أجي تفهم حقيقة ارتباك النظام الشنقريحي والعلاقة بين الجزائر وفرنسا والمغرب وأوكرانيا وروسيا
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
لماذا يبدو النظام الشنقريحي مرتبك الموقف من الحرب في أوكرانيا؟ هناك من يذهب إلى تفسير هذا الارتباك: بخوف الجنرالات وتابعهم تبون من الولايات المتحدة وفرنسا والغرب، وبالحرج مع روسيا، المصدر الأساسي للسلاح الجزائري وللرشاوي، وغير ذلك...
لكن لا أحد انتبه إلى أن النظام الجزائري يشعر، في العمق، بكثير من التعاطف الصامت، أو بالأحرى المكبوت، مع أوكرانيا. لماذا؟
لأن أوكرانيا هي نتاج عملية شبيهة، مع فارق الزمن والإيديولوجيا، بالعملية التي أفضت إلى تكوين الجزائر، بعد استكمال الاستعمار لاحتلال وضم الجزء الأكبر من الأراضي التي استهدفها بين 1830 وبداية القرن العشرين...
ذلك أن أوكرانيا، كما هي اليوم، تكوّنت بقرار لستالين في إطار الاتحاد السوفياتي السابق، وضمت إليها أراضي وقوميات كانت تابعة من قبل لروسيا وبولونيا وهنغاريا والنمسا، انضافت إلى الأراضي التي تقطنها القومية الأوكرانية البيضاء، التي تمثل جزءا غير كبير من أوكرانيا الحالية، وعندما تفكك الاتحاد السوفياتي السابق حاولت كل الأطراف المتدخلة في صنع خرائط ما بعد التفكك، ومن بينها الدول الغربية، جعل أوكرانيا أكبر، وأن تفرض على روسيا الضعيفة وقتئذ فك الارتباط بها غير عابئة بخطر احتضانها لمنشئات نووية، لأن الأوروبيين والغربيين لم يعتبروا سقوط الاتحاد السوفياتي والمعسكر الشرقي السابقين نهاية حرب باردة فقط، بل وأيضا بداية معركة أخرى لها تاريخ مع العملاق الروسي المخيف دائما تروم تفكيكه ودحره خارج أوروبا، التي تشكل امتدادا قاريا لاشيا وليست قارة حقيقية، ولذلك شكلت أوكرانيا، لما استقلت، رأس حربة في هذه الحرب الجديدة الاستراتيجية وغير المتأثرة بالاصطفاف الإيديولوجي.
الجزائر، التي تأسست كإقليم فرنسي بمرسوم رئاسي فرنسي سنة 1839، هي أيضا مصنوعة حديثا بضم أراضي انتُزعت من المغرب في لحظات ضعفه، أي فكيك وبشار وتندوف وتوات وغيرها غربا وجنوبا، وأراضي تونسية وأخرى ليبية شرقا، وازوادية ومالية جنوبا، وقد تم ابتلاع بعض هذه الأراضي بالقوة أو التحايل من طرف الاستعمار الفرنسي حتى بعد 1839، وانضافت هذه الأراضي إلى تلك التي كانت تابعة للإمبراطورية العثمانية المنهارة في الشمال، والتي كان البعض منها تابعا للإمبراطورية المغربية من قبل وبقيت على ارتباط بها بعد احتلالها من طرف الإسبان ثم العثمانيين، وكانت فرنسا تمنّي النفس بجعل الجزائر الفرنسية جزءا من أراضيها وراء البحار بشكل لا رجعة فيه، وأن تجعلها محطة للتحكم في مستعمراتها السابقة في شمال وغرب أفريقيا بعد اضطرارها للاعتراف باستقلالها نتيجة قرار الأمم المتحدة المتعلق بإنهاء الاستعمار ونضال الحركات الوطنية، لكن انطلاق حرب التحرير في 1954 في الجزائر، بتضامن مغاربي ودعم مغربي، غيّر المعطيات تدريجيا وجعل الضغط الدولي يشتد على فرنسا.
عندما قررت فرنسا منح الجزائر، بمقتضى اتفاقية إيفيان التي ماتزال بنودها السرية غير معروفة، رفض جزء من سكان الجزائر الفرنسية المشاركة في الاستفتاء الذي نظمه المستعمر أو الالتحاق بالكيان الجزائري الوليد صراحة، ومن بينهم سكان تندوف وبشار والقنادسة، الذين قالوها صراحة: نحن مغاربة ولسنا جزائريين، وكانت نخب من هذه المناطق على صلة وثيقة بالحركة الوطنية المغربية قبل استقلال المغرب، وكانوا هم أيضا ينتظرون أن تفي الجزائر بعد استقلالها بالتزاماتها المتعلقة بوضعهم، والتي كانت موضوع اتفاق للمرحوم الملك محمد الخامس مع الحكومة المؤقتة الجزائرية، لكن أملهم خاب، كما خاب أمل المغرب، عندما نظم بومدين انقلابه على الحكومة المؤقتة وأخرج النظام الناشئ عن الانقلاب شعار احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار.
ومثلما اعتبرت فرنسا الجزائر الفرنسية بوابتها للسيطرة على شمال وغرب أفريقيا قبل الاستقلال، ومنها احتلت تونس والمغرب ومالي وأراضي أفريقية اخرى، فإن حكام الجزائر تصرفوا، منذ الاستقلال، باعتبارهم امتدادا للجزائر الفرنسية، وفي ما يخصنا، فقد ظلوا يلعبون دورا خبيثا ضد المغرب ووحدته الترابية، التي حاربها المستعمرون السابقون توجسا من عودة الإمبراطورية المغربية، التي فككوها بعدما كانت قد ضعفت داخليا، وهو دور شبيه إلى حد كبير بالدور الذي لعبته وتلعبه أوكرانيا ضد روسيا ووحدتها الترابية وقوتها ونموها، والذي كان وراء الحرب الجارية الآن، والتي ابتدأت فعليا منذ 2014، إذ إن أوكرانيا، منذ ما عرف بثورة ميدان المخدومة، لم تعد في الواقع دولة، بل ملحقة أمريكية غربية هدفها الأول هو محاربة عودة الإمبراطورية الروسية بقوة عبر إنهاكها اقتصاديا ولجم نموها الذي تعدى 8 في المائة لسنوات وجاء تاليا للصين والهند.
خلاصة القول إن أوكرانيا والجزائر نتاج صناعة بقرارات سياسية، وإن في ظروف مختلفة وبغايات مختلفة، وليستا نتاجا لمسار تشكل تاريخي لأمة أو شعب، وتكوينهما يظل متسما بهشاشة قصوى ترافقها أزمات هوية حادة ومفتوحة على كل الاحتمالات، وهما معا يلعبان دورا بالغ السلبية في محيطهما ومع جوارهما، وهذا ما يعيه الغرب وتعيه روسيا.
المشكل أن بوتين الذي قدم، في أحد خطبه، عرضا تاريخيا عن أوكرانيا، يشير إلى أنه يقيم اعتبارا للتاريخ في تشكل الأمم والدول، يتصرف تصرفا شيزوفرينيا مع منطقتنا بوقوفه إلى جانب الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر، التي فعلت في الشعب الجزائري في العشرية السوداء مالم تفعله عصابة أزوف النازية في سكان دونباس الروسية، واتخاذه للمواقف التي يعبر عنها ممثله في مجلس الأمن لدى مناقشة قضية وحدتنا الترابية، التي يعرف حق العلم أن المغرب سيدافع عنها بالغالي والنفيس ولو اشترى النظام العسكري المخابراتي الجزائري كل الأسلحة الروسية، لأنه يدافع عن حق وعن وجود ويعمل على طي صفحة الاستعمار الذي قطع أطراف المغرب في لحظة ضعف وصعود للإمبريالية.