جريمة قتل الطفل عدنان.. غصة في الحلق وجرح غائر في مجتمع موبوء بلعنة الاغتصاب

 

 

 

مفجع أن ينكسر الأمل في العثور عليك، سالما، من أية أعطاب نفسية وجسدية.. ومؤلم أن ينكسر هذا الأمل بالعثور عليك، بعد خمسة أيام من الاختطاف والاختفاء، بلا حياة، ولا روح ولا حركة، مجرد جثة هامدة، موسومة بالاغتصاب من مجرم سادي، بلا قلب ولا روح ولا ذرة بشرية، مدفونة بِجُبْن خلف شجرة بموقع قريب من منزل أسرتك.

 

لقد تعالت أصوات المفجوعين في وفاتك، بإنزال أقصى العقوبات في حق الذئب البشري الذي وأد فيك الطفولة والابتسامة والبراءة، وزفروا أنفاسا حرى ملء الرئتين على رحيلك، بعد أمل في العودة إلى حضن الوالدة والوالد، وإلى الأقران في الحي.

 

عدنان، الطفل الطنجاوي الذي هزت وفاته المغاربة، بابتسامته الجاذبة وعينيه اللتين تشعان بالحياة، سيظل عنوانا لـ"الطفولة المغتصبة والموءودة" في البلاد وغصة في الحلق، وجرحا غائرا في مجتمع موبوء بلعنة هتك العرض.

 

 

وهنا ينبغي أن نقولها صراحة، دون مركب نقص ودون استحياء، إننا كمغاربة، نعيش في محيط موبوء، تفوح منه روائح التحرش والعنف والاغتصاب الجنسي، بعضها تنبعث من ذوي القربى والجيران ومن حماة الأخلاق وحراس الدين.

 

للأسف، لا يكاد يمر يوم واحد دون أن نصطدم بخبر هنا أو هناك، عن "مكبوت" أفرغ ساديته في جسد قاصر أو قاصرة، أو سفاح لبى شهوته في التغرير بأطفال لا يعرفون من العملية الجنسية إلا تلك الآلام النفسية العميقة، التي قد ترافقهم وتنهكهم طوال حياتهم. في حين يظل بعض الجناة، في منأى عن المتابعة القضائية، بالنظر إلى ثقافة "ستر ما ستر الله" التي تجعل كثيرا من الأسر تحجم عن تقديم شكاوى ضد المغتصبين، خوفا من "العار"، الذي يعتقدون أنه سيلاحقهم ويلتصق بالضحايا من أبنائهم. والحال أن كل تستر على مغتصب للنساء أو بالأطفال أو بيدوفيل يبحث عن الجنس السريع والسهل، من خلال استغلال القاصرين في هذه البلاد السعيدة، حتى وإن كان من ذوي الأصول، هو تستر عن جريمة، من شأنه تحفيز "مول الفعلة" على الاستمرار في هتك أعراض العباد في هذه البلاد.

 

قبل ثلاث سنوات، كانت مديرية الحموشي كشفت عن رقم صادم، ربما لم ينتبه إليه كثيرون وقتها، أو لم يتم الوقوف عنده بكثير من التحليل والتمحيص، وهو أن مصالحها بمدينة الدارالبيضاء وحدها، تمكنت، خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة ذاتها (2017)، من إيقاف 293 شخصا بتهمة الاغتصاب الجنسي. وهذا يعني أن مدينة واحدة فقط، تعيش، وفقا للرقم المعلن عنه، 1,38 حالة اغتصاب في اليوم، وهو رقم صادم، بالرغم من عدم استيعابه لظاهرة الاغتصاب الجنسي في المدينة، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار أن أغلب الذين تم إيقافهم، تم تقديم شكاوى ضدهم إلى المصالح الأمنية. لكن ماذا عن أولئك المغتصَبين، الذين وجدوا أنفسهم مكبلين بثقافة "العار" و"الحشومة"، ولم يلجأوا إلى مصالح الأمن للتبليغ عن الجناة؟

 

 

إن مثل هذا الصمت، هو الذي يمدد مساحات الاغتصاب الجنسي للأطفال في البلاد، وهو من شجع هذا الذئب البشري على اختطاف الطفل عدنان واغتصابه.. وخوفا من انكشاف أمره، واعتقاله، وإن بمدد سجنية لا تتوافق مع طبيعة الجريمة، قتله بدم بارد، وأفجع فيه أسرته والمجتمع.

 

إننا نعرف "خروب بلادنا" جيدا، ولا ضير أن نقول الحقيقة، دون لوك في الكلام، أو تنميق له: إن عدد المغتصَبين الذين انتُهكت أعراضهم في هذه البلاد، أكبر من كل الأرقام التي ترد عن هذه الجهة أو تلك، وهي في ارتفاع مهول، وترقى بهذه الجرائم من الظاهرة إلى الكارثة. ناهيك عن كونها تغذي ظواهر أخرى لم تجد لها الحكومات المتعاقبة حلا إلى حدود الآن. ذلك أن الاغتصاب، يُخرّج جيوشا من الأمهات العزابات، وآلاف الأطفال الذين يحملون أعطابا نفسية تؤثر بدورها على اندماجهم في المجتمع، كما أنها تنتج جرائم قتل باسم الشرف، وأخرى تعمق من ثقافة "العار" في الأوساط المحافظة.

 

وهنا تحديدا، تخبرنا الوقائع، أن هناك حالات كثيرة في المجتمع المغربي لزيجات فشلت في أول يوم لها، فقط لأن الزوج، لم يتقبل أن زوجته ليست بكرا، ولم يهمه في "ليلة سفك الدم" أنها تعرضت للاغتصاب وهي طفلة صغيرة من قبل جار سادي أو قريب سفاح استغل عامل الثقة لوأد براءتها في سنواتها الأولى، أو من طرف "فقيه" عرف كيف يستثمر سلطة الدين لـ"الفتح المبين".

 

 

المعضلة الكبرى هنا، أخذا بالاعتبار تنامي وتواتر أخبار حالات الاغتصاب، أننا أصبحنا كمغاربة نتجه إلى ما يشبه التطبيع مع جرائم الاغتصاب المقترنة بالدم، إذ لم يعد يشفي غليلنا، سماع هذه الحالة أو تلك من الاغتصاب، إلا وهي مقترنة بجرائم أخرى، كالقتل أو التمثيل بجثث الضحايا المغتصَبين أو تقطيعها إلى أطراف ورميها في الحاويات أو طمرها تحت التراب.. مما يجعلنا أمام سؤال جارح استنكاري وليس استفهاميا: من أين يأتي كل هذا الاغتصاب!

 

لقد أصبح الاغتصاب، أكثر من أي وقت مضى، خاصة في زمن "حكومة الإسلاميين"، فرجة تتغذى من صمتنا، ومن تستّرنا، ومن جبننا، ومن قوانيننا المتساهلة. وهذه القوانين، بحكم عدد حالات الاغتصاب المتزايدة، هي التي تشجع على هتك العرض، وهي من شجعت مجرم طنجة على وأد براءة الطفل عدنان، حتى أضحت عنوانا لـ"الطفولة المغتصبة والموءودة".