الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

هل ينجح الوزير لفتيت في احتواء غليان أهل الصحراء بعدما كاد المندوب الكثيري يشعل فتنة؟!

 
يعيشون المندوب السامي للمقاومة وجيش التحرير، مصطفى الكثيري، هذه الأيام، في قلب زوبعة هائجة، تكشف واحدة من صور الانهيارات الكبرى في مؤسسة سامية ما عاد لها من مبرر للوجود، إذ هناك مؤسسات أخرى أكثر جدارة علمية لحمل ذاكرة المقاومة وجيش التحرير ضمن عموم تاريخ المغرب...
 
ابتدأت القصة عندما كلّف المندوب مصطفى الكثيري الأستاذ الجامعي عبد الرحمن العوينة، الذي يشغل رئيسا لشعبة اللغة الإسبانية في كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، لإنجاز ترجمة سريعة لكتاب "الصحراء، نهاية الشمولية"، للكاتب الإسباني خوسي ماريا لزونديا. وقد تم إنجاز الترجمة والطبع في وقت قياسي، لا يتعدى ثلاثة شهور فقط، وتمت قراءة مشروع الترجمة من طرف رئيس مصلحة بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير.

ويوم الثلاثاء 9 نوفمبر 2021، احتضن مجلس المستشارين حفل تقديم الكتاب، شارك فيه إلى جانب المؤلف الإسباني، كل من الاستقلالي النعمة ميارة، رئيس مجلس المستشارين، ومصطفى الكثيري، المندوب الجاثم على المندوبية منذ 21 سنة... وحضر الحفل البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة بوليساريو، والعائد إلى أرض الوطن منذ عقدين. كما حضره أعضاء مكتب مجلس المستشارين، وبعض رؤساء الفرق البرلمانية في الغرفتين.

في تصريح خلال حفل تقديم الكتاب، قال المندوب الكثيري إن فاعلا جمعويا هو الذي اقترح عليه ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية، وأن المندوبية السامية قامت بالعمل في وقت محدد لا يتجاوز ثلاثة شهور، ليتزامن حفل تقديمه مع الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، دون أن يدري أحد لماذا سابق الزمن بكل هذه السرعة! بيد أن بعض الملاحظين اعتبروا الأمر يدخل في عادةٍ درج عليها كل انطلاقة حكومة جديدة، يقوم بعمل ما لإثارة الانتباه وليقنع الوزراء الجدد أنه "خدام نعماس"، حتى لا يفكر أحدهم في طرده شر طردة في مكان ما عادت له لزمة!

وحرص المنظمون على تكثيف الدعوات إلى وسائل الإعلام، بمختلف منابرها، السمعية البصرية والورقية والإلكترونية، وتم الترويج للترجمة وللكتاب بكثافة، حتى أصبح تقديم الكتاب الحدث الذي ميز الاحتفال بالذكرى 46 للمسيرة الخضراء هذه السنة.

وبدا المندوب الكثيري مزهوا بنفسه، بعد حفل تقديم الكتاب، معتقدا أنه حقق إنجازا عظيما، بينما هو كاد يشعل فتيل فتنة، وترك أمر تدبيرها لولاية العيون ولوزارة الداخلية. لقد أشعل المندوب الكثيري نار الغليان، فأصبح ممثلو القبائل يتوافدون على مكاتب الوالي بالعيون والسلطات الإقليمية، احتجاجا على ما تضمنه الكتاب من إساءات، استنكرها المؤلف وحمّل مسؤولية ذلك للجهة المشرفة على الترجمة والنشر.

وقد خرج هذا الاحتجاج عن السيطرة لما صارت المواقع الإلكترونية حافلة بالمقالات والفيديوهات، التي تستنكر ما صدر في الترجمة من عيوب مسيئة لسكان الصحراء، خاصة أهل إزركيين.

ومع كثافة الاحتجاج من طرف ممثلي الأقاليم والجماعات الصحراوية لدى السلطات الولائية والإقليمية والتهديد بالتصعيد وتنظيم مسيرة نحو العاصمة الرباط، سارعت المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير إلى إخراج بيان موجه، يحمل توقيع مترجم الكتاب الأستاذ عبد الرحمن العوينة، وتضمن البيان نصا شبيها في صياغته بأسلوب وطريقة المندوب مصطفى الكثيري في صياغة بياناته ورسائله.

وحاول البيان إلقاء اللائمة على رئيس منتدى بدائل الدولية، البشير الدخيل، على أساس أنه هو من اقترح الكتاب للترجمة، فيما ألصق تهمة العبارات المسيئة بـ"السهو"... كما تضمّن البيان عبارات مديح للمندوبية السامية للمقاومة، بالطريقة التي ألف بها المندوب الكثيري مدح المندوبية...
 

بيد أن الناشط الصحراوي البشير الدخيل، بما عُرف عنه من صدقية في القول والفعل، سارع إلى الرد على المزاعم المروّجة، نافيا أي صلة له بالكتاب، محمّلا مسؤولية الأخطاء/الإساءات إلى الجهة التي أشرفت على ترجمته وعلى طبعه والترويج له...
 
هذه الواقعة تكشف خاصّية الجبن، التي تطبع المندوب مصطفى الكثيري، الذي آثر أن يدفن رأسه في الرمل عوض أن يتحمّل مسؤوليته الكاملة، الأخلاقية والإدارية، في سلوك طائش ومتهوّر مألوف في طبيعة تدبيره لإدارة المندوبية منذ 21 سنة، حتى بات يتصرف في المندوبية السامية للمقاومة وجيش التحرير كضيعة خاصة... وهذا ما دعا عددا من إزرگيين إلى اعتبار أن المسؤولية كاملة يتحمّلها "المندوب السامي، إلى جانب مركز الدراسات الصحراوية، في إشعال فتيل الفتنة بين مكونات المجتمع الصحراوي بتعمدهم السكوت عن الخطأ بعدما تم التنبيه إليه، حيث تم تغيير كلمة (إمراغن) التي جاءت في النسخة الإسبانية إلى كلمة (إزرگيين) تحقيقا لمآرب لا يمكن أن يقال عنها سوى إنها غير بريئة مهددين الروابط الأسرية والعائلية بين الصحراويين"، على حد ما ورد في صفحة "قبيلة إزرگيين"، التي تساءلت "كيف ستقوم الدولة بارسال مسؤول، ككل مرة، لإحياء ذكرى إحدى أهم المحطات الوطنية التاريخية، ذكرى معركة الدشيرة التي سطر فيها أبناء هاته القبيلة أروع الملاحم دفاعا عن الوطن، وذكرى جلاء آخر جندي في فبراير القادم، وهو (المندوب) الذي، عن طريق خطئه، يهين شهداءها وكل الذين قدموا التضحيات في سبيل ذلك. وليست هذه أول مرة"...

وأمام هذا الغضب الهادر، اضطر إلى سحب نسخ الكتاب من بعض النيابات الجهوية والإقليمية التابعة له، في إطار مناورة لإعادة طبع الكتاب بعد حذف العبرات التي استنكرها المحتجون.

لقد آثر المندوب الكثيري أن يحثّ على مدح المندوبية، ثم التعويل على وزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في إطفاء لهيب الاحتجاج، بعدما أيقن أن حبل التوبيخ والطرد تلتف على عنقه، أكثر مما هي ملتفة بالشبهات التي تحدث عنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات الصادر في سنة 2019، وكذلك الملف الموجود بين يدي النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية منذ 2016، المتعلق بصفقة بملايين الدراهم...