نساء تونس يقفن ضد إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وفي الإطار الناشطة النسائية اعتدال المجبري
اعتدال المجبري في عيد المرأة التونسية: تصدينا لمحاولات "النهضة" الرافضة لمبدأ المساواة بين الجنسين
الكاتب :
"الغد 24"
فاطمة حوحو
حاضرة هي المرأة التونسية في الحياة السياسية والعامة، تدافع عن مكتسباتها التاريخية وعدم التفريط بها، منذ إصدار مجلة الأحوال الشخصية التي منعت تعدد الزوجات ونظمت علاقات الأسرة أمام القانون لا وفقا للأعراف، في عهد الرئيس بورقيبة والتي اعتبرت من أهم إنجازاته، ومدماكا أساسيا في بناء أسس الدولة التونسية الحديثة، وقد اعتُبر يومُ 13 غشت، تاريخُ إقرار هذه المجلة في العام 1956، يوماً للمرأة التونسية، يُحتفل به كل عام، ويكون مناسبة لإجراء وقفة من أجل طرح مطالب جديدة أو تقويم أوضاع النساء التونسيات والدفع بها إلى الأمام والوقوف بصلابة أمام أي محاولات لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، كما حصل بعيد الثورة التونسية وفوز حزب "النهضة" بالأكثرية النيابية، ومحاولاته لسن قوانين مستمدة من مفاهيم اجتماعية بالية، متسلحين بالتفسيرات والاجتهادات الدينية، لا بالقوانين المدنية المكتسبة، وفي هذا مس بمبدأ المساواة بين المرأة بالرجل، لأن القول بالتكامل لا المساواة، يجعل أوضاع المرأة في مهب التفسيرات، لا الالتزام بنصوص قانونية واضحة البنود.
آخر الإنجازات التي حققتها المرأة التونسية في مسيرتها النضالية أخيرا، كان إقرار مشروع قانون يجرم العنف ضد النساء منذ أسابيع قليلة، أقره البرلمان التونسي بعد جدل كبير، وجلسات صاخبة، والقانون الجديد يعترف بمنع تعدد الزوجات، ويمنح المرأة حق تطليق زوجها، والمساواة في جميع مجالات العمل، ويتضمن مواد قانونية عن تدابير وقائية في المؤسسات، ويرمي إلى الاعتراف بكل أشكال العنف الجسدي والمعنوي والجنسي، ما يستنتج من روحية القانون أن أعمال العنف لم تعد مسألة خاصة. إنها مسألة باتت تهمّ الدولة، والدليل هو أن سحب الدعوى لم يعد يوقف التعقبات بحق مرتكب العنف، أي ما يسمى "جرائم الشرف" أو الاغتصاب، كما ينص القانون على منح الضحايا مساعدة قضائية ونفسية ويفرض برامج محددة من أجل زرع "مبادئ القوانين الإنسانية والمساواة بين الجنسين"، في المناهج التعليمية.
في إضاءة على أوضاع المرأة التونسية بعيدها، أجرينا حديثا مع مديرة مركز التدريب الإعلامي في مركز "كوثر"، السيدة اعتدال المجبري، التي اعتبرت أن "حال المرأة التونسية اليوم في تقدم تشريعيا ومواطنيا، رغم بعض المظاهر السلبية، كالعنف المسلط ضدها ومحاولات الجذب الى الوراء"، موضحة أن "دورها في البرلمان، سواء كانت في الأحزاب الحاكمة أو المعارضة، أصبح جليا ويشهد لمعظمهن بالكفاءة والمثابرة والمشاركة الفعالة في كل اللجان دونما استثناء. أما في المجتمع المدني والنقابات فدورها أكثر فعالية، إذ انتظمت النساء في ائتلافات ضاغطة على البرلمان والسلطة، سواء بالنسبة إلى القضايا التي تخص المرأة أو تلك التي تهم المجتمع. كما تجندن لحث النساء على الترشح والانتخاب، وقمن بتدريبهن في إطار سلسلة من التدريبات حول القوانين والريادة والنظم الانتخابية".
وحول قانون معاقبة العنف ضد المرأة الذي أقره البرلمان التونسي والخطوات المقبلة والضرورية للتغيير نحو الأفضل، أشارت إلى أنه "ليس قانونا للمرأة فحسب، بل للمجتمع ككل. يكفي أن نعرف أنه بمقتضى هذا القانون الإطار، أصبح سن الرشد الجنسي 16 بعد أن كان 13 سنة، لندرك أن منافع القانون هي للجميع في حمايته للأطفال. كما أبطل إفلات المغتصب من العقاب في حال تعبيره عن الزواج من ضحيته. تم كذلك إدراج الفصل الخاص بالتحرش الجنسي. كما استعمل المشرع التونسي ولأول مرة مصطلحي الاغتصاب عوض مواقعة أنثى دون رضاها وسفاح القربى. القانون متطور في صيغته الحالية لكن تطلعات المجتمع المدني أكبر في اتجاه تكريس مناهضة العنف المعنوي والاقتصادي والترفيع من سن الرشد الجنسي ليتوافق ومجلة حقوق الطفل التي تعرف الطفل من 0 إلى 18 سنة".
وحول ملاحظتنا بأن المرأة التونسية حققت تقدما نسبة للعالم العربي لاسيما في قانون الأحوال الشخصية تاريخيا، إلا أن المجتمع التونسي بدا أنه يميل إلى المحافظة وربما التحفظ على القوانين المنصفة للمرأة، وتفسيرها لذلك هل هو بسبب الدين وعدم تقبل التعددية، قالت المجبري: "صحيح بنسبة معقولة ما تقولينه، وسبب ذلك حسب رأيي عوامل متعددة، لعل أبرزها مناهج التعليم التي لا تحفز بالمرة على اعتماد الحس النقدي وطبعا القوى السياسية التي تعتمد الإسلام مرجعاً، إضافة إلى عقود من الزمن التي حرمت التونسيين من التعبير الحر في السياسة والمظاهر السلبية في المجتمع والدين ".
وعن رأيها في الدور الذي تقوم به المرأة التونسية اليوم والمهام الملقاة على النسويات في المجتمع التونسي ما بعد سقوط بن علي وتجربة حزب "النهضة" في السلطة وما بعد ذلك، لفتت إلى أن "هناك مهام عديدة، يتمثل أهمها في مشروع المجتمع الذي نريده أن يكون عليه، لذلك خاضت النساء التونسيات معارك كبيرة في الإعلام والقضاء والسجون والإصلاح، والآن المحكمة الدستورية، ونجحن بشكل كبير لم يتوقعه المجتمع، وكذلك البطولات الرياضية التي لا يستهان بها، وما زلن واليوم مع اعتماد التناصف الأفقي والعمودي والذي كان ثمرة نضالات المجتمع المدني نساء ورجالا في الانتخابات البلدية، أصبحت المسؤولية أكبر في التغيير المحلي وهو التحدي الكبير للمرحلة المقبلة".
وعن محاولات حزب "النهضة" الرامية إلى إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، بخصوص أحوال المرأة التونسية وكيف جوبهت من الحركة النسائية التونسية، أشارت اعتدال المجبري إلى أنه "يوم كانت المناقشات في المجتمع التونسي محتدمة حول مشروع الدستور الجديد والأغلبية النيابية كانت عند النهضة، وكان الحزب يتحدث عن التكامل لا المساواة جرت أكبر مظاهرة في الشارع عرفتها تونس بدعوة من الفعاليات النسائية، وسقط فصل التكامل وتعويضه بالمساواة. كذلك كونت مجموعة من الشابات جمعية بوصلة لمراقبة يومية لأشغال البرلمان ومداولاته ، الناشطات أيضا على مواقع التواصل الاجتماعي، كن إلى جانب الرجال بالمرصاد لكل تصريح يشتم منه تراجعا عن مكاسب المرأة. ويوم تمت دعوة الدعاة إلى تونس في عهد "النهضة" وألبست فتيات صغيرات الحجاب، قامت الجمعيات النسائية والحقوقية بحملة ضروس، وكذلك بالنسبة إلى المدارس القرآنية التي انتصبت في عهدهم انتصابا فوضويا، وفي عهد "النهضة" أيضا انتشرت ما يسمى بلجان حماية الثورة بمرجعية تهدد شكل المجتمع التونسي. تصدت الفنانات إلى جانب الفنانين وقمن بعروض في الشوارع رفضا لطمس المجتمع. تم هذا قبل التحولات الإقليمية التي أدت إلى إعلان "النهضة"، تحولها إلى حزب مدني".
من الواضح أن المرأة التونسية لا يمكن لها أن ترتاح، فعينها في ظل التقلبات الحاصلة، لا تغفو حتى لا يتم الإطاحة بالإنجازات، أما الطريق نحو المساواة الكاملة فهي في أجندة بعض الجمعيات النسوية التي تعمل بجدية في كل المجالات وتنخرط في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من أجل بناء تونس الجديدة الذي لا يمكن أن يتحقق من دون انخراط النساء في معركة التقدم، ومن دون دورهن. وهو ما يتطلب بالطبع إشراكهن في السلطة وفي كل المواقع دون تردد.