ناشط بارز في الحراك الشعبي للرئيس الجزائري: أرفض مباركة دستور ممنوح يحولك إلى إمبراطور
الكاتب :
حسن عين الحياة
حسن عين الحياة
بكثير من الوضوح والصراحة الأدبية والجرأة السياسية، عرى المناضل المدني والمحامي الجزائري المعروف مصطفى بوشاشي، على الوجه الخفي للنظام السياسي في بلاده، في سعيه إلى الالتفاف حول رغبة الشعب الجزائري في صياغة دستور ديمقراطي لبلد المليون شهيد..
كما فكك المحامي نفسه، وهو أيضا حقوقي مخضرم، بحنكة فقهاء القانون الدستوري، بنية قصر المرادية، الذي يحاول تكريس هيمنته على كل السلط في الجزائر، من خلال دستور ممنوح، مُفصل على مقاس الرئيس عبد المجيد تبون والمؤسسة العسكرية، في محاولة تلفيف الدستور ذاته، بـ"أومبالاج" ديمقراطي، كنوع من "الماركوتينغ" الموجه للاستهلاك.
وأبرز هذا الناشط الحقوقي، الذي أصبح أحد مراجع الشباب قادة الاحتجاج، الذي يجتاح الجزائر ضد النظام، منذ 22 فبراير 2019، في رسالة قوية، وجهها مؤخرا إلى عبد المجيد تبون، كيف حاول الرئيس الجزائري إشراكه في "إثراء المشروع التمهيدي لتعديل الدستور"، من خلال تقديمه نسخة منه، قبل أن يكتشف أن اللجنة التي أعدت مسودة الدستور، مجرد لجنة لصياغة رغبات وتوجهات النظام، بهدف إعطاء انطباع بأن لجنة الخبراء هي التي وضعت المسودة.
وكانت الرئاسة الجزائرية أعلنت عن مشروع التعديل الدستوري في نسخته النهائية، يوم 7 سبتمبر 2020، تمهيدا لإجراء استفتاء شعبي حوله في 1 نوفمبر المقبل...
وكشف الناشط البارز في الحراك الشعبي، في رسالته الموجهة إلى الرئيس الجزائري، عن عدة تحفظات من حيث الشكل والمضمون على مشروع التعديل الدستوري، تفضح الوجه الآخر للنظام الجزائري.
تشكيل لجنة لصياغة رغبات وتوجهات النظام تحت مسمى دستور
قد نتفق، السيد الرئيس، يقول المحامي بوشاشي في رسالته إلى تبون، بأن تجربتنا في وضع الدساتير وتعديلها، كانت دائما بمبادرة من النظام أو الرؤساء الذين هم واجهة النظام، وكانت تراعي دائما غاية أساسية وهي استمرار النظام، وقد توافقني الرأي بأن هذه الطريقة غير ديمقراطية وأن التأسيس لجزائر ديمقراطية يستوجب أن يوضع الدستور من قبل الشعب الجزائري من خلال هيئة منتخبة بغض النظر عن التسمية.
واعتبر المحامي، في الرسالة نفسها، أن حكومات العالم مهتمة بالتصدي لوباء كورونا وتضع إمكانياتها الاقتصادية والمالية لمواجهة هذا الوباء، وتؤجل كل القضايا غير المستعجلة، قبل أن يضيف في حديثه الموجه للرئيس تبون "إن طرحكم فكرة مناقشة وإثراء المسودة غير مناسب وغير ملائم بالنظر إلى ظرف الأزمة الصحية والحجر الصحي. لا يمكن أن نضمن نقاشا واسعا ووجاهيا للوثيقة يشارك فيه جميع الجزائريين، من أحزاب ومجتمع مدني ونشطاء وشباب مثقفين وجامعيين".
وبلغة صريحة، قال بوشاشي، إنه يتفهم جيدا أنه بمناسبة الحملة الانتخابية للرئيس تبون، وعدت بتعديل الدستور ووضع دستور يلبي تطلعات الشعب الجزائري إلى الديمقراطية والحرية. "كنت أعتقد أنكم ستلجأون إلى عقد ندوة وطنية تشارك فيها كل الحساسيات والأطياف السياسية والمجتمع المدني، تعمل على وضع وثيقة توافقية ثم تقوم اللجنة التقنية بصياغة مخرجات الندوة، ولكن الذي حدث هو أنكم شكلتم لجنة لصياغة رغبات وتوجهات النظام لإعطاء انطباع بأن لجنة الخبراء هي التي وضعت المسودة.
التأسيس لحكم فردي يجعل منصب رئيس الجمهورية إمبراطورا
رفع بوشاشي من منسوب الصراحة والوضوح في رسالته بالقول للرئيس "أصدقكم القول بأنني تفاجأت من محتوى المسودة، والتي جاءت في نهاية المطاف لتؤسس لحكم فردي تجعل منصب رئيس الجمهورية إمبراطورا، يتدخل في عمل كل السلطات من تشريعية وقضائية، ناهيك عن أجهزة الرقابة التي يتحكم فيها من خلال التعيينات، وفوق ذلك هو غير مسؤول لا سياسيا ولا قضائيا".
إن المسودة من ناحية الموضوع، يضيف بوشاشي، لا تبرز نظاما محددا، لا برلمانيا ولا رئاسيا ولا شبه رئاسي، بل هو مناف، بالشكل الذي ورد في الوثيقة، لكل المبادئ التي تتضمنها الدساتير التي تؤسس للديمقراطية.
وأضاف المحامي "لا شك أن اللجنة التي قامت بالصياغة، نقلت رغباتكم أو رغبة النظام، لأنها لم تستمع للطبقة السياسية، كما تجاهلت رغبة الشعب الجزائري في التغيير والذهاب إلى ديمقراطية حقيقية".
وذهب بوشاشي بعيدا في تشريح رغبة الرئيس الجزائري في "قولبة" الدستور وفق قالبه الذي يحفظ له وللأجهزة المتنفذة في الجزائر مصالحها وامتيازاتها، قائلا "لا أعتقد أنه بهذا المحتوى المقترح للدستور، ستتمكنون من التأسيس لجزائر جديدة، جزائر الديمقراطية والحرية التي خرج من أجلها الجزائريون يوم 22 فبراير 2019. كنت وما زلت أتمنى من كل قلبي أنكم ستستمعون إلى صوت الشعب وتتحلون بالحكمة وتنفتحون على طموحات الشباب وتكون البداية لوضع دستور توافقي تطغى عليه ملامح الديمقراطية والحرية، فما ظهر في الوثيقة التي حملت المسودة يعطي انطباعا قويا أن الغاية هي توفير شروط أخرى لاستمرار نظام غير ديمقراطي.
وجاء في المراسلة التي رافقت المشروع التمهيدي، يتابع المحامي الجزائري، أن هذه مجرد مسودة قابلة للنقاش والإثراء، وهي أرضية يمكن أن نساهم بتعديل ما يستحق التعديل وحذف ما يجب حذفه وإضافة ما يجب إضافته، لأن الغاية هي تزويد الأمة بدستور توافقي يستجيب لتطلعات الشعب. لكن "السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما هي الضمانات بأن ما يطرح من تعديلات أو إضافات أو حذف من طرف المشاركين في النقاش عن بعد سيؤخذ بعين الاعتبار، على ضوء طريقة المشاركة وانعدام الشفافية". أتمنى أنني مخطئ، يشدد بوشاشي، ويضيف، ولكن طريقة إدارة النقاش كتابيا ومحاولة إعطاء الانطباع بأن أكثر من 1800 مساهم من أحزاب وجمعيات وشخصيات، أدلوا برأيهم، قد تكون الغاية منه إعطاء شرعية غائبة، لأن الدستور التوافقي يستوجب نقاشا مجتمعيا واسعا.
هرمنا ولم يتحقق لنا أمل بناء دولة المؤسسات ودولة سيادة القانون
وختم المحامي رسالته بمخاطبة عبد المجيد تبون قائلا "سيادة الرئيس.. الملايين من الجزائريات والجزائريين في الداخل والخارج يطالبون بجزائر جديدة، جزائر ديمقراطية، جزائر دولة سيادة القانون، جزائر الحقوق والحريات تعيد الأمل للشباب في العيش في وطنهم بكرامة، هذه فرصتكم وفرصتنا جميعا لوضع دستور توافقي يؤسس لجزائر جديدة، لا تضيعوا هذه الفرصة كما ضيع النظام المتعنت فرصة انتخابات توافقية يوم 2019/12/12".
ولكي تصل رسالته بسلاسة إلى من يهمه الأمر، قال بوشاشي هناك مثل شعبي متداول عند الفلاحين في منطقتي يقول "الخط اللي ينبت الزرع باين من بدايته" هذه البداية في وضع الدستور، لا أعتقد بأنها ستؤدي إلى ديمقراطية حقيقية.
وأكد الحامي في ختام رسالته "إنني سأظل آمل أن يتخذ مسار تعديل الدستور، ووضع دستور الجزائر الجديدة مسارا سياسيا آخر، وأن يتم اللجوء لهيئة منتخبة سيدة، تتولى هذا الأمر لبناء دولة المؤسسات ودولة سيادة القانون التي نناضل من أجلها منذ زمن طويل، وقد هرمنا ولم يتحقق لنا هذا الأمل حتى الآن.. هذه غاية سامية، تجسيدها ينبغي أن يكون اليوم توافقيا وبإشراك كل الطاقات وكل الفئات، لأن السلطة، بما خبرته وعملت به من أساليب ومناهج لم تتمكن من تجسيد ذلك، وربما كانت غير قادرة على ذلك لطبيعتها وغاياتها، وهو ما ينبغي التخلي عنه تماما.