهولت (Simon Anholt) سنة 1996 في بداية الموجات الجديدة للعولمة، تكتسي أهمية قصوى اليوم بالنسبة لكل دولة عاقلة، أما الهبّال فمرفوع عنهم القلم، لأن غاية هذا الترويج تتمثل في جلب المنافع المختلفة (سياحة، استثمار، أسواق، الترويج لعلامات وطنية على أوسع نطاق...)، وتحسين الحضور السياسي والديبلوماسي في الساحة الدولية والقارية والإقليمية وربط الشراكات وتطوير العلاقات، ولذلك، فإنه يوجد في صدارة التحرك الديبلوماسي الذي يولي، عندما تكون الأمور مضبوطة وموزونة بميزان الذهب وتكون الموارد البشرية مؤهلة وعملها يحظى بتقييم موضوعي، يولي أهمية خاصة لما يُعرف بالتواصل العالمي (International Communication)، ويعد له العدة ويعمل على تكييفه مع المستجدات والتغيرات بدون تأخير، مدفوعا بإرادة تحقيق الفعالية والنجاعة. وإذا كان دور الدولة أساسيا في الترويج لوطن، فإن الدولة وحدها غير كافية، وهذا ما يستدعي تحرك المجتمع المدني، وأيضا شبكات من قبيل المغاربة المقيمين في الخارج وأصدقاء المغرب، وهذا موضوع يستحق تسليط الضوء عليه يشكل خاص.
 
ويمكن القول، بموضوعية، إن الدولة اشتغلت على مسألة الترويج للمغرب هذه منذ مدة بعقلانية، حيث أعد المعهد الملكي للدراسات الاستراتيجية دراسة قيمة حول الموضوع وضعت منظورا استراتيجيا له راهنيته، وهناك نتائج محققة قبل المونديال، سواء في ما يتعلق بالذوذ عن وحدتنا الترابية أو في تحسين وضعنا الدولي والقاري أو في اكتساب بلادنا كوطن وشعب وثقافة ومؤسسات وغيرها للاحترام لدى الدول والشعوب أو جلب الاستثمار أو تطوير التجارة الخارجية... إلخ، لكن ما تحقق بمناسبة مونديال قطر، الذي صادف انعقاد القمة الأمريكية الأفريقية باستبعادِ كراكيز عسكر الجزائر وحمْلِ الرئيس بايدن لقميص المنتخب الوطني أمام الكاميرات، يستدعي رفع سقف الطموح وتكثيف العمل كي تتمكن بلادنا من جني كل الفوائد الممكنة من حملة الترويج الاستثنائية التي قام بها الركراكي ووليداتو لعلامة المغرب التي نالت الإعجاب وجلبت التقدير والمحبة وأبرزت صورة مغرب يتوق إلى أن يكون بين الأوائل ولا شيء غير الأوائل بإرادة جماعية وتضامن وطني وعقلانية، وهو الصورة التي يجب أن تترسخ في الداخل وفي العالم بشكل لا رجعة فيه.