الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

مصطفى الزارعي: الإخوة الأعداء.. جوار الندب والبكاء

 
مصطفى الزارعي
 
دق الفرح في المغرب، فَفُتح باب المندبة والبكاء في الجزائر.. بمناسبة إعلان الفيفا اختيار المغرب وإسبانيا والبرتغال لتنظيم المونديال.. وعلى عادتنا الأثيرة، ومشروعية حقنا في الاحتفال بكل مفرح وجميل.. فقد كنا، في هذه الظرفية الدقيقة، بارعين في قلب كفة الأحزان إلى أفراح ومسرات، حتى ولو على بعد أسابيع قليلة، من هول زلزال مراكش.. رغم أننا لم نشف بعد من امتداداته وشدة دماره.. ثم تهادى إلينا، من بعيد، أثر وأنين البكاء.. تحديدا من "الشقيقة" الجزائر.. فاكتشفنا أن سادة وسدنة السياسة وإعلام الجزائر، لا يتوقفون عن البكاء.. وتنظيم مراسيم العزاء.. وكأن الميت من مقام كبير، أقرب نَسَبا وتمثلا، ودما من الصدّيقين والأولياء والصالحين، حتى أنه لا تخلو منصة إعلامية أو قناة تلفزية، أو صحيفة ورقية أو إلكترونية، من مراسيم الندب والجذب والأنين والعويل والصراخ والصخب والبكاء...
 
لماذا يفترض أن يكون في كل ما هو جزائري، شيء من الندم والعتاب والبكاء والحطام، لكنهم يبكون ويبحثون عن أسباب البكاء، ويستدلون سريعا أن المغرب، وليس "الشيطان حماه الله وسدد مسعاه"، هو من يبكيهم وينغص عليهم عيشهم، ولا يبدل شره تبديلا...
 
وتمر الأيام، ويبقى الأنين، حتى قبل وبعد إعلان نفير الفيفا ضدهم.. ولِمَ لا نقول مع فرانز فانون قذارة الأنين.. الأنين الذي يعصر القلب، كما لو كان يقذف برؤوس السياسيين والإعلاميين إلى القاع، طبعا إلى الإحساس بضرورة إعلان الحرب، وهي الصيغة الإديولوجية، التي تهدد بها الطبقة السياسية، في "الشقيقة الجزائر"، وتقول، في كل مرة، إن الله لا يغيّر من المغرب إلا بإعلان الثورة عليه.. وهذا أقل ما يقال عنه، إنه واجب الجوار، ما دامت كل الثورات تخرج من الجزائر، فلم لا يكون الأقربون أولى.. حتى أن الرئيس عبد المجيد طبّون قال إن كل الثورات خرجت من الجزائر.. فيما الصحافة "زادت فيه"، وقالت إن كل الثورات، التي شهدها العالم، استمدت أسماءها وألوانها من الجزائر، الثورة الحمراء والثورة البيضاء، والثورة الصينية وثورة القرنفل، والياسمين والأقحوان... والثورة الإنجليزية والثورة الفرنسية والثورة الأمريكية والثورة الإيرانية، وثورة اكتشاف البخار وثورة اكتشاف المصباح والثورة الصناعية... مرورا بعشرات الثورات الفاشلة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية... حتى أنهم لم يجدوا مكانا لائقا في التاريخ يضعون فيه ثورة الزنج وثورة القرامطة وثورة الشعراء الصعاليك بالجاهلية.. فقط لأن العيب يوجد في التاريخ القصير، أو سيناريو الفيلم التاريخي القصير، الذي صنع بشكل مشوه في الجزائر.. مع أن بعض المؤرخين من مُرمّمي كراسي السلطة.. يقولون إن تاريخ الجزائر بدأ قبل وقت قصير من ظهور الديناصورات.. تحديدا ديناصورات العسكر، وهذا أمر ممكن..
 
والحال أن النظام الجزائري يشعر، في العقود الأخيرة، بندم شديد لأنه لم يبدع ثورة على مقاس المغرب، مع أن اللوجستيك السياسي الموجه لقلب الأوضاع في المغرب متوفر بما فيه الكفاية، فيما الرئيس عبد المجيد طبون، يملك كل مواصفات القائد الثوري، لكنه، وهذا خطؤه الاستراتيجي، يكتفي بتصريف أحلامه الثورية ضد المغرب، وهو مطبق فوق كرسي الرئاسة كما لو كان أفعى ذات الأجراس! غير ذلك، فهو يحْبُو على أقدام أضحت، منذ سنوات، خارج الخدمة، أو يحلم حلم اليقظة على الكرسي الهزاز، وهو يبعث بشهقات البكاء، يهدد ويُرْغي و يزبد ويتوعد المغرب بتفتيته إلى قطع الدومينو، لأن نظام الانقلابيين في الجزائر، لم يتمكّن، بمخابراته وقبضات أيديه وأسنانه العسكرية ونواياه المريبة، من النيل من تاريخ مغربي ما زال ينمو ويتطور منذ الأزل..
 
والحق، أن البكاء في التحليل الفرويدي، هو صنو للإحساس بالضياع والفراغ.. الفراغ الإيديولوجي أو الاستراتيجي أو التاريخي.. كما أن هناك وهمًا كبيرًا بأن البلاد تستعد، منذ الاستقلال، لإحداث انقلاب جوهري في أسلوب ومنهجية العمل، لكنها، وإلى حدود الساعة، لم تخرج بعد من مرحلة الاستعداد.. ثم راحت تطالب بتقليد المغرب، ومنافحته، ومجاراته في أحسن وأفضل، وأسوأ ما لديه... لكن أيضا معارضته ومناهضته، والاعتراض عليه، ومحاربته واستصغاره وتقزيمه، وتخصيص ميزانيات مالية ضخمة تهدر في معركة ضارية ضده.. لكن مع الأسف تنتهي دائما بلا شيء...
 
"الله غالب، ماكَايْنا بركة في الرْديخْ ضد المرّوك".. حرب ومنازلة بلا معنى ولا أفق.. بأموال الشعب الجزائري، بالأقلام المأجورة، بالسواعد الشقية، بتهم إضرام النار، بتهم التجسس ضد السياسيين الجزائريين، وغيرهم من قادة الدول الأوروبية، بوضع اليد المريبة في يد المخابرات الفرنسية، بتشويه وتزوير التاريخ، بحقن انفصاليي البوليساريو بالمال والسلاح والعداء.. بإغلاق الحدود وسد الأجواء.. بحملاتهم الإعلامية الآتية من عصور الجاهلية.. ولن يكتفوا إلى أن يتأكدوا أنهم أعادونا إلى بدائيتنا الأولى...
 
ألهذا الحد نستحق، نحن المغاربة، ألّا نرفع رؤوسنا من تحت الغطاء أو غرقا تحت الماء، وكأننا منذورين للشقاء.. أو هكذا يتمنى لنا الأخوة الأعداء.. ألهذا الحد كانوا يشتغلون، على مدى امتداد، قرابة الجار على الجار، كي نكون مصدرا دائما للأحزان، وصنوف الكوارث والمصائب، والأضرار.. وأن يرفع الدعاء وأكف الضراعة، كي تقيم في بلادنا كل الزلازل، والنوازل، وصنوف الدمار والأوبئة، وكل ما يدمي ويستضيف الأضرار..
 
الساسة هناك يروّجون، بين بنيهم، أننا خلقنا بعدهم، وليس قبلهم بقرون، لنكون أعداء.. وكل أدعية السياسيين والصحافيين أن يسرع الله بالانتقام من المغرب، ويعلن القيامة الآن. ويرحمهم بفتح أبواب جهنم قبل الأوان.. لأنهم تمادوا في خلق وإبداع أسباب شقاء وبكاء النظام الجزائري.. لا، بل حتى أن زلزال مراكش بكل ضراوته، الذي راهن عليه قسم من الإعلام الجزائري لكي يعيد المغرب إلى ما قبل الجاهلية ويجعله يتسول الغذاء والكساء والماء أمام قصر المرادية، انقلب ضد أخلاقه الفاشستية، وراح يقبل الضحايا ويتسول السماح والمعذرة لهم.. وهذا ما قلناه فور إعلان الزلزال عن نواياه.. "انفجرت سواقي الماء، ثم راحت تنساب باستحياء من بين الصخور، وكأنها ترتدي ثوب الحداد"..
 
والحق أن المغرب كان موجعا بالزلزال، لكنه لم يفتح أبوابه للصدقات، ليس لأنه عنيد أو صنديد، بل لأنه يعرف أن الصدقات بأثقالها يتبعها الغاوون والمنّانون والمتشدّقون في الشقيقة الجزائر.. الذين يضعون المغرب ضدا على إرادته وحاجته وكبريائه الوطني في خانة الموت السريري.. أو تحت الحذاء.. وألّا يظهر كبلد نامٍ بإمكانياته البسيطة غير النفطية.. أو أن تستيقظ فيه حقوقه التاريخية باسترجاع واستعادة أقاليمه الصحراوية.
 
يقول ساسة الجزائر، لماذا يفترض ألّا "نقتل المش النهار الأول؟"، وكأنهم يعاندون القول، لماذا لا نُحيل "عَارْ الجار على الجار" إلى "غَدْر الجار على الجار"، حتى يموت المش ويزيدو عليه لحمار...
 
لكن "حتى الحمار دار معنا البركة فالزلزال".. المؤسف أن الإعلام الجزائري سيكون أول من خص صفحاته لهجاء الحمار.. وسيكون أيضا أول من شبه فلنتينو رئيس الفيفا بكونه حمارا، لأنه سمح للمغرب بالمشاركة مع إسبانيا والبرتغال في تنظيم كأس العالم.. مع ذلك، فإن الحمار، ببركته، بات فارسا. في الجهة الأخرى، مازال الأنين يُسمع من هناك.. باب البكاء لم يغلق حتى الآن...