الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مسعود بوعيش: حفريات في الذاكرة.. هكذا كبرنا في الحلم الجماعي وترعرع اعتزازنا بالانتماء

 
مسعود بوعيش
 
بحكم تاريخ الازدياد، أتيحت لي فرصة مشاهدة ومتابعة أول مشاركة للمنتخب الوطني المغربي لكرة القدم في منافسات كأس العالم سنة 1970، مكسيكو 1.
أتذكر ظروف ونتائج المباريات الثلاث وأثرها علينا...
 
مع الأسف لم يتأهل، زمنئذ، المنتخب المغربي، الذي تألق في منافسة ألمانيا وبلغاريا، إلى الدور الثاني، لأنه خسر مقابلتين وتعادل في واحدة.. لا ندري ولا ندرك كل أسباب قلقنا وغضبنا زمنئذ... وزاد من غضبنا التنمر الذي مورس علينا من قبل بعض الأصدقاء، الذين تابعوا المقابلات مجانا عبر المذياع... لم يخسروا تلك الدريهمات مثلنا نحن الذين اخترنا المتابعة بالصوت والصورة...
 
فاز المنتخب الألماني بصعوبة على المنتخب المغربي في المقابلة الأولى بحصة (2 -1)، وخسر المغرب المباراة الثانية مع منتخب البيرو (3 - 0)، وتعادل المنتخب المغربي في مواجهة المنتخب البلغاري (1-1).
 
كنا تلاميذ في المستوى الدراسي الإعدادي، جرت منافسات كأس العالم في شهر ماي ويونيو 1970، تزامن توقيتها مع فترة الامتحانات الفصلية، استطعنا التوفيق بين الإعداد لها وبين متابعة مشاركة المنتخب المغربي وقتئذ.. تأسفنا كثيرا، ونحن يافعون، لخسارة المنتخب المغربي ومغادرته المبكرة لمكسيكو..
 
نجحنا نحن التلاميذ المعنيين إلى القسم الأعلى... كنا قد صرفنا دريهمات من جيوبنا الصغيرة مقابل شغفنا، هي نفقات استثنائية لأداء ثمن الولوج إلى مقهى "عمي بوحوت"، الذي كان يتوفر على جهاز تلفاز يبث ويرسل باللون الأبيض والأسود... أصدقاء آخرون فضّلوا متابعة المقابلة عبر المذياع لتوفير الدريهمات القليلة.. كنا نشتري كأس الشاي بثمن 30 سنتيما في الأيام العادية... لكن بمناسبة المونديال، رفع صاحب المقهي "عمي بوحوت" ثمن الشاي والمشروبات، واشترط علينا أداء مبلغ 50 سنتيما كاملة مقابل كأس الشاي المنعنع من الحجم المتوسط... ثم شرع يزيد من الشروط والاشتراطات حسب أهمية المباريات، وحسب الحضور الكبير للمتفرجين... كنا نؤدي الثمن عند باب المقهى قبل الدخول حتى لا يتسلل من لا قدرة له على الأداء... كنا نتحايل وندعي أننا سنتناول المشروبات الغازية.. لكن عمي بوحوت، رحمه الله، العارف بأوضاعنا، كان يشترط أداء درهمين كاملين في فصل الصيف عند ارتفاع الطلبات مقابل المشروبات الغازية المبردة.. ولأنه كان يشعر بمحاولاتنا الطفولية للتسلل، ويعرف ندرة مواردنا المالية ونحن تلاميذ كنا قد غادرنا ديارنا ومداشرنا البعيدة وقدمنا إلى المركز لأجل الدراسة، يعني مركز أكنول، الواقع في قلب قبيلة أجزناية الريفية، والذي شيدت به "ثانوية أكنول المختلطة" زمنئذ، التي تحولت، في مابعد، إلى ثانوية تأهيلية.. (دائرة أكنول تقع على بعد 60 كلم من مدينة تازة في اتجاه مدينة الحسيمة، التي تبعد عن أكنول بـ90 كلم)...
 
لم تذهب تلك المجهودات المبذولة من قبل الجامعة الملكية لكرة القدم والمنتخب سدى، ولم يذهب غضبنا مع الريح... نتائج مشاركة المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم لأول مرة في كأس العالم 1970 منحت للشباب الثقة في النفوس وفي القدرات... لم تمض سوى ست سنوات على الحدث حتى جاء دوري كأس أفريقيا للأمم سنة 1976، في إثيوبيا.. كان المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم في موعده الأول مع تاريخ كأس أفريقيا للأمم، إذ فاز بالكأس بعد انتصاره في المقابلة النهائية على منافسه الإثيوبي في أبريل 1976...
 
تمتعنا بمتابعة منافسات كأس أفريقيا للأمم ونحن نهيء أنفسنا لاجتياز امتحانات شهادة البكالوريا بثانوية مولاي سليمان بفاس. حصدنا ما زرعنا وفزنا بشهادتنا في الدورة الأولى...
 
كان على الأفواج اللاحقة من اللاعبين والمشرفين مواصلة المسار وترسيخ المكتسبات... وفعلا، بعد مرور 16 سنة على المشاركة الأولى، استطاع المنتخب المغربي الجديد العبور إلى الدور الثاني في مباريات كأس العالم 1986، مكسيكو 2.. وكان تأهيلا مستحقا في مواجهة رياضية عالية الأداء أمام المنتخبات الكبرى: ألمانيا، البرتغال، أنجلترا...
 
ودارت الأيام بمدها وجزرها، بانكساراتها وانتصاراتها.. وبالتالي تراكماتها...
 
شاءت الأقدار أن نعيش ونشارك فرحة شبابنا وشعبنا بوصول المنتخب المغربي لكرة القدم للذكور إلى نصف نهاية كأس العالم وولوج المربع الذهبي بمونديال قطر 2022، ونشارك اليوم، 3 غشت 2023، فرحة المغربيات خاصة والمغاربة عامة بمشاركة المنتخب الوطني النسوي، لأول مرة، في تاريخ هذه المنافسة الرياضية الكروية العالمية.. نشارك فرحة التأهل الصعب لثمن نهائيات كأس العالم للسيدات 2023 بأستراليا- نيوزيلندا...
 
الأجمل في هذه اللحظة الرياضية الكروية أيضا هو استحضار ذكرى الأمكنة والوقائع، واستحضار تجليات الثورة التكنولوجية الجديدة وامتدادتها في التواصل والاتصال والاقتصاد والانتقال الرقمي وفوائده الملموسة وأثرها علينا ونحن نتمتع بمتابعة ومشاهدة مقابلتين متزامنتين مترابطتين وحاسمتين في ترتيب النتائج وصناعة الأمل... متعة مقابلة تنقل وتُرسل بالألوان عبر الشاشة الصغيرة المحمولة بين أيدينا على هواتفنا الذكية المحمولة...
 
صورة تجمع بعضا من آل بوعيش: الأب مسعود والتوأم صوفيا ويمنى
 
قمنا بتوزيع المهام بيننا نحن الثلاثي الشغوف بهذه اللعبة.. تكلفت ابنتي يمنى بمراقبة ومشاهدة ما يجري في ملعب الألمان وكوريا، وتكلفت أختها صوفيا بمشاهدة المقابلة التي جمعت منتخبنا والمنتخب الكولومبي.. عشت وعاشت التوأمان لحظات ماتعة من الفرجة بتفاؤلها وتوتراتها العصبية الزائدة في الدقائق العشرة الأخيرة الزائدة والمفرطة... أخذنا علما عند إعلان الحكم رسميا على انتهاء وقت المباراة بانتصار وتأهّل المنتخب المغربي للنساء... لكن لم تكن فرحتنا كاملة الأوصاف إلا بعد انقضاء دقائق تساوي أكثر من قياسها، حيث أخبرتنا يمنى بنتيجة ألمانيا أمام كوريا الجنوبية..
 
كلنا اعتزاز وافتخار بما أنجزته اللاعبات المغربيات...
 
كلنا اعتزاز بما يجري هنا وهناك من انتقالات نوعية في العقليات والذهنيات لترجيح كفة الانزياح إلى مزيد من المساواة بين النوعين الإنسانين من ذكر وأنثى...
 
النساء المغربيات في قلب الانتقالات العالمية الكبرى صوب المساواة..
 
بمزيد من التوفيق لهن ومن الانتصار للمنتخبات المغربية...
 
بمزيد من التطور والتقدم والرفاه لبلدنا..
 
بمزيد من التألق لكرة القدم المغربية..
 
مغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس...
 
هكذا كبرنا منخرطين في الحلم الجماعي وما يتطلبه من واجبات... هكذا ترعرع وكبر اعتزازنا بالانتماء...
 
نعتقد أن مغرب المستقبل المنشود في حاجة إلى العمل بجدية بهدف تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية وتقوية الحكامة الرشيدة الكفيلة بتعزيز وتوسيع تكافؤ الفرص الكفيلة بتوطيد وتوطين قيم ومبادئ المساواة المعيارية في التمتع الفعلي بالحقوق والحريات الفردية والجماعية...