عبد المجيد تبون على اليمين ومصطفى بوشاشي على اليسار
رسالة المحامي مصطفى بوشاشي للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون: مشروع الدستور يؤسس للحكم الفردي
الكاتب :
"الغد 24"
وجه المحامي والناشط الحقوقي، مصطفى بوشاشي، أمس الأربعاء 9 سبتمبر 2020، رسالة مطولة إلى الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، عبر فيها عن رفضه مناقشة مسودة تعديل الدستور، الذي طرحه الرئيس الجزائري يوم الاثنين 7 سبتمبر 2020، قائلا لا أعتقد أنه بهذا المحتوى المقترح للدستور، ستتمكنون من التأسيس للجزائر الجديدة، جزائر الديمقراطية والحرية التي خرج من أجلها الجزائريون يوم 22 فبراير 2019، لأنه مشروع يؤسس للحكم الفردي ويحول الرئيس إلى امبراطور.. وفي ما يلي النص الكامل للرسالة:
السيد الرئيس/ عبد المجيد تبون
الموضوع: مسودة تعديل الدستور
سيادة الرئيس
أشكركم على دعوتكم الكريمة للمشاركة في إثراء المشروع التمهيدي لتعديل الدستور الذي تلقيت نسخة منه بتاريخ 21 ماي 2020. أريد أن أقدم تحفظات، وألفت نظركم إلى ما يلي:
أولا: في الشكل
1- قد نتفق، السيد الرئيس، بأن تجربتنا في وضع الدساتير وتعديلها، كانت دائما بمبادرة من النظام أو الرؤساء الذين هم واجهة النظام وكانت تراعي دائما غاية أساسية وهي استمرار النظام، وقد توافقني الرأي بأن هذه الطريقة غير ديمقراطية وأن التأسيس لجزائر ديمقراطية يستوجب أن يوضع الدستور من قبل الشعب الجزائري من خلال هيئة منتخبة بغض النظر عن التسمية.
2- إن حكومات العالم مهتمة بالتصدي لوباء الكورونا وتضع إمكانياتها الاقتصادية والمالية لمواجهةهذا الوباء وتؤجل كل القضايا غير المستعجلة. إن طرحكم فكرة مناقشة وإثراء المسودة غير مناسب وغير ملائم بالنظر إلى ظرف الأزمة الصحية والحجر الصحي. لا يمكن أن نضمن نقاشا واسعا ووجاهيا للوثيقة يشارك فيه جميع الجزائريين، من أحزاب ومجتمع مدني ونشطاء وشباب مثقفين وجامعيين.
3- أتفهم جيدا أنه بمناسبة حملتكم الانتخابية وعدتم بتعديل الدستور ووضع دستور يلبي تطلعات الشعب الجزائري إلى الديمقراطية والحرية. كنت أعتقد أنكم ستلجؤون إلى عقد ندوة وطنية تشارك فيها كل الحساسيات والأطياف السياسية والمجتمع المدني، تعمل على وضع وثيقة توافقية ثم تقوم اللجنة التقنية بصياغة مخرجات الندوة، ولكن الذي حدث هو أنكم شكلتم لجنة لصياغة رغبات وتوجهات النظام لإعطاء انطباع بأن لجنة الخبراء هي التي وضعت المسودة.
ثانيا: في الموضوع
سيادة الرئيس
أصدقكم القول بأنني تفاجأت من محتوى المسودة والتي جاءت في نهاية المطاف تؤسس لحكم فردي تجعل منصب رئيس الجمهورية إمبراطور يتدخل في عمل كل السلطات من تشريعية وقضائية ناهيك عن أجهزة الرقابة التي يتحكم فيها من خلال التعيينات وفوق ذلك هو غير مسؤول لا سياسيا ولا قضائيا.
إن المسودة من ناحية الموضوع لا تبرز نظاما محددا، لا برلمانيا ولا رئاسيا ولا شبه رئاسي بل هو مناف، بالشكل الذي ورد في الوثيقة، لكل المبادئ التي تتضمنها الدساتير التي تؤسس للديمقراطية.
لا شك أن اللجنة التي قامت بالصياغة نقلت رغباتكم أو رغبة النظام لأنها لم تستمع للطبقة السياسية كما تجاهلت رغبة الشعب الجزائري في التغيير والذهاب إلى ديمقراطية حقيقية.
لا أعتقد أنه بهذا المحتوى المقترح للدستور، ستتمكنون من التأسيس لجزائر جديدة، جزائر الديمقراطية والحرية التي خرج من أجلها الجزائريون يوم 22 فبراير 2019.
كنت وما زلت أتمنى من كل قلبي أنكم ستستمعون إلى صوت الشعب وتتحلون بالحكمة وتنفتحون على طموحات الشباب وتكون البداية لوضع دستور توافقي تطغى عليه ملامح الديمقراطية والحرية، فما ظهر في الوثيقة التي حملت المسودة يعطي انطباعا قويا أن الغاية هي توفير شروط أخرى لاستمرار نظام غير ديمقراطي.
ثالثا: الضمانات
جاء في المراسلة التي رافقت المشروع التمهيدي أن هذه مجرد مسودة قابلة للنقاش والإثراء وهي أرضية يمكن أن نساهم بتعديل ما يستحق التعديل وحذف ما يجب حذفه وإضافة ما يجب إضافته لأن الغاية هي تزويد الأمة بدستور توافقي يستجيب لتطلعات الشعب.
السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما هي الضمانات بأن ما يطرح من تعديلات أو إضافات أو حذف من طرف المشاركين في النقاش عن بعد سيؤخذ بعين الاعتبار، على ضوء طريقة المشاركة وانعدام الشفافية. أتمنى أنني مخطئ ولكن طريقة إدارة النقاش كتابيا ومحاولة إعطاء الانطباع بأن أكثر من 1800 مساهم من أحزاب وجمعيات وشخصيات، أدلوا برأيهم، قد تكون الغاية منه إعطاء شرعية غائبة، لأن الدستور التوافقي يستوجب نقاشا مجتمعيا واسعا.
سيادة الرئيس
الملايين من الجزائريات والجزائريين في الداخل والخارج يطالبون بجزائر جديدة جزائر ديمقراطية، جزائر دولة سيادة القانون، جزائر الحقوق والحريات تعيد الأمل للشباب في العيش في وطنهم بكرامة، هذه فرصتكم وفرصتنا جميعا لوضع دستور توافقي يؤسس لجزائر جديدة، لا تضيعوا هذه الفرصة كما ضيع النظام المتعنت فرصة انتخابات توافقية يوم 2019/12/12.
أشكركم سيادة الرئيس مرة أخرى على دعوتكم لكنني أعتذر عن المشاركة بتقديم مقترحات لأنني أعتقد بأن الطريقة التي وضعت بها هذه المسودة من ناحية الشكل وما تضمنه من ناحية الموضوع ناهيك عن انعدام الضمانات بأن المقترحات ستؤخذ بعين الاعتبار .
هناك مثل شعبي متداول عند الفلاحين في منطقتي يقول ” الخط اللي ينبت الزرع باين من بدايته ،” هذه البداية في وضع الدستور لا أعتقد بأنها ستؤدي إلى ديمقراطية حقيقية.
إنني سأظل أأمل أن يتخذ مسار تعديل الدستور ووضع دستور الجزائر الجديدة مسارا سياسيا آخر، وأن يتم اللجوء لهيئة منتخبة سيدة تتولى هذا الأمر لبناء دولة المؤسسات ودولة سيادة القانون التي نناضل من أجلها منذ زمن طويل، وقد هرمنا ولم يتحقق لنا هذا الأمل حتى الآن.
هذه غاية سامية تجسيدها ينبغي أن يكون اليوم توافقيا وبإشراك كل الطاقات وكل الفئات، لأن السلطة، بما خبرته وعملت به من أساليب ومناهج لم تتمكن من تجسيد ذلك وربما كانت غير قادرة على ذلك لطبيعتها وغاياتها، وهو ما ينبغي التخلي عنه تماما.