الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

أخنوش ومنصب مدير مركزي في مندوبية المقاومة.. زيد الشحمة في ظهر المعلوف

 
عاد منصب مدير الأنظمة والدراسات التاريخية في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير ليثير الجدل، من جديد، بحكم وضع المندوبية، الذي أضحى وجودها في الوقت الضائع، وبات استمرارها مضيعة للمال العام وهدرا لجهود لا طائل من ورائها، حتى باتت عنوانا يضع المغرب كنسخة أخرى مشوّهة من دولة كابرانات الجزائر، الذين، في آخر تخريجاتهم بعد الفشل في التأهل لمونديال قطر، استقدموا "واحد العْظمْ" من متحف "المجاهدين" ليكون رئيس اتحاد كرة القدم...
 
ولذلك لم يكن أحد يتوقّع من رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش، كبير تجار المحروقات، أن يبصم، مؤخّرا، على القرار رقم 2022/16، القاضي بإعادة فتح باب الترشيح لشغل منصب مدير الأنظمة والدراسات التاريخية في مندوبية الاتحادي الأكول مصطفى الكثيري، خصوصا بعد صدور ثلاثة قرارات في الموضوع نفسه، خلال سنتي 2018 و2019، تم بخصوصها اقتراح اسم وحيد لم يحظ بموافقة رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني.
 
وهذه الوحدة الإدارية المركزية، التي صدر بشأنها قرار رئيس الحكومة، كانت قد أُحدثت بموجب المرسوم رقم 84-93-2 بتاريخ 29 أبريل 1993. وقد شغلها الموظف المتقاعد من أسلاك المندوبية محمد الشرقاوي جواد ابتداء من تاريخ 13 نونبر 1994، إلى أن غادرها في منتصف يونيو 1996، حيث ظلت شاغرة إلى أن قرر الوزير الأول الأسبق، إدريس جطو، إيقاف العمل بها، والاستعاضة عنها بمركز لدراسة تاريخ المقاومة وجيش التحرير، اقترح حلوله محلها في سنة 2003، وهو المركز الذي لم تكتمل المناقشات بخصوص إحداثه مع وزارة الوظيفة العمومية ووزارة المالية.
 
وبعد تجميد مشروع إحداث المركز المذكور، تم فجأة خلال حكومة عباس الفاسي في صيف 2010، تعيين الرئيس السابق لديوان المندوب مصطفى الكثيري، يسين حمزة، في منصب مدير الأنظمة والدراسات التاريخية، الذي كان جطو قرّر حذفه. وقد استمر يسين حمزة في نفس المنصب، إلى أن عُيّن من طرف رئيس الحكومة السابق سعد الدين العثماني، باقتراح من الوزيرة بسيمة حقاوي، مديرا لوكالة التنمية الاجتماعية، في مجلس الحكومة المنعقد يوم 8 يونيو 2017. وقد أعفي من هذا المنصب في صيف 2020، من طرف نفس المسؤول الحكومي، بعض ضجة هزّت الإدارات ذات الشأن الاجتماعي، وتداولتها وسائل الإعلام، ليست هي موضوعنا، هنا، على كل حال...
 
وخلال وجود يسين حمزة في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، قام بتدبير ملفات، منها ملف الصفقة رقم 3/2015 المتعلق بتمويل ملتقى للاتحاد العربي لقدماء المحاربين بمراكش، نُظّم تحت الرعاية الملكية، وعرف تفجّر فضيحة إعلامية حول اختلاس أزيد ستة ملايين درهم من الاعتماد المخصص لهذه التظاهرة. وقد أحيل الملف على النيابة العامة، وعلى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، التي ما تزال تجري أبحاثها في ملابسات هذه القضية...
 
وقد جاء تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنة 2018، المقدم إلى الملك محمد السادس، في صيف 2019، ليثير شبهات الانحراف بالمال العام عن أهدافه، فضلا عن تطرّقه إلى الاختلالات، التي شابت صفقات أخرى، من بينها صفقتان تتصلان بالتغطية الصحية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير...
 
ولحد الآن ما يزال ملف الصفقة رقم 3/2015 لدى النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية، خصوصا دخول المجلس الأعلى للحسابات على الخط، بعد ثلاث سنوات من تفجّر الفضيحة، حيث زكّى تقرير المجلس تلك الشبهات وفصّل في عدد من جوانبها...
 
بيد أن المثير في الأمر، أن يسين حمزة ظل يتردد على المندوبية السامية، رغم مغادرته لها في 2017، وظل يشرف على المباريات، ومنها مباريات اختيار أطر لمناصب المسؤولية...
 
وهكذا لما نُشر القرار الأول لفتح باب الترشيح لشغل منصب مدير الأنظمة والدراسات التاريخية بالمندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، على عهد رئيس الحكومة السابق العثماني، وتحديدا في فبراير 2018، ثم بعده القرار الثاني في الموضوع نفسه، خلال سنة 2019، ثم القرار الثالث السنة ذاتها (2019)، كان يسين حمزة هو الذي يشرف دائما، ودون أي سند قانوني، على انتقاء المرشح لخلافته شخصيا في المنصب، وفق معايير وضعت لكي لا تتوفر شروط الترشيح إلا في شخص مسؤول إقليمي محدد في المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، على قاعدة "سرنا يبقى عندنا"...
 
لكن كل الاقتراحات، رُفضت من قبل رئيس الحكومة السابق، الذي كان يشمّ فيها روائح ما كانت تدفعه لعدم تزكيتها... فلماذا أحيى رئيس الحكومة، اليوم، عزيز أخنوش، كبير تجار المحروقات، هذه المهزلة من جديد؟
 
فهل إدارة مندوبية المقاومة في غاية الأهمية والفائدة، التي تجعل رئيس الحكومة الملياردير، الذي يُفترض أنه "يحسبها طايرة"، وأنه دوغمائي أدرى بميزان قياس الربح والخسارة، والجدوى من عدمها، ليُعيّن فيها مسؤولا بدرجة مدير مركزي؟ لقد صارت إدارة المندوبية في حالة جمود، فما الحاجة لمدير مركزي غير تعليف أحد زبائن المندوب الأكول وليس لأداء مهمة في إدارة تم تجميد مهامها أو جُمّدت بحكم الزمن والمآل بعدما صارت مجرد وكالة لتدبير شؤون مسؤول يقضي تقاعده متجولا داخل وخارج المغرب منذ 21 سنة، يراكم التعويضات والأكل والشرب في الفنادق الفخمة وفي بيوت الأغيار؟
 
من المفارقات العجيبة، التي لا تحدث إلا مع المندوب الأكول، أن المسؤول إياه، المدعو يسين حمزة، الذي ينحط كل وقت وحين على المندوبية وهو من يشرف على من سيؤول الاختيار لمن سيخلفه في المنصب إياه، لمّا كان قضاة المجلس الأعلى للحسابات يدقّقون أوضاع وحسابات إدارة المندوبية، وخلال عملية التدقيق والفحوص، التي كانوا يجرونها، قاموا بتوجيه استفسارات لمسؤولين في الإدارة من بينهم هو، في بداية 2018، لكنه رفض استلام الاستدعاء بذريعة مغادرته للإدارة!
 
واستنادا إلى هذه الوقائع، يظهر أننا لم نعد أمام إدارة عمومية، بل أمام وكالة للثنائي مصطفى الكثيري/يسين حمزة، وهو الثنائي الذي أساء للمرفق العمومي، وخاصة استعمال اسم الملك والرعاية الملكية لتحويل أموال عامة عن أهدافها (الصفقة رقم 3/2015 على سبيل المثال الموجودة بين يدي النيابة العامة والفرقة الوطنية للشرطة القضائية)، وكأننا لسنا إزاء مال عام لدافعي الضرائب المغاربة، بل إزاء غنيمة!
 
كما أن هذا المنصب لم يعد له من أي داع بسبب تراجع كبير ملحوظ في إدارة المندوبية ودورها، بعد انتهاء مهام المجلس الوطني المؤقت لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، فالموارد البشرية وعلى قلتها في الإدارة، لم يعد لها من شاغل غير إضاعة الوقت في أنشطة تافهة للتظاهر بأن الإدارة تشتغل، ولا يوجد إقبال على مرافقها خاصة المحدثة بشكل غير قانوني للتعريف بتاريخ المقاومة! أما الملفات الاجتماعية في المندوبية، فتكفي في تدبيرها مصلحة صغيرة أو حتى قسم إذا أضيف لها تاريخ المقاومة. زيادة على هذا، فثمة مؤسسات وطنية أو محلية أكثر أهلية للعناية بالذاكرة الوطنية وتاريخ المقاومة، منها المكتبة الوطنية، وشُعب التاريخ بالمؤسسات الجامعية، والمعهد الملكي لتاريخ المغرب، وأرشيف المغرب، ومديرية الوثائق الملكية، والخزانة الحسنية، والمؤسسات التابعة لوزارة الثقافة من متاحف ومراكز ودور للثقافة، ومؤسسة محمد السادس للمتاحف، وكذا متحف محمد السادس بروافده... وهذا ما سنخصّص له وقفة خاصة في مقال مقبل...