محمد نجيب كومينة: ما الفائدة من رفع معدل الفائدة الأساسي؟
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
قرر مجلس بنك المغرب، يوم الثلاثاء 27 سبتمبر 2022، خلال اجتماعه الدوري الثالث لهذه السنة، رفع معدل الفائدة الأساسي بنصف نقطة، منتقلا بذلك من 1,5% إلى 2%.
وكان المجلس، في اجتماعيه السابقين خلال السنة الجارية، قد تريث في اتخاذ هكذا قرار في انتظار ما ستؤول اليه الأمور في الحرب الأوكرانية وأزمة الطاقة والغذاء، وما تتخذه الأبناك المركزية لدى الشركاء الأساسيين للمغرب، وفي مقدمتها البنك المركزي الأوروبي، الذي كان في البداية متريثا هو أيضا ومتوجسا من قرارات تُعمق الانكماش في بلدان الاتحاد الأوروبي دون أن تُمكّن من تخفيض ملموس للتضخم الناتج عن حرب وصراع استراتيجي، وليس عن اختلال في العرض، حتى وإن حصل ضرر على مستوى سلاسل الإمداد.
قرار مجلس بنك المغرب جاء إذن بعد أن أصبح التضخم المستورد مؤثرا في التضخم الداخلي (Endogène)، في وقت يؤثر فيه الجفاف أيضا، وجاء بعدما تبين أن الاتجاه العام لدى القوى الاقتصادية العالمية ودول عديدة إلى رفع معدل الفائدة بغرض لجم التضخم وتخفيضه، حتى ولو أدى ذلك إلى انكماش حاد ناتج عن تراجع حاد أيضا للاستهلاك والاستثمار.
لكنه لابد من القول إن حصر رفع معدل الفائدة الأساسي بنصف نقطة ينطوي على حذر وتريث في انتظار ما ستؤول إليه أمور العالم، وبالأخص إمدادات وأسعار الطاقة والغذاء وتطور الطلب الخارجي الموجه للمنتجات المغربية، في ظل نمو متراجع، وكذلك تدفقات التحويلات الخارجية المختلفة. ذلك أن نصف نقطة، المفروض أن يأخذ وقتا معقولا ليدخل إلى حيز التنفيذ من طرف الأبناك في ما يتعلق بالقروض، لن يؤثر بشكل كبير على القروض بين الأبناك أو القروض لأكبر الزبناء، التي تكون بمعدلات قريبة من معدل الفائدة الأساسي، ولن يكون عائقا دون تطور منح القروض للاقتصاد في حال توفر سيولة بنكية كافية، وبالأخص الودائع المجانية والادخارات القابلة للتحويل إلى قروض، وفي حال استمرار بنك المغرب في توفير التمويل وشراء السندات. غير أن بنك المغرب يجب أن يحرص تمام الحرص على ألا تلجأ الأبناك إلى أساليب ربوية مع الزبناء غير الكبار تثقل كواهلهم وتفقّرهم أو تؤدي إلى إفلاس مشاريع من الممكن أن تتطور وتغني رصيدنا المقاولاتي وخبراتنا الإنتاجية والتكنولوجية وتعاملنا مع مختلف الأسواق في كل الظروف، اذ يعرف الجميع أن الأبناك تميل غالبا إلى إخضاع عدد من زبنائها من المقترضين لمعدلات فائدة مرنة، وعينها على الارتفاع، ولمعدلات أخرى لشركات التأمين المرتبطة بها، ولعمولات عن خدمات مفروض أن تكون مجانية لو تم احترام روح منشور والي بنك المغرب.
هكذا يصبح نصف نقطة غير ذي دلالة بالنسبة للأبناك نفسها والزبناء الكبار، الذين يمتصون ادخار الآخرين، بمن فيهم الشركات المالية وغير المالية، لأن العلاقات الخاصة والسلوك الأوليغارشي تؤثر، بينما قد يصبح ضاغطا على القدرة الشرائية ومصدرا لتضخم، وليس العكس، بالنسبة للبقية التي لا يُسمع رأيها ولا يؤخذ به.
يمكن القول، باختصار، إن رفع معدل الفائدة الأساسي إشارة فقط في اتجاه المدخرين الذين يحسبون الفرق بين معدلات الفائدة على مدخراتهم وبين معدل التضخم، لكن هذه الإشارة لن يكون لها الأثر المرجو في ما يبدو.
نحن بصدد وضع أصبح فيه الاقتصاد مستوعبا (Encastré) من طرف السياسة، بعدما أوحت النيوليبرالية لزمن طويل بانفصاله عنها وعن المجتمع، ولهذا الاستيعاب، الذي يندرج اليوم في إطار لعبة استراتيجية دولية لكسر العظام وتأكيد القوة، تبعات ومضاعفات لم تبرز كاملة لحد الآن، وهذا ما يستدعي الرهان على الذكاء السياسي والخبرة البشرية لتدبير المرحلة وعدم الاستسلام للموديلات المبرمجة وفقا لبراديغم أصبح متقادما.
رفع معدل الفائدة الأساسي من طرف الأبناك المركزية تباعا يدخل في إطار ما أسماه كينز بالتصرف الحيواني القائم على التقليد، لكن لا شيء يؤكد أنه يصلح اليوم، وكما كان بالأمس، لتخفيض معدل التضخم، ومن المؤكد أن استمراره في التصاعد، كما يحدث في الولايات المتحدة، سيكون خطيرا على الاقتصاديات غير الأمريكية التي لا تستفيد من ريع الدولار، الذي يتحول بسرعة إلى قيمة للاختباء (Valeur refuge) ويمكّن الولايات المتحدة من جلب وابتلاع الادخار العالمي وموازنة ميزان أداءاتها بسهولة.