من غير المحبّذ حضور الملك محمد السادس القمة العربية المفترضة في الجزائر
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
ليس هناك بلاغ رسمي صادر عن وزارة القصور الملكية أو تصريح للناطق الرسمي باسم القصر أو حتى لوزارة الخارجية يشير إلى إمكانية حضور الملك محمد السادس لهذه القمة المتوقعة، وكل ما راج عن تلك الإمكانية استند إلى ما نشرته مجلة "جون أفريك" الفرنسية أو جريدة "الشرق الأوسط"، استنادا إلى مصادر مغربية ثم جزائرية غير محددة.
شخصيا لا أحبذ حضور الملك لهذه القمة لأسباب متعددة.
أولا، من الصعب أن يزور ملك المغرب بلدا قررت سلطاته الحاكمة قطع العلاقات الديبلوماسية واغلقت اجواءها في وجه الطيران المغربي، ضمن ممارسات عدائية لم تتوقف ولم تخف لحد الآن. ومن غير الوارد التعامل مع فتح الأجواء مؤقتا للوفد الرسمي المغربي مع إبقاء العلاقات مقطوعة والحدود والأجواء مغلقة. المغرب استقبل وزير العدل الجزائري لأنه لم يغلق أجواءه ولم يعلن قط على قطع العلاقات ولم يطلب من سفير الجزائر بالرباط أن يغادر.
ثانيا، القمة المتوقعة في حد ذاتها بلا رهانات حقيقية عربيا، ولذلك يعتبر شعارها "لم الشمل"، المتكرر بشكل مضحك، فاقدا للمعنى. ذلك أن الخلافات بين الأطراف العربية شرقا وغربا أكبر من تجد لها حلا في هكذا قمة تتعمد الدولة المنظمة نفسها تأجيجها وادعاء العكس، إذ لا تنحصر عدائيتها في ما تمارسه وما تتخذه من مواقف ضد المغرب، بل إنها تمتد إلى علاقتها مع مصر وأطراف ليبية ودول الخليج العربي التي تعرف العلاقات القائمة بين النظام الجزائري ونظام الملالي في إيران، وكذلك مع أطراف عراقية وسورية ولبنانية ويمنية، فالنظام الجزائري، الذي يزعم أنه يسعى إلى لم الشمل، ليس طرفا نزيها يمكن أن يوثق به.
فضلا عن ذلك، فإن المرحلة الحرجة التي يمر منها العالم بسبب الحرب في أوكرانيا كامتداد لسباق استراتيجي وجيوسياسي بين القوى العظمى من أجل رسم خريطة العالم غدا لا تسمح للدول العربية منفردة أو مجتمعة باتخاذ مواقف واضحة أو موحدة لأن اصطفافاتها التقليدية مختلفة حد التناقض، وترتبط بها مصالح وحسابات استراتيجية عصية على التغيير في الزمن المنظور، رغم ما يظهر من خصومات أو توترات عابرة وما يمكن أن يشوش نظر المتسرعين في إصدار أحكام القيمة والسطحيين، وتبرز تلك الاصطفافات اليوم وأكثر من أي وقت مضى ليس بشأن الأزمة الأوكرانية، وبالتالي مع الغرب وروسيا والصين، بل وأيضا مع إيران وتركيا وإسرائيل، ومن المستحيل، والحالة هذه، أن تكون قمة الجزائر مناسبة لطرح أي مبادرة عربية بشأن القضية الفلسطينية بديلة لما تبنته قمة بيروت بمبادرة سعودية، أو أن تتخذ مواقف بشأن التطبيع، أو أن تتخذ مواقف من الوضع المعقد في سوريا، وستكون الجزائر أول المتصدين لأي موقف ضد الممارسات الإيرانية المهددة لاستقرار ووحدة عدد من البلدان العربية.
إن ادعاء الديبلوماسية الجزائرية القدرة على التأثير في هذا الوضع ولم الشمل وغير ذلك ادعاء باطل، وربما استطاع وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة أن يُقنع به رئيسه ورؤساء رئيسه من الجنرالات، مما جعل القمة العربية تتحول إلى فخ سقطوا فيه جميعا.
ثالثا، إصرار النظام الجزائري على تنظيم القمة العربية في الظروف العالمية والعربية المشار إليها بعجالة أعلاه ناتج بالتأكيد عن الأوهام التي باعها العمامرة لنظام مأزوم، جاء به مستنجدا لتجاوز خطر العزلة الدولية والفشل الديبلوماسي بعد فترة الشلل الرئاسي والانقلاب المغلف دستوريا على بوتفليقة وصحبه، ثم الانقلاب على المنقلبين على الرئيس العاجز، تخللها حراك شعبي متواصل من أجل إنهاء حكم العسكر، لكنه ناتج بالدرجة الأولى عن رغبة نظام مطعون في شرعيته ومشروعيته شعبيا في إظهار نفسه للجزائريين على أنه مقبول ومؤثر خارج الحدود، عربيا بالدرجة الأولى بعد أن لم يعد ممكنا التعامل مع كل الدول الأفريقية كما كان يحدث في الماضي، حيث كانت البترودولارات تشتري الذمم وتغير المواقف، وبعد أن وعت الدول الأفريقية أن النظام الجزائري غير جدير بالثقة بالنظر إلى دوره مع روسيا وحتى في استخدام الجماعات الإرهابية، وبالنظر أيضا إلى فشله المريع في ميدان التنمية داخليا وعجزه الفظيع في أن يكون فاعلا في تنمية البلدان الأفريقية، رغم ماجناه من أموال الريع في العشرين سنة الماضية وقبلها.
إن شد النظام الجزائري بالنواجد على قمة عربية بلا رهانات واضحة ولا نتائج تنتظر منها، لا يساعده على إخفاء حقيقة أنه يرغب في استعمالها استعمالا سيئا وبليدا في دعايته الغارقة في البلادة والتفاهة، بإظهار نفسه، أمام الجزائريين الرافضين لحكم العسكر ولفشله الذريع، على أنه غير معزول ومؤثر وفاعل وما إلى ذلك، عله يكتسب الشرعية المفقودة ويلهي بالدعاية عن المشاكل العويصة التي تتخبط فيها الجزائر، ولم تخرج منها منذ العشرية السوداء التي ارتكب خلالها من يحكمون اليوم جرائم ترقى إلى جرائم ضد الإنسانية، رغم قوس سمحت به وفرة البترودولار في ظل حكم بوتفليقة قبل أن يصيبه المرض بالعجز ويصبح صورة حاكمة لسنوات وعُهدات... عدا ذلك، فان هذا النظام لم يفلح في إرجاع سوريا إلى جامعة الدول العربية، ولم ينجح في تحقيق المصالحة الفلسطينية الفلسطينية، ولم يكن طرفا نزيها يوثق به من قبل الأطراف الليبية التي تعرف كلها أنه كان وبالا على تونس... إلخ، أي أنه ينظم قمة فاشلة في كل شيء، وقد يكون فشلها أكبر مما يتوقع إذا انفجرت داخلها عدة تناقضات عربية صامتة وتحدث الثرثار تبون بدون فرامل ولا رقابة على لسانه من طرف عاقل...
قمة بلا رهان عربي ولا نتائج منتظرة، مُسخّرة للدعاية الداخلية من أجل تلهية شعب غاضب عن مشاكله الحقيقية والعويصة، لا تستحق أن يحضرها ملك المغرب ولا أي من الملوك والأمراء والرؤساء المحترمون، وذلك كيفما كانت الوساطات أو حتى الضغوط إن وجدت، فلا يعقل الذهاب إلى قمة لا قيمة لها في الواقع، وربما تكون قمة خطيرة على العمل العربي المشترك. العقلاء منزهون عن العبث...