الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

من الذاكرة.. هكذا تحدث أزريع عن العمل السياسي والنقابي والمدني وعن بناء تعاقد اجتماعي جديد

 
كانت الجريدة اليومية "المغربية"، كما كنا نسميها آنذاك، أو كما تسمى، قبلا وبعدا، "الصحراء المغربية"، التابعة لمجموعة ماروك سوار، غالبا ما تلجأ إلى الفقيد عبد القادر أزريع، لأخذ تصريحات أو إجراء حوارات، تسلط الضوء على القضايا المشتعلة في المجالات السياسية والنقابية والاجتماعية والمدنية... ولذلك، نجد أن أرشيف هذه الجريدة يحفل بأعداد كبيرة من المساهمات النوعية للفقيد، وجدنا ضمنها هذه الحوارات، التي يعود تاريخها إلى سنوات 2004-2009، وأجراها معه الزملاء: عادل الغرفاوي، فؤاد اليماني، ليلى أنوزلا، جمال بورفيسي، مريم زريرة...
العودة إلى مضامين هذه الحوارات، تكشف عن جوانب مهمة من أفكار وآراء ومواقف الفقيد عبد القادر أزريع من قضايا المرحلة، ومن الحكومة، والنقابات والأحزاب، ومن الحوار الاجتماعي، التي يُسجّل للفقيد أنه كان من المبادرين السبّاقين إلى الدعوة إلى فتح ورش وطني حول المسألة الاجتماعية، تشارك فيه كل المركزيات النقابية القائمة من دون إقصاء أحد، ثم المجتمع المدني بكل فعالياته، والأحزاب الوطنية، من أجل صياغة تعاقد اجتماعي لبناء ميثاق مجتمعي جديد...
في هذه الحوارات، سنجد، أيضا، تركيزا مهما ومفيدا ومثمرا على الحركة النقابية، التي يعتقد أنها مدعوة إلى إعادة صياغة مشروعها المجتمعي، وأن النقابات مطالبة ببناء ذاتها لتشكيل رؤية مستقلة عن أجندة الأحزاب، وللخروج من تلك الثنائية التقليدية الموروثة عن الفكر الماركسي، معتبرا أنه دون حركة نقابية قوية وفاعلة لا يمكن تصور توازن اجتماعي مستقر...
 
 
حوار أجري في أكتوبر 2004
 
رئيس حركة المبادرات الديمقراطية والقيادي بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل لـ"الصحراء المغربية"
عبد القادر أزريع: قضية الأحزاب في بلادنا اليوم أكبر من القانون
 
أجرى الحوار: عادل غرفاوي
 
أين يجد عبد القادر أزريع نفسه أكثر، هل أثناء ممارسة العمل النقابي أم السياسي؟
 
أولا أتوجه بالشكر إلى صحيفة "الصحراء المغربية" التي أتاحت لي الفرصة للحديث إلى قرائها عن هموم مناضل نقابي وسياسي لابد عليه أن يشارك كل أبناء شعبه تفكيره في قضايا تهم البلد سواء تعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية أو السياسية.
رجوعا للسؤال، في العمق أجد نفسي عندما يتعلق الأمر بالاشتغال على قضايا تهم الوطن سواء كانت هذه القضايا مرتبطة بشكل مباشر بالواجهة النقابية أو السياسية.
بمعنى أنني أجد صعوبة في الاختيار أو الميل إلى ميدان دون الآخر لأن انطلاقتي في التعاطي مع النضال الوطني الديمقراطي كانت انطلاقة مخضرمة، بحيث منذ انخراطي في الصف الوطني الديمقراطي ونحن تلاميذ انخرطنا من خلال الواجهة النقابية كالوداديات على مستوى الثانويات، ثم بعد ذلك النقابة الوطنية للتلاميذ، وبعدها الاتحاد الوطني لطلبة المغرب وصولا إلى انتمائي إلى الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فلذلك كان هذا التداخل وهذه الجدلية حاضرة في هذه التجربة المتواضعة منذ انطلاقها إلى اليوم.
ومع ذلك يمكن القول إنني كمسؤول نقابي، ربما من خلال المواقع التي مارست داخلها المسألة الاجتماعية على مستوى العلاقة مع الملف الاجتماعي كان حضوري داخلها في الواجهة الاجتماعية أقوى أكثر من الحضور على الواجهة السياسية، خاصة من الناحية المؤسساتية، حيث كما تعلمون أنني عشت التجربة البرلمانية من خلال مسؤوليتي وموقعي النقابي، كما دخلت الصراع والاختلاف والحوار مع الحكومة خلال مسؤوليتي النقابية، كما عايشت الحوار التشريعي والفقهي والقانوني مع الحكومة من خلال الموقع نفسه، زد على ذلك أنني ساهمت في الميثاق الوطني للتربية والتكوين من خلال المجال ذاته.
لذا فربما أن هذه الأسباب جعلت كثير من المتتبعين والأصدقاء يرون في أزريع المسؤول النقابي أكثر منه المسؤول السياسي، في حين في رأيي أنه في التجربة المغربية من حيث العلاقة بين السياسي والنقابي هي علاقة أكثر من متداخلة ومتفاعلة على اعتبار أن القضايا الاجتماعية لم تبتعد بعد عن الحقل السياسي والارتباط بكل ماهو سياسي، إذ أنه كلما تناولت قضية اجتماعية إلا ووجدت نفسك في قلب التعاطي مع قضية سياسية جوهرية ، وهذا ماجعل الحقل النقابي يعيش ارتباطا وثيقا قويا بالحقل السياسي المغربي.
وتعتبر هذه من الخصوصيات الجوهرية للتجربة النقابية في بلادنا، إذ أن اللحظة التي نعيشها جعلت من القضية الاجتماعية قضية الواجهة على اعتبار أن ما ترتب على حكومة التناوب من توافقات طبعت المناخ السياسي والممارسة السياسية بنوع من الرتابة جعلها تعيش لحظة توازن أفقدتها الكثير من بريقها وإشعاعها، في حين بقيت الحركة النقابية والمسألة الاجتماعية في توهجها نظرا للمشاكل الاجتماعية المطروحة والتي تفاقمت بل أخذت أبعادا جديدة لم تكن مطروحة من قبل نتيجة تحولات كبرى وما ترتب عن الاتفاقيات الدولية التي وقعتها بلادنا على سبيل المثال اتفاق التبادل الحر مع الولايات المتحدة الأمريكية، وقبله الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي إلى آخره من التحولات وإعادة هيكلة القطاع الفلاحي.
فلذلك شخصيا، أعتبر أن الممارسة الأكثر وضوحا الآن في التعاطي مع قضايا الشعب المغربي هي الممارسة النقابية وهذا ليس معناه أنني ابتعدت عن المجال السياسي فقط، بل على العكس إنني مازلت أساهم إلى جانب أخواتي وإخواني في حركة المبادرات الديمقراطية، وكذا إلى جانب كل الديمقراطيين والتقدميين في العمل على إعادة بناء وصياغة المشهد السياسي المغربي بما يخدم قضايا التقدم في بلادنا.
 
أي قانون للأحزاب غدا سنطبقه جميعا عندما تعلم أن الدولة تدخلت في هذا الحزب لكي يختار رئيس الفريق الذي يتماشى مع توجهاتها، وكذا عندما تعلم أنها تدخلت لاختيار وزراء دون علم أحزابهم، لذا فإنه (قانون الأحزاب) لن يستطيع معالجة وضعية الانفصام التي تعيشها الحياة الحزبية
 
ماهي الحدود الفاصلة بين أزريع السياسي وأزريع النقابي؟
 
كما قلت من قبل، يصعب جدا أن تجد حدا فاصلا بين أزريع السياسي والنقابي، إلا في حالة ظهور علامات مميزة على مستوى الشكل و الإطار.
فعندما أتعاطى مع المسألة النقابية في بعدها التنظيمي، أبتعد وأمارس عن قناعة الابتعاد عن اللعبة السياسية حتى أعطي للإطار النقابي الذي أشتغل فيه أكبر فرصة من الاستقلالية في التعاطي مع القضايا خاصة التنظيمية منها.
وخلال تلك اللحظات تجدني أكثر نقابيا من ممارس سياسي، أما في القضايا الأخرى فلا أخفيك ومن خلال المفاوضات سواء مع الحكومة أو مع الباطرونة في كثير من المحطات أستعين بالخبرة السياسية والموقف السياسي دفاعا عن قضايات الشغيلة والعمال.
إذن يمكن القول أن الحد الفاصل بين ميولاتي الساسية والنقابية يرتبط ظهوره بالقضايا التنظيمية الداخلية التي تخص الحياة الداخلية للمركزيات، لكن عندما يتعلق بالملف والقضايا الاجتماعية فيصعب جدا الفصل بين أزريع النقابي والسياسي.
 
ما مدى استقلالية النقابات داخل المغرب، هذا إذا علمنا أن هناك تأثير كبير من قبل الأحزاب الخاضعة إليها؟
 
هذا سؤال ارتبط بالمسار النقابي ببلادنا، إذ أنه بدأ يطرح مع نهاية الثمانينات واتسع خلال السنوات الأخيرة، فالاستقلالية اليوم تتجلى في التعاطي مع المسألة الاجتماعية وكل مايهم الطبقة العاملة سواء تعلق الأمر بمكتسباتها أو حقوقها أو مستقبلها من منطلق اجتماعي يأخذ بعين الاعتبار التحولات العالمية والواقع المغربي ودون الدخول في مزايدة مع الذات، وهذا يعني أن القرار في هذه االقضايا يكون نقابيا.
وأعتقد أننا تقدمنا إلى حد كبير في هذا المجال، وربما من حسنات حكومة التناوب أنها أعطت الإمكانية للحركة النقابية أن تعبر عن ذاتها باستقلال عن الارتباط السياسي.
وكون أن اخواننا المسؤولين الحزبيين انشغلوا أكثر بتدبير الشأن العام وبالهم الحكومي، فإن هذه المسألة فتحت المجال للقيادة النقابية المغربية خاصة المرتبطة بالحركة الديمقراطية، بأن تأخذ المبادرة وتطرح الملفات الاجتماعية في شموليتها، وذلك بالتحول إلى قوة اقتراحية في المجال الاجتماعي دون الأخذ بعين الاعتبار الهاجس السياسوي الذي كان مطروحا في مرحلة ماقبل حكومة التناوب.
 
يرجح بعض المراقبين أن التعثرات التي عرفها المشهد السياسي المغربي خلال السنوات الأخيرة كان لها انعكاس سلبي على العمل النقابي، فهل غياب الاستقلالية هو السبب في ذلك؟
 
لا، أولا أنا لست من هواة الدعوة الأخلاقية لتحنيط الممارسة النقابية والسياسية، فالممارسة النقابية أو السياسية في الساحة المغربية أو في العالم هي ساحة اختلاف الأراء والمواقف، وهي كذلك صراع وتنافس وتلاقي واختلاف، فبالتالي ماحصل في التجربة السياسية المغربية ليس خاصا بها، فإذا أخذنا على سبيل المثال التجربة النقابية الإسبانية فنجد أنه بوصول الحزب الاشتراكي الإسباني إلى السلطة طرح نقاشا حقيقيا عميقا ربما مختلف عن الطريقة التي أدرنا بها خلافنا وصراعنا ونقاشنا نحن كمغاربة، ولكن عاشوا الوضع نفسه وأدى إلى بلورة مواقف تقترب من مواقفنا حتى بالنسبة للمركزية لنقابية التي كانت قريبة جدا من الحزب الاشتراكي الإسباني.
التجربة نفسها عاشتها الحركة النقابية الفرنسية بعد صعود الاشتراكيين وتحالف الحزب الشيوعي مع حكومة ميتران، إذن فالتحول من المعارضة إلى تدبير الشأن العام كان طبيعي أن يطرح هذا النقاش، وكان الأمل أن يؤدي هذا الحوار والنقاش بقبول الإخوة في القيادات السياسية بالحق في الاختلاف للحركة النقابية، ويعتبر أن الجوهر الذي من أجله نمارس هو خدمة الوطن، سواء كان من موقع تدبير الشأن العام للحكومة أو من موقع تدبير الملف الاجتماعي، والأساس هو أن ننجح في تحقيق الانتقال الديمقراطي في بلادنا وبناء دولة الحق والقانون.
للأسف أن النزوع التحكمي لبعض الإخوة حال دون أن نخوض في نقاش حقيقي مثمر يمكننا من تحقيق هذا التحول دون آلام، ولكن لا يمكننا أن نتصور ولادة جديدة بدون دوم ، فالحركة التاريخية كانت دائما صعبة ومعقدة لابد أن ترك جروحا لأن الولادة في الغالب تكون عسيرة، لكن الإيجابي أن يرى المولود النور.
أنا في اعتقادي أنه اليوم يمكن أن نتحدث عن حركة نقابية بكل مقومات الكلمة بتاريخها الأكيد وبخلفيتها السياسية الأكيدة ولكن بملفها وأطروحاتها الاجتماعية المستقبلية وهذا ماجعلها في اللحظة الراهنة المحاور الحقيقي والوحيد في الساحة الوطنية، والذي حافظ على الحق الاجتماعي المغربي بكل ديناميكيته وبكل حركاته، وربما هذا سيساعد كذلك اخوتنا في الحركة السياسية على طرح الأسئلة الجديدة من أجل انطلاق عملية شاملة في إعادة بناء المشهد السياسي المغربي.
 
لوحظ في بعض الأحيان غياب التنسيق بين المركزيات النقابية في عدد من الملفات قبل دخولها في حوار الحكومة، وهو الشيء الذي يمكن هذه الأخيرة من فرض مقترحاتها رغم رفض احدى المكونات الخمسة لهذه المقترحات؟
 
سأتحدث معك عن الواقع، والواقع غير هذا بالمرة بحيث في كل القضايا الاجتماعية الكبرى حصل اتفاق بين المركزيات النقابية وهذا ما ساعد على معالجة هذه الملفات رغم ضخامتها وتعقيداتها وفي ميزان قوى اجتماعي مختلف تماما نظرا لهذه الرتابة التي عرفها الحقل السياسي الغربي.
فعلى سبيل المثال ملف مدونة الشغل أعتقد أن كل المركزيات النقابية حتى تلك التي لاتتوفر على تمثيلية توافقت حول المشروع الأخير الذي صادق عليه البرلمان.
 
قوى الصف الديمقراطي لا تتوفر على أطروحة حول القضية الأمازيغية، وحتى عند اعتماد صيغة المعهد الملكي لم يكن هناك نقاش حقيقي حول حدود هذه المؤسسة وكيف ستساهم في إعادة صياغة التعدد الثقافي، الذي يعد قضية استراتيجية
 
قضية ثانية كبرى كذلك تتعلق بقانون الإطار المتعلق بالتغطية الصحية، الذي تمت المصادقة عليه أيضا، أذكر هنا أن كل التعليلات التي تقدمنا بها تقدمنا بها باسم كل المركزيات النقابية الممثلة في البرلمان، الشيء نفسه بالنسبة لملف التقاعد، وقانون الإضراب وغيرها من الملفات الكبرى.
ففي اعتقادي أنه تقدمنا كثيرا على مستوى تنسيق المواقف بخصوص الملفات والقضايا الكبرى، والشيء نفسه للمتصرفين والأطر المماثلة.
 
عفوا، أعتذر على مقاطعتك، ولكن الاتحاد المغربي للشغل رفض التوقيع على الاتفاقية الموقعة بين المركزيات النقابية والحكومة بخصوص هذا الملف؟
 
بطبيعة الحال أعتقد أنكم اطلعتم على بيان اللجنة الذي تضمن شبه تحفظ أكثر منه رفض للحل الذي توافقت حوله المركزيات الأربع.
وفي تقدريري وتقييمي أننا خطونا خطوة جبارة لتأسيس لعمل نقابي موحد على مستوى النضال والتعاطي، وكذا على مستوى الحلول والاتفاقات وهذا مهم بالنسبة للمستقبل بالنسبة لللشباب الذين سيتسلمون مشعل العمل النقابي مستقبلا.
 
إلى حدود الساعة لم تعلن الحكومة بشكل رسمي عن النتائج النهائية للتمثيلية النقابية، فما هو في نظركم سبب هذا التأخير؟ وهل هذا التأخير يتضمن نوع من المهادنة لنقابة الإسلاميين التي ظلت حاضرة خلال أغلب اللقاءات إن لم نقل جميعها رغم عدم تجاوزها مقياس 6 في المائة؟
 
صعب جدا أن نحاكم على النوايا، لكن ما يمكن الادلاء به في هذا الشأن هو التصريحات التي قدمها لنا المسؤولون الحكوميون عندما كنا نتوجه لهم بالسؤال عن الاعلان عن النتائج، إذ كانو يجيبوننا دائما بأن هناك صعوبة في التجميع لأن الوظيفة العمومية تشتغل لوحدها والقطاع الخاص يشتغل لوحده وهناك صعوبة في التنسيق، كما أن الامكانيات غير متوفرة لذلك كنا نطالب بالنتائج والأساس هو أن يتم الاعلان عن هذه النتائج النهائية لكي تحدد المعالم الأساسية والجوهرية للخريطة النقابية المغربية حتى نتمكن من تصريف كامل لبند من بنود الأساسية للمدونة ألا وهو التعاطي على أساس التمثيلية.
فبخصوص حضور أو عدم حضور هيئة نقابية لا تتوفر على 6 في المائة، فنحن اعتبرنا أن الأساس هو أن يكون المقياس وأن تكون هناك مرحلة انتقالية في تطبيقه وهذه مسؤولية الحكومة وليست مسؤولية النقابة، لذلك اعتبرنا أن نقاش الضبط الصارم ليس هو موضوع حوار أو صراع أو حتى اختلاف مع الحكومة لأن هناك ما هو أهم.
 
أين وصل التحضير لمشروع قانون الإضراب؟
 
بالنسبة لقانون الاضراب، فأنا كنت ومازلت مع الرأي الذي يعتبر أن التجربة التشريعية في بلادنا لم تنضج بعد ولا تتوفر على كل الشروط للخروج بقانون تنظيمي للإضراب.
 
لماذا؟
 
لأن هذا يعني تحولا جذريا في الفلسفة التشريعية في بلادنا، فحق الاضراب في التجربة السياسية والنقابية حق شمولي بما يعني أنه حق مورس من طرف الهيآت السياسية والنقابية قطاعيا وفئويا ووطنيا، كما أنه مورس من طرف الهيآت الحقوقية.
لذلك حق الإضراب حق أشمل من أن يرتبط فقط بالإضراب في هذه المقاولة أو تلك لذلك كنت أتمنى أن نبقى في حدود العلاقات المهنية بما يعني صياغة مواد تدقق في هذا الحق وتحميه يتضمنها الكتاب السابع من المدونة المتعلق بالنزاعات الاجتماعية، وهذا من شأنه توفير إمكانية لانتشار ثقافة حقوقية بين العمال وأرباب العمل، وسيفتح المجال لنقاش أوسع وأشمل حول حق الإضراب بهذه النظرة الشمولية، ولنا في التجربة الفرنسية خير درس في هذا المجال بحيث أن فرنسا بعمقها الثقافي والسياسي وبتجربتها التشريعية لحد اليوم لم تصغ قانون تنظيمي بخصوص الحق في الإضراب.
لذلك، ليس عيبا أن نؤجل صياغة القانون، لكن العيب كل العيب أن نعمل على صياغة قانون غير مطابق للحظة تاريخية، وهذا من شأنه أن يعطل مسار سيرورة وحركة وديناميكية الحق الاجتماعي ، وهذا ما يجعلني أدعو إلى نقاش شامل وواسع بخصوص هذا القانون.
 
إضافة إلى النضالات المطلبية، كيف ترون الممارسة النقابية داخل المغرب هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار الشعار الذي رفعته الكونفدرالية ألا وهو "النقابة، المؤسسة"؟
 
شعار "النقابة، المؤسسة" من الشعارات التي بلورها ونحتها المناضلين الكونفدراليين على ضوء التجربة المريرة التي عاشوها خلال فترة سنوات الجمر القديم، بحيث أنني ليست بحاجة إلى التذكير بالتضحيات الجسيمة التي قدمها المناضلون الكونفدراليون ، من أجل الدفاع عن الوطن والدفاع عن حقوق العمال.
هذه المعاناة لم تنسينا التفكير في بناء تجربة نقابية جديدة متقدمة مستوعبة لتحولات العصر، وقادرة على الإجابة على اشكالات المرحلة الجديدة و المساهمة في بناء وطن ديمقراطي مهيأ لمواجهة تحديات العولمة.
وعلى هذا الأساس فإننا دخلنا هذه التجربة بقناعتنا وبأطروحاتنا، إلا أننا للأسف افتقدنا للكثير من الامكانيات المادية والبشرية والتجهيزات، ولكن بفضل صمود واستماتة المناضلين والمناضلات الكونفدراليين نجحنا إلى حد كبير في تحقيق الكثير من هذا الشعار، حيث اليوم أذكر بكل اعتزاز أننا نتوفر على مركز للأبحاث والدراسات الذي يتوفر على الكثير من الإصدارات النقابية، وهذا مهم في تأطير العمل النقابي، كما أننا ساهمنا في تنظيم العديد من الأيام الدراسية والدورات التكوينية للمناضلين والأطر، حيث على سبيل المثال ربما أن الدورات التكوينية التي نظمتها الكونفدرالية حول المدونة الجديدة تفوق بكثير الدورات التي نظمها القطاع الحكومي المعني.
وتأسيسا على هذا الفضاء، تحولت الكونفدرالية إلى فضاء لحوار وطني من أجل المساهمة في توفير امكانيات إنجاز المغاربة لثورتهم الوطنية الثانية.
وأعتقد أن البيان التاريخي للمجلس الوطني في نونبر الماضي بمناسبة وثيقة الاستقلال كانت محطة أساسية تأكد من خلالها هذا المسار والتحول، كما أنها فتحت المجال للاستمرار في هذا الاتجاه وهذا ماوفر لنا إمكانية تنظيم ندوة فكرية ساعدتنا على استيعاب التحولات والتعاطي معها بشكل مختلف ستكون له نتائجه الايجابية على العمل النقابي مستقبلا.
 
لننتقل من النقابي إلى المستوى المدني، لنسأل أزريع عن المرحلة التي وصلت إليها حركة المبادرات الديمقراطية؟
 
بالنسبة لحركة المبادرات الديمقراطية، هي قناعة بين مجموعة من المناضلات والمناضلين التقدميين الذين تربوا في قلب اليسار المغربي والحركة الديمقراطية والذين من خلال مواقعهم المختلفة سواء النقابية والثقافية ومسؤوليتهم في تدبير الشأن العام الوطني تبين لهم أن اللحظة التاريخية الكبرى التي يحتاجها العالم، وهي في الوقت ذاته اللحظة التاريخية الكبرى بالضرورة التي تحتاجها بلادنا، تفرض علينا بالضرورة إعادة التفكير في إعادة صياغة أطروحاتنا السياسية، وهذا يعني إعادة بنائها وتشكلها ورسم ملامح المستقبل من جديد بحيث أن حركتنا هي نتاج لتجربة وخبرة ولتاريخ ولنظرية أي التجربة اليسارية ككل.
وأرى أن هذه التجربة استنفدت إمكانية الاستمرارية لذلك بات لزاما علينا إعادة النظر في أطروحاتنا وآلياتنا ووسائل تعاطينا مع مختلف القضايا الجديدة المطروحة على كل أحرار العالم.
فالعولمة اليوم، بما يعني قوة الرأسمال المالي والثورة المعرفية الكبرى التي حولت العالم إلى قرية صغيرة وفتحت المجال لكل البشرية بالانخراط في الحدث السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالوتيرة نفسها، بحيث أنكم ترون أن مختلف المغاربة تابعوا الانتخابات في الولايات المتحدة الأمريكية أكثر مما تابعوها في تونس، مع العلم أن هذه الأخيرة هي الأقرب بالنسبة إلينا لأنها تهم بلد مغاربي يشكل المغرب العربي، وضعتنا أمام أسئلة كثيرة تطرحها علينا المرحلة التاريخية،/ من قبيل أي دور للدولة الوطنية، وماهي حدود السيادة الوطنية، وماذا تعني لنا الديمقراطية في مجتمع هش بمختلف بنياته الاقتصادية والاجتماعية، وغيرها من الأسئلة....
وعلى هذا الأساس، اخترنا أن نتحول إلى جمعية سياسية تشتغل أساسا على المجال التأطيري للحركة الديمقراطية في بلادنا، وهذا لا يعني أننا لسنا منشغلين بالمتابعة اليومية لما يجري بالساحة السياسية الوطنية.
وأود أن أشير إلى أن هذه ليست اللحظة الوحيدة في التجربة المغربية التي يلجأ فيها ممارسون ومسؤولون سياسيون إلى الواجهة الجمعوية باعتبارها حقل يمكن من مسافة التعاطي مع السؤال.
فتجربة جمعية الوعي والفكر في الستينيات التي اشتغل بها قادة ورموز الحركة اليسارية خير دليل على ذلك، كما أن اليسار المغربي خرج من رحم هذه الجمعيات وهذا ليس بالأمر الغريب... إذن فمشروع الحركة هو أن نساهم إلى جانب كل الديمقراطيين والتقدميين في إعادة صياغة المشهد السياسي والأطروحة السياسية الديمقراطية في بلادنا.
 
لماذا لا نرى هذه الحركة ضمن الحوارات التنسيقية التي تجريها مكونات اليسار الاشتراكي المغربي؟ هل هي غائبة أم مغيبة؟
 
لا أبدا، نحن في اتصال مستمر مع كل المناضلين التقدميين سواء في العمل الجمعوي أو السياسي أو النقابي بحيث أن أطر حركة المبادرات الديمقراطية حاضرين في المنتدى المدني الأورو متوسطي، وكذا في المنتدى الاجتماعي المغربي، وفي كل اللقاءات والحوارات التي نظمتها حركة اليسار الديمقراطية، كما أننا استدعينا من طرف الإخوة أثناء عقد الجمع العام التأسيسي لمجموعة الخمس.
 
الفترة الزمنية التي غطت تجربة المعارضة أثرت في الأداء وجعلت الحركة الديمقراطية، التي اختارت المساهمة في تدبير الشأن العام، تتعاطى بمرونة كبيرة جدا مع مسألة التدبير لدرجة أنها محت كل الفواصل والفوارق التي كانت تميز البرنامج الديمقراطي مع برنامج الدولة المرتبط بتوصيات المؤسسات الدولية
 
وفي قلب هذا الحوار، اخترنا هذا الأسلوب من أجل أن نضيف للحق اليساري المغربي آلية أخرى للحوار نتوقع أنها ستساهم في إغناء النظرية الديمقراطية في بلادنا بحيث أن آلية المنتديات التي اعتمدناها في التعاطي مع القضايا المطروحة في المغرب ستساهم في إغناء البناء المعرفي لحركتنا مما سيساعد على توفر الامكانية المعرفية لبلورة برنامج ديمقراطي حقيقي قادر على تجميع كل القوى الديمقراطية في بلادنا.
ومن خلال الإطار السياسي الذي كنا نتحمل فيه المسؤولية تبين بالملموس أن الحزب السياسي الديمقراطي المغربي مطالب بوقفة للمراجعة، إذ أن الفترة الزمنية التي غطت تجربة المعارضة أثرت في الأداء وجعلت الحركة الديمقراطية التي اختارت المساهمة في تدبير الشأن العام أن تتعاطى بمرونة كبيرة جدا مع مسألة التدبير لدرجة أنها محت كل الفواصل والفوارق التي كانت تميز البرنامج الديمقراطي مع برنامج الدولة المرتبط بتوصيات المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي، وكأننا اخترنا الممارسة من الموقع الحكومي من أجل الموقع الحكومي، إذ لم تعد تحس بذلك الاختلاف الذي كنت تنتظره من أخ أو رفيق لك انتقل إلى تدبير الشأن العام.
لذا فإننا قررنا حصر نشاطنا في الإطار الذي كنا نشتغل فيه والدعوة إلى وقفة مع الذات للتفكير والتأمل لأنه لم يكن مطلوبا منا الانتقال من إطار سياسي إلى آخر إذ ليس هذا هدفنا ورسالتنا، وليس مطلوبا منا تأسيس حزب آخر، لأن هذا الأمر أدى إلى ميلاد ممسوخ للعديد من الأحزاب السياسية.
 
من نضالكم في المنظمة السرية 23 مارس في السبعينيات إلى اليوم ونحن في سنة 2004، ماهو مآل ذلك الحلم والمشروع الذي كان يحرك شبيبة السبعينيات؟ هل مازال قائما أم أنه تبخر؟
 
جوابي على هذا السؤال سأربطه بقول لأحد أصدقائي، الذي كان دائما يثير انتباهي إلى أن الحياة هي عبارة عن مؤلف ضخم لا ينتهي بانتهاء صفحاته، ولذلك فكلما انتهت صفحة يجب أن نقلبها لنبدأ صفحة جديدة.
وبالنسبة لحلمنا جميعا، نحن أبناء تجربة اليسار الجديد، سواء من موقع الانتماء إلى 23 مارس أو إلى الإمام أو التكتل، أعتقد أنه حلم يتجدد، فربما أشياء كثيرة كنا نحلم بها لم نطلها، ولكن بكل تأكيد كذلك، وهذه الحقيقة، أن أشياء لم نكن نحلم بها تحققت لصالح شعبنا.
وهذ هو الذي يحقق لنا نوعا من التصالح مع ذواتنا ومع ماضينا، ربما العمر والتجربة أثّرا على حماسنا وديناميكيتنا، ولكن المؤكد هو أن استمرار هذا التوهج الديمقراطي في بلادنا، برغم كل المعيقات والمشاكل والاحباطات، كافٍ بأن يبعث فينا الأمل من جديد.
وحتى إن لم يتحقق حلمنا معنا فإنه سيتحقق مع الأجيال القادمة بحيث وكما يقول الشاعر ناظم حكمت "فعمر الثورة ليس هو عمر الشعوب"، فلذلك أعتبر أن حلمنا مستمر في رفاقنا الشباب ومع مناضلات ومنضالين الجيل الجديد والجيل الذي سيليه ، إلى أن تتحقق طموحات شعبنا وأن تجد الأمة العربية كما كانت موقعها في قلب تاريخ البشرية.
 
على الصعيد النقابي ناقشنا مشروع قانون الإضراب، وعلى الصعيد السياسي نريد أن نسألكم عن مشروع قانون الأحزاب الذي طرحت في شأنه بعض المسودات، فما هو رأيكم في هذا القانون؟
 
بخصوص قانون الأحزاب، أريد أن أذكّر أولا بأنني أعتبر أن قضية الأحزاب في بلادنا اليوم أكبر من القانون، لأنني كنت أتمنى أن ندخل في حوار وطني حقيقي حول دور الحزب السياسي اليوم وما معناه، إذ تأست أحزابنا على أطروحة إيديولوجية هي التي كانت اللحمة المؤطرة لعلاقتنا بالتنظيم والدافعة لتقييمنا للتضحيات الجسام إلى حدود الاستشهاد خلال التجربة التي عشناها في قلب اليسار المغربي.
فالأطروحة الإيديولوجية اليوم والبرنامج والعلاقة مع الجماهير، أي الامتداد الشعبي، فإن كل هذه الأشياء مطروح عليها أكثر من علامة استفهام وهذا راجع لتحولات موضوعية وذاتية.
ليبقى السؤال هل يمكن في هذا التحول أن نصدر قانون الأحزاب؟ في نظري مهما كان هذا القانون إيجابيا فأعتقد أنه لن يستطيع حل المعضلة الحزبية لأنها لا يمكن أن تحل إلا من خلال معالجة شتى القضايا ببلادنا.
ونأخذ على سبيل المثال لا الحصر علاقة الدولة بالمشهد السياسي، فأي قانون للأحزاب غدا سنطبقه جميعا عندما تعلم أن الدولة تدخلت في هذا الحزب لكي يختار رئيس الفريق الذي يتماشى مع توجهاتها، وكذا عندما تعلم أنها تدخلت لاختيار وزراء دون علم أحزابهم.
فإشكالية الحزب اليوم هي أكبر من إشكالية القانون، فهي إشكالية الديمقراطية في بلادنا، وعلاقة الدولة بالحقل السياسي ببلادنا... وأعتقد أنه إذا كان هذا النقاش الحقيقي مطروح في الساحة إما في صيغة ندوة وطنية أو حوار وطني مفتوح أو مناظرات متعددة فإن التقنين يصبح تحصيلا حاصلا، بمعنى أنه يصعب جدا أن نركب العربة دون أن نوفر لها شروط الانطلاق، فلذلك، وكيفما كان هذا القانون، لن يستطيع معالجة وضعية الانفصام التي تعيشها الحياة الحزبية.
وهذا لا يعني أنني من دعاة التخلي على مشروع من هذا القبيل، إلا أن أن المرحلة الانتقالية التاريخية الكبرى التي سنجد أنفسنا أمامها في المستقبل ستفرض علينا بكل تجرد وموضوعية أن نعيد طرح أسئلتنا.
وللأسف فإن أحزابنا في قضايا مصيرية كبرى لا هي منخرطة ولا هي مقدمة لأطروحة جديدة وفي أحسن الأحوال تتبنى الأطروحة السائدة أو التي اعتمدتها الدولة.
فقوى الصف الديمقراطي لا تتوفر على أطروحة حول القضية الأمازيغية، وحتى عند اعتماد صيغة المعهد الملكي لم يكن هناك نقاش حقيقي حول حدود هذه المؤسسة وكيف ستساهم في إعادة صياغة التعدد الثقافي، الذي يعد قضية استراتيجية.
القضية الوطنية بدورها غائبة عليها بشكل كامل لأن الدولة منفردة بصياغة القرار والخطة، كما أن قضية التشغيل ليست بالكامل من اهتمامات على الأقل الأحزاب الممثلة في البرلمان، بحيث تحولت الوقفات الاحتجاجية إلى فُرجة مأساوية أمام البرلمان، والقضايا الاقتصادية كتفويت المؤسسات العمومية وأجود الأراضي الفلاحية كـ"صوديا وصوجيطا"، واتفاق التبادل الحر، يتم تمريرها دون نقاش أو حوار حول الموضوع رغم أنها قضايا مصيرية.
 
عفوا، ولكن...؟
 
ستقول لي إن الجميع أحس بالتعب ومتخوف من إعادة التاريخ المغربي، بمعنى أنهم لا يريدون الدخول في صراع مع الدولة شروطه غير متوفرة، فلذلك يتركون الشروط تنضج ربما للتعبير عن مواقفهم من هذه القضايا في المستقبل، ولكن قافلة التاريخ لا تندثر والقضايا اليوم تسير بوتيرة سريعة فقد لا تتوفر لنا الفرصة مستقبلا للتدخل في هذه القضايا، إذ أنه في أحسن الأحوال ستتوفر لنا إمكانية إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
لذلك، أعتقد أنه آن الأوان لأن نمشي جميعا بالوضع التاريخي والسياسي دفاعا عن وطننا ودولتنا واستقلالنا ونواتنا إلى حوار وطني شامل سيكون قانون الأحزاب آلية من الآليات التشريعية أو خلاصة من خلاصات هذا الحوار.
 
 
حوار أجري في ماي 2006
 
منسق الهيأة الوطنية لدعم الأطر العليا المعطلة
في حوار مع "الصحراء المغربية"
أزريع: الأحزاب عاجزة عن استثمار ملف التشغيل
 
أجرت الحوار: مريم زريرة
 
أدان عبد القادر أزريع منسق الهيأة الوطنية لدعم الأطر العليا المعطلة التدخل العنيف لرجال الأمن لقمع المعطلين المعتصمين أمام قبة البرلمان، وطالب أزريع الحكومة بالدخول في مفاوضات حقيقية مع مجموعات المعطلين الحاصلين على شهادات عليا، من أجل تنفيذ الالتزامات التي سبق وأن تعهدت بها في لقاءات سابقة معهم. وعاب أزريع على الحكومة استمرارها فيما أسماه "تسهيلات تدخل في إطار الزبونية السياسوية والطرق المشبوهة والملتوية في التوظيف". ونفى أزريع أن يكون الدعم الذي يقدم للمعطلين من قبل المنظمات الحقوقية ضعيفا مقارنة مع الدعم الذي تلقاه القضايا حقوقية أخرى، واعتبر أن الأحزاب السياسية هي أكبر غائب عن قضية التشغيل مع أنها الأولى بتبنيه. وقال أزريع إن دور الهيأة الوطنية لدعم الأطر العليا المعطلة هو دعم المعطلين على المستويين الحقوقي والسياسي. وقامت في هذا الصدد بمراسلة رؤساء الفرق ورئيسي غرفتي البرلمان والوزير الأول ووزير التشغيل ونظمت مهرجانات للتعريف بمشاكل هذه الفئة كما تطمح إلى تكوين جبهة وطنية لبلورة مقترحات عملية لتشغيل الشباب.
 
لنبدأ من الأحداث التي وقعت أخيرا حين انهال رجال الأمن بالضرب على الطلبة المعطلين المعتصمين أمام مقر البرلمان بالرباط. هذه الأحداث كثيرا ما تتكرر وأصبحت اليوم شبه اعتيادية لدى المعطلين ولدى عموم المواطنين. ما هو تعليقكم على هذه الأحداث وما هو موقفكم كهيأة لدعم المعطلين؟
 
أدين التدخل الهمجي والعنيف لرجال الأمن الذي يستهدف بشكل يومي الأطر العليا المعطلة أثناء وقفاتهم الاحتجاجية السلمية المشروعة، في مواجهة حكومة تمارس الزبونية السياسوية والطرق المشبوهة والملتوية في التوظيف
 
أولا أود أن أعبر باسم الهيأة الوطنية لدعم الأطر العليا المعطلة الصارمة عن إدانتي للتدخل الهمجي والعنيف لرجال الأمن الذي يستهدف بشكل يومي الأطر العليا المعطلة أثناء الوقفات الاحتجاجية السلمية التي يقومون بها، وهي، للتذكير، حق مشروع يعبرون به عن معاناتهم اليومية. ونحن نطالب الحكومة وعلى رأسها الوزير الأول بالدخول في مفاوضات حقيقية معهم من أجل تنفيذ الالتزامات التي سبق وأن تعهدت بها، إذ أن الحكومة سبق وأشرت على لوائح الأطر المعطلة والتي تضم 966 إطار وكان تأشير ثلاثي في مقر الوزارة الأولى من قبل هذه الأخيرة ووزارة الداخلية ووزارة التجهيز. لكن للأسف الشديد الحكومة مستمرة في تسهيلات تدخل في إطار الزبونية السياسوية والطرق المشبوهة والملتوية في التوظيف، دون الأخذ بعين الاعتبار إدماج هؤلاء الشبان والشابات في مجالات الشغل بالرغم من كل إمكانياتهم وطاقاتهم. ونحن نؤكد في الهيأة الوطنية لدعم الأطر العليا المعطلة إلى جانب كل الجمعيات الحقوقية على حق كل أبناء شعبنا مهما كانت صفتهم في التعبير عن رأيهم والاحتجاج وهذا ركن من أركان دولة الحق والقانون.
 
لكن الملاحظ أن الدعم الذي يقدم لهؤلاء المعطلين من قبل المنظمات الحقوقية ضعيف مقارنة بالدعم الذي تلقاه القضايا حقوقية أخرى خصوصا تلك المرتبطة بالاعتقال أو التعذيب. ما هو المبرر في رأيكم لهذا التهاون في التعامل مع قضية اجتماعية لها انعكاسات وخيمة على الشباب؟
 
أظن أن التعبير عن هذه الأفضلية ب"التهاون" تعبير غير صحيح. ومعلوم أن القضايا المزمنة كثيرا ما يخضع التعاطي معها إلى نوع من الروتينية ويحدث تأقلم لدى العامة ولدى المهتمين بها لدرجة أنها تدخل في إطار الدورة السياسية والاجتماعية العادية. لكن مع ذلك فالجمعيات الوطنية من خلال ممثليها في كل الهيآت الوطنية وكل الجمعيات الحقوقية حاضرة بقوة وكانت وماتزال متابعة لهذا الملف سواء حين تعلق الأمر بالمحاكمات الصورية التي استهدفت بعض المناضلين من مجموعات الشباب أو بخصوص الوقفات أو العنف اليومي الذي يمارس على المعطلين أثناء احتجاجاتهم...
 
أظن أن ما زاد من تعقيد وضعية الملف هو أن الحكومة لحد الآن لم تفتح باب الحوار وما تزال متساهلة في تناول هذا الملف. وهي لا تحركه إلا حينما تكون بصدد الحوارحول قطاع ما، وعلى سبيل المثال عندما كانت الحكومة السابقة تحاور النقابات في مجال الصحة، كان الوزراء الممثلون للحكومة لا يترددون في الاحتجاج بأن الزيادة التي تطلبها النقابات كبيرة لأنهم مطالبون بتوفير غلاف مالي لتشغيل الأطر العليا. ومع ذلك، كما قلت، فالطرف الذي ما زال بعيدا عن هذا ملف، وأسجل ذلك بأسف كبير، هي الأحزاب السياسية وهي أكبر غائب عن هذه القضية مع أنها الأولى بتبنيه. ثم إن التنظيمات السياسية هي من يجب أن يهتم بطرح قضية التشغيل وقضايا الشباب وفتح الباب أمامهم للانخراط في الدورة الإنتاجية، باعتبارهم رأسمال بشري غير مستثمر.
 
لكن الأكيد أن الأحزاب السياسية ستستثمر هذا الملف بمناسبة الانتخابات التشريعية التي يقترب موعدها؟
 
القضايا المزمنة كثيرا ما يخضع التعاطي معها إلى نوع من الروتينية ويحدث تأقلم لدى العامة ولدى المهتمين، لكن مع ذلك، هناك تتبّع قوي للملف سواء حين تعلق الأمر بالمحاكمات الصورية التي استهدفت بعض المناضلين أو بالوقفات التضامنية
 
بالتأكيد. ونحن لسنا ضد الاستثمار السياسي للملف، لكن مع تحريك كل الملفات الاجتماعية في الانتخابات وعلى رأسها ملف التشغيل. ولا أظن أن هذا التوظيف سيتم بالطريقة المجدية التي تخدم مطالب الشباب المعطل في الحصول على عمل، لأن الأحزاب السياسية عاجزة عن الاستثمار الجيد للملف سياسيا أثناء الحملة انتخابية. وأقول إنه بالرغم من كل اللقاءات مع رؤساء الفرق في البرلمان أو مع الأمناء العامين للأحزاب، فقد استخدمت الكثير من "الديماغوجية" في تناول هذا الملف سواء من قبل الوزارة الأولى أو وزارة التشغيل أو القطاع الخاص...
 
قدمتم الهيأة بمناسبة تأسيسها على أنها خلقت لتقديم الدعم للأطر العليا المعطلة على المستوى الحقوقي والسياسي. ألا تعتزمون العمل على ابتكار وطرح آليات جديدة للتوظيف بتشاور مع الحكومة؟
 
كما جاء في السؤال، فدورنا هو دعم المعطلين على المستوى الحقوقي والسياسي. وبخصوص الدعم على المستوى السياسي فقد راسلنا رؤساء الفرق ورئيسي غرفتي البرلمان والوزير الأول ووزير التشغيل وكذلك نظمنا مهرجانات حاولنا من خلالها تحقيق تعاطف الجمعيات الحقوقية والمدنية والأحزاب مع المعطلين. ونطمح إلى تكوين جبهة وطنية لبلورة مقترحات عملية لتشغيل الشباب في بلادنا وتنظيم ندوة من أجل بحث إشكالية التشغيل. مشكل عطالة الأطر العليا وهو محدود في الزمن والمكان ويتطلب حلولا مستعجلة وآنية تتعلق بالتدبير الحكومي لملف التشغيل عموما. وقد سبق وأن رفعت مجموعات الأطر العليا ملتمسات استعطاف لجلالة الملك، وكان من ضمن الاقتراحات المطروحة أن هذه الأطر العليا قادرة على ملء العديد من النقاط السوداء التي خلفتها المغادرة الطوعية، والتي أعتبر شخصيا أنها عملية كانت غير مدروسة وخلفت آثارا سلبية على قطاعات حيوية خاصة في مجالي التعليم والصحة. بالإضافة إلى ذلك تقدمت مجموعات الشباب العاطل بمقترح للجنة يؤكدون فيه أنهم مستعدون للمساهمة كرسل لمخطط التنمية البشرية، وفي هذا الصدد قدموا مقترحا للجنة التي استحدثت من أجل تنظيم يوم دراسي لبحث الصيغة الأفضل لإدماجهم في هذه السياسة التنموية الجديدة وللأسف فنحن نستغرب كما يستغرب هؤلاء كيف تم تعطيل كل هذا المسار وتوقيف قنوات الاتصال معهم دون مبرر.
 
لكن الوزير المكلف بتحديث القطاعات العامة قال أمام مجلس المستشارين في جواب عن سؤال حول المغادرة الطوعية إنها لم تخلف أي نقاط سوداء بل بالعكس ساهمت في تشبيب الإدارة المغربية؟
 
هناك من جهة شباب معطل، ومن جهة أخرى هناك خصاص مهول في عدد من المجالات، مثل بعض المؤسسات التعليمية التي هي بدون مديرين وبدون أساتذة وبدون حراس عامين، وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع الصحة
 
مع الأسف الواقع ينطق بخلاف ما جاء في كلام السيد الوزير، ويمكنكم كصحافيين القيام بمعاينة لوضعية بعض المؤسسات التعليمية التي هي اليوم بدون مديرين وبدون أساتذة وبدون حراس عامين حتى في مدينة الرباط، أما في مدن كالعيون أو أكادير فالأزمة أكبر وأوسع مما هي عليه في العاصمة، لدرجة أن العديد من الثانويات أصبحت تشتغل دون العدد الكافي من الأطر وكأنه أمر عادي. وكذلك الأمر بالنسبة لقطاع الصحة. مهمتي النقابية تجعلني على علم بأن العديد من الممرضين والممرضات في المستشفيات الحكومية طلبوا إجازات مرضية بعد أن أنهكهم العمل لأن الواحد أو الواحدة منهم يشرف على قسم بأكمله، وذلك بطبيعة الحال يتجاوز الطاقة البشرية. كنت أتمنى أن يقدم الوزير الوضع كما هو، والأخطر من هذا أن الحكومة لم توقف التوظيف ومازالت لا تعتمد على المباريات لاختيار الموظفين الجدد، بل مازالت المحسوبية والزبوينة هي معيار الأفضلية في التوظيف. وقد قدمنا لوائح للحكومة حول قطاعات بعينها يستشري فيه الفساد بشكل أكبر ويعرف الجميع أن الامتحانات فيها خاضعة لمقاييس بعيدة عن الموضوعية والنزاهة ومن المقترحات التي تقدمت بها الهيأة في هذا الصدد مقترح تجريم من يزور امتحانات ولوج قطاع المالية.
 
في رأيكم هل خرجت المناظرة الوطنية للتشغيل بآليات ملموسة لمعاجلة مشكل البطالة؟
 
أبدا، أبدا ونحن في الهيأة قررنا مقاطعتها وكذلك الأطر العليا المعطلة التي دخلت في إضراب عن الطعام أثناء فترة انعقاد المناظرة. وقبل إبان انعقاد هذه المناظرة تبيّن أنها مجرد احتفالية لتكريس الخطاب الديماغوجي الذي لا علاقة له بالمشروع المجتمعي الحقيقي. المشكلة وما نخافه أكثر هو أن تستمر هذه الخطابات الاحتفالية حسب الظروف والشروط التي تنتهي بانتهاء مواسمها. وللتذكير فلا توصيات المناظرة الأولى طبقت ولا ننتظر تطبيق توصيات المناظرة الثانية ولا المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أثرت في الواقع والأزمة الاجتماعية مازالت مستمرة. حين أطلق جلالة الملك خطة التنمية البشرية الموجهة للتنمية الاجتماعية كنا نعتقد أن المجتمع المدني هو الذي سيكلف بتطبيق هذه الخطة زمنيا ومكانيا من خلال هيأة وطنية مستقلة أما أن يوكل تنفيذها لوزارة الداخلية ممثلة بالعمال والولاة فنحن بدون شك مستمرون في التوظيفات السياسوية لمشاريع من المفروض أن تساهم في النهوض بالبلاد وتغيير الوضع المجتمعي.
 
 
أزريع حوار أجري في أبريل 2007
 
رئيس حركة المبادرات الديمقراطية والفاعل النقابي والجمعوي لـ"المغربية"
عبد القادر أزريع: الحوار الاجتماعي ما زال أسير صيغته التقليدية
 
أجرى الحوار: جمال بورفيسي
 
يرى عبد القادر أزريع، رئيس حركة المبادرات الديمقراطية، أن الحوار الاجتماعي ما زال أسيرا لصيغته التقليدية المتجاوزة، وأن هناك حاجة ماسة لمأسسة هذا الحوار ليكون أكثر نجاعة واستجابة لمطالب الشغلية. ويذهب أزريع إلى أننا لم نرق بالحوار الاجتماعي إلى المستوى المنشود.ويقر بتراجع دور النقابي في المجال الاجتماعي بسبب عوامل متعددة موضوعية وذاتية وتاريخية. ويقول إن الحركة النقابية اليوم يجب أن تعتبر نفسها، إذا أرادت أن تتقدم، لبنة في إطار بنية مجتمعية متعددة الأطراف، وليست هي الأساس أو القاعدة.
ويدعو الفاعل النقابي والجمعوي، الذي قضى سنوات في قيادة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، إلى العمل من أجل إعادة ربط الجسور مع المواطنين، وعدم ترك الفراغ، الذي تتأهب التيارات الأصولية المتطرفة لملأه في كل لحظة.
 
عرفت الساحة الاجتماعية، أخيرا، انطلاق مسلسل جديد للحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية، ما هو تقييمكم لهذا الحوار؟
 
نحن في حاجة إلى حوار مُمأسس، ويجب أن نؤمن بأن الموارد البشرية أساسية في التنمية المستدامة، ولا يمكن تصور أي انطلاقة لاقتصادنا ولإدارتنا ولبلادنا دون أن تكون الموارد البشرية في قلب هذه الصيرورة
 
بالنسبة إلى مسلسل الحوار الأخير، أعتقد أنه يدخل في إطار التعاطي التقليدي مع الحوار الاجتماعي، الذي ساد في السنوات السابقة، والذي لم يكن من حيث المحصلة والنتائج مثمرا بالشكل المتوخى. وكانت هذه اللقاءات تُجرى عشية فاتح ماي. واللقاءات الأخيرة، التي عقدتها الحكومة والمركزيات النقابية لا تخرج عن إطار هذه الصيغة التقليدية في مجال التواصل بين الحكومة والمركزيات النقابية قبل حلول فاتح ماي بأيام، وذلك من أجل إعطاء صورة محددة حول العلاقة بين أطراف الإنتاج. ما يمكن ملاحظته، هو أنه، رغم التوقيع على الاتفاقيات الكبرى، فإننا لم نصل بعد إلى مأسسة الحوار الاجتماعي، وهذا هو الأساس. نلاحظ، أولا، أن مشروع القانون المتعلق بهيكلة مؤسسة دستورية المتمثلة في المجلس الاقتصادي والاجتماعي لم يخرج بعد إلى حيز الوجود، رغم أنها مؤسسة من شأنها أن تمنح الحوار أسسه ونفسه ومأسسته، وكذا استمرارية الحوار والتواصل في مختلف القضايا. وقبل الوصول إلى دسترة الحوار الاجتماعي من خلال المجلس، مع الأسف، حتى المحطات الكبرى للتفاوض والحوار، التي سبق أن نصت عليها الاتفاقيات الكبرى بين الحكومة والمركزيات النقابية، لم تُحترم، وبالتالي، كلما اقترب فاتح ماي، يُجرى لقاء.
وحسب بلاغات المركزيات النقابية، فإن اللقاء الأخير كان فيه استعراض للملفات الكبرى والقضايا العالقة، سواء المتعلقة بالحريات النقابية، أو المتعلقة بملفات تهم بعض القطاعات كقطاع العدل،وهيمن على هذا اللقاء من جديد ملف التعاضدية بفعل الانتخابات، التي كانت تزعم الإدارة تنظيمها في التعاضدية العامة للوظيفة العمومية،إضافة إلى المشاكل الأخرى، التي تعرفها التعاضديات الأخرى. ولكن الذي يؤكد أننا لم نتجاوز الصيغة التقليدية للحوار هو أنه مباشرة بعد هذه اللقاءات، التي استضافتها الوزارة الأولى، عقدت إحدى المركزيات مجلسها الوطني، وقررت صياغة خطوة تصعيدية، وأعطت الصلاحية للمكتب التنفيذي، للتنسيق مع مركزية أخرى، وهذا معناه، في إطار التقييم العام، أن هذا الحوار خرج بدون نتائج ملموسة، وهكذا نعود إلى ما سبق أن أكدناه، وهو أن اللقاء الأخير لم يخرج عن إطار اللقاءات التقليدية، التي يحصل فيها الاستماع إلى الأطراف وتبادل أطراف الحديث دون أن تكون هناك اتفاقات حقيقية ملموسة من شأنها أن تُسهم في معالجة التوترات الاجتماعية القائمة. وربما، كذلك، أن إضراب قطاع النقل مارس بعض الضغط، وعجل بهذه اللقاءات، لإبراز أن هناك حوارا اجتماعيا. مع الأسف، ما زلنا لم نخرج بعد من دوامة الحوار من أجل الحوار، نحن في حاجة إلى حوار مُمأسس، ويجب أن نؤمن حقيقة بأن الموارد البشرية أساسية، اليوم، في التنمية المستدامة، ولا يمكن تصور أي انطلاقة لاقتصادنا ولإدارتنا ولبلادنا بشكل عام، دون أن تكون الموارد البشرية في قلب هذه الصيرورة، وفي قلب هذه الديناميكية، بل أكثر من هذا، لا يمكن أن نتصور أو نتحدث عن مجتمع حداثي ديمقراطي، في غياب التوازن والاستقرار الاجتماعي. لذلك، نتمنى أن نتجاوز النظرة الحالية "المعطلة" للحوار بين مكونات المجتمع.
 
إذا أٍردنا أن نتحدث عن أوضاع الطبقة العاملة، كيف تقيمون هذه الأوضاع، وهل عرفت الأوضاع المهنية والاجتماعية للطبقة الشغيلة بالمغرب، في السنوات الأخيرة، تحسنا؟
 
هيمنة الكاريزما التاريخية على الفعل النقابي حال دون أن تصل الحركة النقابية إلى مواكبة التطورات وإنتاج ثقافة نقابية جديدة، قادرة على مواجهة الجديد وعلى صياغة تكتيكات مُطابقة للحظة، من أجل صياغة توازن مجتمعي جديد
 
أعتقد أن هناك تحركا في مجتمعنا ككل لا يمكن أن نتجاهله، ولكن مشكلتنا هو أن هذا التحرك جاء في لحظة "زلزالية"، اهتزت فيها العلاقات الإنتاجية، واهتز فيها مفهوم الاقتصاد الوطني، واهتز فيها مفهوم استقلال القرار الاقتصادي الوطني، فنحن نعيش فترة تحول كبير على المستوى الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، لذلك نتحاور مثلا، ليس من أجل الحفاظ على سوق الشغل، على الأقل كما هو، وعلى المكاسب كما هي، بل نتحاور من أجل أن نحسن التعويضات، التي سيتسلمها العمال الذين سيغادرون عملهم، مثال عمال صوديا وصوجيطا، ومأجوري شركة التبغ بعد خوصصتها، وقس على هذا. نتحاور وكأننا في موقع العائلة، التي تُقاضي شركة التأمين للحصول على التعويض بسبب فقدان أحد أفراد العائلة، فالمركزيات اليوم لا تفاوض من أجل تدعيم المكاسب وتوسيعها، بل من أجل تحصيل التعويض على فقدان عمل، أي أن مجال تدخلها تقلص، وبالتالي تقلص دور الطبقة العاملة في الدورة الإنتاجية المستقرة، بحيث أنه نتيجة هذه التحولات ونتيجة التفويت والخوصصة، حصل بناء مفهوم جديد لمنصب الشغل وللإنتاجية. وأصبحنا نعاين فقدان مناصب شغل كثيرة حتى بالنسبة إلى الشركات الكبرى. فنحن في لحظة تعاد فيها صياغة تصور مفهوم الاقتصادي العام، ومفهوم وضوابط سوق الشغل... هذا كله في حاجة إلى حوار وطني عميق للخروج بخلاصات تمكن من مواجهة هذا الوضع.
 
هل يمكن القول إنه، جوهريا، لم يطرأ أي تحسن على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للطبقة العاملة؟
 
مع الأسف تأخرنا في تعميق النقاش حول القضايا الجوهرية، ولو تحاورنا وتعاقدنا في وقت مبكر، لكنا قطعنا أشواطا كبرى على مستوى تحسين أوضاع الطبقة العاملة. نتحاور، اليوم، وكأننا في لحظة الاقتراب من السكتة القلبية، ومن الوفاة. وفي أحسن الأحوال نبحث عن المسكنات لمعالجة هذا الوضع المهزوز، لكن في تقديري، لحد الآن، لم نستطع جميعا بلورة مشروع مجتمعي للرد على الوضعية الاقتصادية العامة، التي تطبعها متغيرات بفعل العولمة المتوحشة، والتي فيها أشياء أخرى تعود إلى هيكلة اقتصادنا وطبيعة المقاولة المغربية، وطبيعة قوانينا... لقد ضيعنا العديد من الفرص، وخالفنا مواعد عديدة ونؤدي الثمن، ومع ذلك، بالنظرة المستقبلية يمكن أن نتدارك من خلال الحوار العميق، الذي يصل إلى الإشكالات الكبرى، التي نتحدث عنها وليس مجرد معالجة القضايا الجزئية والتفصيلية الطارئة هنا وهناك.
 
ما هو ردكم على القول السائد إن هناك تراجعا لدور النقابة في الساحة الاجتماعية؟
 
نعم لاستقطاب المقاولة الأجنبية للاستثمار في المغرب، لكن لابد من ضوابط ومحددات، وإلا سيتحول العامل المغربي إلى مجرد عبد في دورة إنتاجية عالمية يشتغل لكي يسد رمقه، ولا يشتغل من أجل أن يبدع ويساهم في التطور
 
طبيعي أن يتراجع العمل النقابي لعوامل موضوعية وذاتية وتاريخية. نعرف أنه بالنسبة إلى التجربة النقابية المغربية، كانت الوظيفة العمومية تشكل النواة الصلبة للعمل النقابي، اعتبارا لمجموعة من الخصوصيات، التي كانت تتميز بها، منها الاستقرار الوظيفي وحماية الموظف وطبيعة القوانين والضوابط والخبرة النضالية لقطاع الوظيفة العمومية تحمي الموظف وتؤهله للدفاع عن حقوقه ومكاسبه، ناهيك عن المستوى المعرفي... لقد فقدت الوظيفة العمومية اليوم ذاكرتها النقابية، بعد أن قررت الحكومة اعتماد المغادرة الطوعية وبعد أن صمتت النقابات بعد اتخاذ هذا القرار، فجل النقابيين أو المرتبطين بالعمل النقابي أو الذين عاشوا التجربة انخرطوا في المغادرة الطوعية، وحبذا لو جرى، كما كان يقول الوزير الأول، تشبيب قطاع الوظيفة العمومية، ما نلاحظه هو أن التوجه يسير في إطار تقليص مناصب الشغل في إطار منظور آخر فرضته المؤسسات والهيئات الدولية، الشيء نفسه يمكن أن يقال عن القطاع الفلاحي، فنحن نعرف أن صوديا وصوجيطا كانت تُعتبر من أكبر المؤسسات المشغلة في المغرب، إذ كان عدد مناصب الشغل يتجاوز 24 ألفا، اليوم فقدنا هذه المناصب. إذن من الناحية الكمية هناك تراجع...
 
ألم تلعب السياسة دورا في هذا التراجع؟
 
نعلم أن جزءا من المعارضة السابقة انتقل إلى المساهمة في تدبير الشأن العام، وهو ما خلق هزة في المجتمع، لأن المشروع النقابي والسياسي تأسس على برنامج وتصور مشترك، في إطار المواجهة والصراع، فالتحاق جزء من الحركة الوطنية للانخراط في تدبير الشأن العام أدى إلى خلخلة في المفاهيم والتصورات وفي طبيعة العلاقات، وكعادتنا لم يسبق هذا التحول أي نقاش أو حوار لإعداد العدة لمواجهة هذا التطور، للاستفادة من تجارب أخرى سابقة، كما هو الشأن بالنسبة إلى الحركة النقابية الفرنسية عندما شارك الشيوعيون والاشتراكيون في الحكومة الفرنسية، وعندما شارك الحزب الاشتراكي الإسباني في الحكومة الإسبانية، هذا النقاش لم يكن، فوجدنا أنفسنا في لحظة تحول كبيرة، فيها جزء من ذاتنا داخل الحكومة، ونحن في مواجهة وضع يطرح السؤال: هل نرفض، أم نساند، أم نستمر في الصراع، هذا السؤال الجوهري الأساسي أثر، بكل تأكيد، على الفعل النقابي، وأدى إلى تناقضات انعكست على المسار النقابي بصفة عامة، ناهيك عن أن اللحظة هي لحظة جديدة، محتاجة إلى فكر وتصور جديدين لدى النخبة النقابية. للأسف، كذلك، فإن هيمنة الكاريزما التاريخية على الفعل النقابي حال دون أن تصل الحركة النقابية إلى مواكبة التطورات وإنتاج ثقافة نقابية جديدة، قادرة على استيعاب اللحظة وعلى مواجهة الجديد وعلى صياغة تاكتيكات مُطابقة للحظة، من أجل صياغة توازن مجتمعي جديد.
 
هل مشاركة المعارضة السابقة في الحكومة أثر بدوره على احتفالات فاتح ماي، التي بحسب المتتبعين والمهتمين، لم يعد لها الحجم والوزن والهالة، التي كانت تتسم بها هذه الاحتفالات في وقت مضى، في السبعينيات مثلا؟
 
يجب أن نُميز حتى لا يقع جلد الذات، في فترة السبعينيات كانت لحظة فاتح ماي هي لحظة احتجاج مجتمعية، إذ كان العمال ينزلون وتنزل معهم عائلاتهم وعائلات المعتقلين والمختفين، كل فئات المجتمع المتضررة من سنوات الرصاص كانت تنزل إلى الشارع لتعبر عن سخطها، بحيث أن التظاهرة الوحيدة البارزة في السنة كانت هي تظاهرة فاتح ماي. اليوم تعددت لحظات التظاهر والتعبير والاحتجاج والنزول إلى الشارع. في ما يخص الذات النقابية، يمكن القول إن لحظة فاتح ماي لم تتجدد، ولم تُستثمر هذه اللحظة للتعبير عن قضايانا كشغيلة وكحركة نقابية، فاستمرت على نفس الوتيرة، وبأسلوبها القديم، الذي يجب أن يعاد فيه النظر، ناهيك عن التعاطي مع قضايا الناس. فدور النقابة وموقعها، وعلاقة النقابة بالحزب، وعلاقة النقابة بالمجتمع، معنى القضية الاجتماعية اليوم، هذه كلها قضايا إذا لم نقدم بخصوصها أجوبة من أجل إعادة ربط الجسور مع المواطنين، سنترك الفراغ، والطبيعة تكره الفراغ، وسيأتي من يملأ هذا الفراغ، ونحن نعيشه في الوقت الحاضر، حيث تمكنت الحركة الأصولية والفكر المتطرف والإرهاب من ملء هذا الفراغ، خاصة وأن هناك خصاصا اجتماعيا وتعاطيا غير موفق مع هذا الخصاص. بطبيعة الحال إذا لم يملأ العقل الحداثي المتجه للمستقبل بأطروحات جريئة قوية قادرة على استيعاب اللحظة هذا الخصاص، فسيملأه الفكر الظلامي. يجب أن تكون لنا القدرة على استيعاب اللحظة والمرحلة وتكون لنا القدرة على التقاط ما يروج في المجتمع، هناك اطمئنان بشعاراتنا وتحليلنا ونظرتنا. هل ستحقق التقدم المنشود أم أن المسألة الأساسية هي أن أطمئن لمبادئي وأفكاري، وهذا قمة التكلس، أعتقد أن الحركة النقابية اليوم أشد ما تعاني منه هو هذا التكلس.
 
إذا توجهنا نحو المستقبل بالنسبة إلى الحركة النقابية،هل بإمكاننا أن نبلور نقابة للمستقبل، نقابة المواطنة، هل ينبغي أن نطرح نقاشا في الموضوع بإلحاح ومنذ الآن؟
 
لا الحزب، في تقديري، يشكل الطليعة السياسية، ولا النقابة تشكل الطليعية الاجتماعية، فالحزب والنقابة والمجتمع المدني في جبهة واحدة متراصة من أجل مشروع مجتمعي متكامل
 
أعتقد أن مُحددات النقابة المستقبل أصبحت واضحة، يجب أولا إعادة صياغة النظرية النقابية على أسس جديدة مستوعبة لما جرى في العالم، وأمامنا تجربة رائدة متميزة وهي تجربة أمريكا اللاتينية، التي هي الأقرب إلينا من حيث طبيعة المجتمع والبنية وطبيعة الصراع العام... أعتقد أن الحركة النقابية اليوم يجب أن تعتبر نفسها، إذا أرادت أن تتقدم، لبنة في إطار بنية مجتمعية متعددة الأطراف، بحيث لم يعد العامل أوالموظف وحده من يواجه المشكل الاجتماعي، بل المسألة الاجتماعية في إطار لحظة التحول هاته، هي مسألة أشمل تهم المجتمع كله، ولا يمكن للنقابة إلا أن تكون طرفا فيها، وليس هي الرائدة أو هي القاعدة، هي طرف فقط، ويجب أن تصطف إلى جانب كل مكونات المجتمع المدني المشتغلة على المسألة الاجتماعية. إذن، كيف نبني هذه الجبهة الاجتماعية من أجل، ليس حوار اجتماعي، لأنه استنفد بالطريقة، التي تُجرى به اليوم، بل من أجل حوار مجتمعي بهم كل القضايا المجتمعية الكبرى، ما هي الخطوط الحمراء، التي ستحمي الاقتصاد الوطني، وتحمي سوق الشغل الوطنية، وكرامة الإنسان. نعم لاستقطاب المقاولة الأجنبية للاستثمار في المغرب، لكن لابد من ضوابط ومحددات، وإلا سيتحول العامل المغربي إلى مجرد عبد في دورة إنتاجية عالمية يشتغل لكي يسد رمقه، ولا يشتغل من أجل أن يبدع ويساهم في التطور. النقابة الجديدة اليوم، كذلك، يجب أن تكون مستوعبة لكل المسارات السابقة، فهي ليست نقابة مرتبطة بالحزب، بل تشتغل في إطار هذه الجبهة المجتمعية الديمقراطية، إلى جانب الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني في إطار جبهة متراصة تحمل مشروعا متكاملا تحدد فيه الحد الأدنى الذ ي يمكن أن يكون حدا مشتركا، وهذه النقابة لا يمكن أن تُنجز هذه المهمة التاريخية إلا إذا كانت نقابة ديمقراطية، فأعتقد أنه آن الأوان، في البدء، أن نتحول من الكاريزمية التاريخية إلى الكاريزمية الديمقراطية.
 
ألا ترون أنه يجب أبضا أن نعالج التداخل القائم بين السياسي والنقابي؟ ألا ينبغي أن يرفع السياسي الوصاية على النقابي؟
 
ليس بالمعنى التقليدي. العلاقة بين السياسي والنقابي كما تأسست بعد الاستقلال كانت طبيعية، وهي وليدة اللحظة والتطور، الذي عرفته بلادنا. اليوم، يجب صياغة هذه العلاقة على ضوء هذه التحولات، التي ذكرت، التي فيها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، فلذلك، لا الحزب، في تقديري، يشكل الطليعة السياسية، ولا النقابة تشكل الطليعية الاجتماعية، فالحزب والنقابة والمجتمع المدني في جبهة واحدة متراصة من أجل مشروع مجتمعي متكامل في إطار علاقات مرنة مفتوحة قائمة على الاستماع إلى الآخر والتواصل معه، وصياغة برنامج يستوعب الجميع ومنفتح على المقاول المغربي. نحن، في تقديري، نعيش لحظة، مع تمايزات، هي نفس لحظة نهاية القرن التاسع عشر، يوم وجد المنتج والصانع والعامل المغربي أننفسهم في وضعية التجاوز من طرف الآلة الأوروبية والإنتاج الأوروبي، فدخلوا في تحالف وساهموا بذلك في تأسيس الحركة الوطنية، التي قاومت الاستعمار. إذن كيف نُعيد بناء الوحدة الوطنية على أسس واضحة بين أرباب العمل وطبقة عاملة ومأجورين ودولة، من أجل صياغة هذا المشروع الوطني، وهذا يقتضي بطبيعة الحال حوارا مجتمعيا يضم كل الأطراف لكي نرسم الخطوط الحمراء وتحديد سبل الدفاع عن أنفسنا في مواجهة الآخر. المطروح هو الانفتاح على الآخر لكن بضوابط، لنحافظ على ثرواتنا وعلى مكاسب العامل المغربي، ونبني مستقبلنا. هذه أسئلة كبرى، أعتقد أنها في حاجة إلى أجوبة من خلال هذا الحوار الوطني الشامل. باختصار يجب أن تكون المهمة الكبرى المطروحة علينا هي صياغة تعاقد جديد يمكن أن يكون هو الأساس للتعاقد السياسي، الذي تتحدث عنه الطبقة السياسية. في تقديري التعاقد السياسي يجب أن نؤسس له بهذا التعاقد، هذه مهمة كبرى جديدة تحتاج إلى رجالاتها ومؤسساتها وتكتيكها. نحن الآن نعيش لحظة تدبير اليومي والتفاصيل اليومية، وهذا مهم، ولكن الأهم هو تدبير الجوهري.
 
 
حوار أجري في فبراير 2008
 
الفاعل النقابي عبد القادر أزريع يتحدث إلى "المغربية"
لابد من تعاقد اجتماعي لبناء ميثاق مجتمعي جديد
 
 
أجرى الحوار: فؤاد اليماني
 
قال الفاعل النقابي، عبد القادر أزريع، إن حكومة عباس الفاسي ملزمة، لتجاوز الكارثة والانزلاقات الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا، بالدعوة إلى ورش وطني وندوة وطنية حول المسألة الاجتماعية، تشارك فيها كل المركزيات النقابية القائمة من دون إقصاء أحد، ثم المجتمع المدني بكل فعالياته، والأحزاب الوطنية، من أجل صياغة تعاقد اجتماعي جديد.
وأضاف أزريع، في حوار مع "المغربية"، أن علاقة ما يسمى بالوصاية بين السياسي والنقابي يجب أن تنتقل إلى مبدأ التعاقد، موضحا أنه يمكن التعاقد بينهما أمام الملأ حول أن دعم الحركة النقابية لمجموعة من الأحزاب السياسية يقوم على الاتفاق حول جملة من المطالب، للخروج من هذه الثنائية التقليدية الموروثة عن الفكر الماركسي التقليدي.
وأعلن عبد القادر أزريع أن الحكومة، في إطار الوصاية السياسية، لم تحترم المقتضيات، التي تدعو لها وتعلن أنها حريصة عليها في ميدان التحاور مع المركزيات الأكثر تمثيلية، وقال "إذا ما طبقت المقتضى كما هو وارد في مدونة الشغل، كان عليها أن لا تحاور مثلا الاتحاد الوطني للشغل، لأنه لم يحصل على 6 في المائة، ونسبته فقط 2.7 في المائة، لكنها تراعي الهيئة السياسية الداعمة، وهي حزب العدالة والتنمية".
وأبرز أزريع أن أزمة السياسة لا تختلف اليوم كثيرا عن الأزمة النقابية، وأن الحكومة مدعوة بشكل أو بآخر إلى دعم الديناميكية، التي يشهدها الحقل النقابي، بدل أن تقف لتتلو الفاتحة على وفاة هذا المشهد بقبول ما هو قائم.
 
ما تقييمكم لجولات الحوار الاجتماعي التي أجريت لحد الآن، والنتائج التي أفرزتها؟
 
أولا بخصوص ما سمي بجولات الحوار الأخيرة، أنا اعتبرها ليست أكثر من لقاءات إخبارية وفي أحسن الأحوال تداولية، لأن اللقاءات الجوهرية كما حددت في الاتفاقات الاجتماعية الكبرى السابقة هي على مدى دورتين في السنة.
تنعقد الجولة الأولى في فترة إعداد الحكومة للقانون المالي من أجل التداول في الملفات المطلبية، والنظر في القضايا المادية التي تطالب بها الطبقة العاملة وعموم المأجورين والموظفين، حتى تبحث الحكومة في سبل تضمينها في مشروع القانون المالي الذي سيطرح أمام البرلمان، بالإضافة إلى القضايا الأخرى، التي يجب أن تتهيأ لها الحكومة من أجل أن تنطلق مباشرة بعد التصديق على القانون المالي، خاصة ما يتعلق بالورشات الكبرى، سواء تعلق الأمر بالتغطية الصحية أو ببعض مشاريع القوانين العالقة.
أما الجولة الثانية، فتنعقد عشية فاتح ماي من أجل تقويم الأشياء الأخرى العالقة، وما أنجز، وهل فعلا يتوافق وطموحات الطبقة العاملة.
 
قبل حكومة التناوب، تعاقدت الحركة الوطنية مع الراحل الملك الحسن الثاني، لكن لحد الآن ليس هناك حوار مجتمعي جديد لنصل إلى تعاقد جديد مع الملك محمد السادس. هذا هو جوهر القضية
 
أعتقد أن هذه كانت مرحلة متوافق حولها، واعتبرناها تمهد لمأسسة الحوار الاجتماعي في انتظار قيام المجلس الاجتماعي الاقتصادي، لذلك الجولة الأخيرة جاءت متزامنة مع قرار الإضراب، الذي اتخذته ثلاث مركزيات نقابية، وهي المنظمة الديمقراطية للشغل، والفيدرالية الديمقراطية للشغل، والاتحاد المغربي للشغل.
ثانيا، والعبرة بالنتائج، فبالاطلاع على التصريحات يتبين أن جل القياديين النقابيين الذين حضروا هذه الجولة، أوضحوا أن الوزير الأول لم يعمل أكثر من الاستماع إلى مقترحاتهم وطلباتهم.
ونسجل بهذه المناسبة أن الحكومة بالفعل باشرت الحوار، لكن ليس مع الطبقة العاملة، وليس مع المركزيات النقابية، لكن مع أرباب العمل، إذ أنها تسلمت الكتاب الأبيض، بل إن وزير الاقتصاد والمالية، قدم فيه عرضا أمام المجلس الحكومي.
وكما تعرفون فإن مختلف المطالب، التي جاء بها هذا الكتاب الأبيض، جاءت للأسف مطابقة لتوصيات البنك الدولي، التي تسير في اتجاه الإجهاز على العديد من المكتسبات التي حققتها الطبقة العاملة من خلال مشروع مدونة الشغل، بحيث إن هناك دعوة لإرجاع المدونة مرة أخرى إلى البرلمان من أجل إدخال مجموعة من التعديلات تسير في اتجاه دعم وتوطيد مرونة الشغل، والإلغاء الكلي للتعويض عن الطرد التعسفي، والتراجع عن هيكلة طب الشغل في المقاولة المغربية.
 
كيف ترون تعاطي الحكومة مع القضايا الاجتماعية، وما هي بنظركم الحلول الناجعة لامتصاص المشاكل الاجتماعية؟
 
التعاطي الحالي لا يمكن أن يقدم في شيء بخصوص تجاوز الكارثة الاجتماعية التي يواجهها المغرب. للأسف الشديد، ورغم كل ما قيل عن حكومة إدريس جطو، يمكن أن نقول إن الرجل نجح بالفعل في تمرير كل النقاط البرنامجية للسياسة الاقتصادية النيولبيرالية، التي اكتسحت اقتصادنا ومجتمعنا، وتسير في اتجاه الإجهاز الكلي على المكاسب الاجتماعية. الحكومة الحالية مدعوة من جديد لتجاوز هذه الكارثة والانزلاقات الخطيرة التي يعيشها مجتمعنا، إلى الدعوة لورش وطني وندوة وطنية حول المسألة الاجتماعية، تشارك فيها كل المركزيات النقابية القائمة من دون إقصاء لأحد، ثم المجتمع المدني بكل فعالياته، والأحزاب الوطنية من أجل التعاقد الاجتماعي الجديد بخصوص العناوين الكبرى، التي تداولتها في الفترة الأخيرة مختلف التقارير الدولية، وأساسا البطالة ثم الصحة ثم التعليم والقدرة الشرائية للمواطن والسكن الاجتماعي.
 
الوصاية الحزبية على النقابات كانت مرتبطة بعنصرين أساسيين، أولا أن هذه الأحزاب كانت قوية بذاتها وجماهيرها وقياداتها وقواعدها، وثانيا كانت في مواجهة المشروع الاستبدادي الذي ساد خلال سنوات الرصاص
 
الهدف من هذا كله أن نصل إلى ميثاق مجتمعي جديد، لأن مرحلة الاتفاقات مع المركزيات النقابية بخصوص الاتفاقات الثلاث الكبرى استنفدت، فالآن المسألة الاجتماعية معني بها كل الفاعلين في المجتمع المدني المغربي، من جمعيات تنموية وجمعيات مواجهة الفقر.
أكثر من هذا أعتقد أن مشروع الخطة الوطنية للتنمية البشرية، يسير نحو الفشل نتيجة تدبير الإدارة الترابية لهذا الملف بالمنطق التقليدي، الذي وسّع من الزبونية التي ساهمت في عزوف 7 شتنبر.
إذن المسألة أكبر من المطالب، أكبر من مشاكل هذه الفئة أو تلك، فهي مسألة مشروع مجتمعي متكامل يجب أن يقع الحوار حوله من أجل تعاقد جديد. لابدّ أن نذكر أن الحركة الوطنية في المرحلة السابقة، وقبل حكومة التناوب، تعاقدت مع الراحل الملك الحسن الثاني، لكن لحد الآن ليس هناك حوار مجتمعي جديد لنصل إلى تعاقد جديد مع الملك محمد السادس. هذا هو جوهر القضية، أما كل الأشياء والتدخلات، فكانت تدخلات لحظية وآنية لمواجهة هذه المشكلة أو تلك.
 
ما مدى استقلالية النقابات داخل المغرب، أو بمعنى آخر، هل يمكن أن نتصور في الأفق رفع وصاية الحزبي على النقابي؟
 
الوصاية في المغرب أو ما يسمى، بين مزدوجتين، "الوصاية الحزبية على النقابات"، كانت مرتبطة بعنصرين أساسيين، أولا أن هذه الأحزاب كانت قوية بذاتها وجماهيرها وقياداتها وقواعدها، وثانيا كانت في مواجهة المشروع الاستبدادي الذي ساد خلال سنوات الرصاص.
اليوم العوامل الموضوعية، التي كانت وراء هذا الارتباط القوي، الذي سميته بالوصاية لم تعد قائمة، لذلك فإن أزمة السياسة لا تختلف كثيرا عن الأزمة النقابية، وإذا كانت الأحزاب تحاول اليوم أن تعيد النظر في مشروعها وقياداتها وتعاطيها مع القضايا السياسية المطروحة على الساحة الوطنية، فالحركة النقابية هي كذلك مدعوة إلى إعادة صياغة مشروعها المجتمعي، لأن المشروع الذي قامت من أجله كل المركزيات القائمة لحد الآن مشروع وصل مرحلة الاستنفاد.
 
الطبقة الوسطى تعيش حالة من الهجانة والتردد والتفكك نتيجة أوضاعها، إن لم نقل إنها انزلقت إلى دعم الحركات الأصولية، أما الطبقة العاملة، فهي تعيش حالة من اليأس نتيجة الفقر وغياب الاستقرار
 
كان التركيز على الطبقة الوسطى، والطبقة الوسطى تعيش حالة من الهجانة والتردد والتفكك نتيجة أوضاعها، إن لم نقل إنها انزلقت إلى دعم الحركات الأصولية، أما الطبقة العاملة، فهي تعيش حالة من اليأس نتيجة الفقر وغياب الاستقرار، ناهيك عن المصارع القوي في الساحة الوطنية للجماهير في قوتها وقدرتها الشرائية، والمواجه للطبقة العاملة في مناصب الشغل، وأعني الشركات المتعددة الجنسية، التي دخلت وتوسعت بفعل تقليص السياسة النيوليبرالية نتيجة العولمة المتوحشة التي لم نعد لها العدة لا الفكرية ولا البرنامجية ولا السياسية.
معنى هذا أن الحركة النقابية يجب أن تعيد بناء ذاتها من أجل تشكيل رؤية اقتصادية تتأسس على سياسة اجتماعية مستقلة، وعلى إطار مستقل وفعل مستقل عن الأجندة السياسية، لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن التلاقي مع الحركة الديمقراطية السياسية في نقاطها البرنامجية الكبرى، وفي دفاعها عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
بمعنى أن الوصاية يجب أن تنتقل من العلاقة بين السياسي والنقابي إلى مبدأ التعاقد، إذ يمكن أن نتعاقد أمام الملأ والمواطنين حول أن دعم الحركة النقابية لمجموعة من الأحزاب السياسية يقوم على التعاقد حول جملة من المطالب، وبهذا سنخرج من هذه الثنائية التقليدية، الموروثة عن الفكر الماركسي.
 
على أي معيار يجري اختيار النقابات للدخول في الحوار الاجتماعي مع الحكومة، وهل هذا المعيار في نظركم منصف لجميع التمثيليات النقابية؟
 
معيار النقابات الأكثر تمثيلية جاء في سياق مرحلة تاريخية، كانت فيها الحكومة بقيادة أم الوزارات، وزارة الداخلية آنذاك، تستعمل بعض المركزيات الصورية من أجل الحضور في المفاوضات الاجتماعية، ولا أقول الحوارات.
 
كنا ندعو في الصف الديمقراطي إلى تقليص التقنوقراط، وإذا بالظاهرة تتوسع في الحكومة، وخاصة في قطاعات لها إسقاطات سياسية. ما نعيشه الآن هو أن الحكومة الحالية تشتغل بمواقع قرار متعددة
 
لكن اليوم هناك مشهد نقابي جديد، ومركزيات نقابية جديدة، تأسست فاعلة في الساحة ولها رؤيتها، فأنا أستغرب الطريقة التي أجريت بها اللقاءات الأخيرة. كان على الوزير الأول أن يستدعي المركزيات الداعية للإضراب، لأنها هي التي تدعو إلى حركة احتجاجية من أجل مطالب معينة، في حين أن المركزيات الأخرى، التي لم تدخل حركة 13 فبراير، كان يمكن أن يلتقي بها على حدة، باعتبار أنها متفهمة لسياسة الحكومة، وأنها تقترح أجندة أخرى أقل سرعة في وتيرتها من السرعة التي تطالب بها المركزيات الداعية للإضراب.
أكثر من هذا، ودائما في إطار الوصاية السياسية، فالحكومة لم تحترم حتى المقتضيات التي تدعو لها وتعلن أنها حريصة عليها، بحيث إنه كان عليها، إذا ما طبقت المقتضى كما هو وارد في مدونة الشغل، ألا تحاور مثلا الاتحاد الوطني للشغل، لأنه لم يحصل على 6 في المائة، ونسبته فقط 2.7 في المائة، في حين أنها تراعي الهيئة السياسية الداعمة، التي هي حزب العدالة والتنمية.
لذلك بدل أن ندخل في هذا النقاش المعياري، علينا أن نراعي الحراك الاجتماعي، الذي تقوم به هذه المركزية أو تلك، وأن نراعي إشعاعها وحضورها الشعبي، هذا هو الأساس.
الحكومة مدعوة بشكل أو بآخر إلى دعم الديناميكية، التي يشهدها الحقل النقابي، بدل أن تقف لتتلو الفاتحة على وفاة هذا المشهد بقبول ما هو قائم.
مع ذلك، وفي تقديري، إن أكبر سند للديناميكية النقابية التي انطلقت، والتي هي في بدايتها مجرد لبنة، هم النقابيون أنفسهم، فإذا لم يتسلح النقابيون بوضع تصور واضح لفعل نقابي جديد، ستبقى الحركة النقابية في لحظة المراوحة، لذلك فالرهان مركز على استنهاض شعبنا، وعلى أن نتمكن من استنبات حلم اجتماعي جديد لدى جماهير شعبنا من أجل أن نعيده للساحة.
انتخابات 7 شتنبر الماضي أكدت لنا أن الجماهير، نتيجة يأسها وعجزها، انسحبت كليا من الساحة السياسية، وحتى الذين عادوا، عادوا في ثوب أصولي شرس وعنيف، ليفجروا استقرار بلادنا، وهذا يعني أن المعركة كبيرة، ويجب على الجميع أن يحتضنها ويدعمها، لأننا من دون حركة نقابية قوية فاعلة ومؤثرة، لا يمكن أن نتصور توازنا اجتماعيا مستقرا يضمن للمواطن المغربي العيش بحرية وكرامة، حتى يتمكن من الفعل في المشروع الحداثي الديمقراطي الذي نطمح له جميعا.
 
الملاحظ أن الحوار مع الحكومة يجري في غياب التنسيق بين المركزيات النقابية في عدد من الملفات، كيف تفسرون ذلك؟ وكيف ترون انعكاسات هذه الوضعية على مآل الملفات المطلبية؟
 
غياب التنسيق أو وجوده، مسألة مرتبطة بتاريخ الحركة النقابية، فتاريخ الحركة النقابية، منذ بداية الاستقلال، قام أساسا على وعي مغلوط في العلاقة بين المركزيات النقابية، فبدل أن تتكتل النقابات في ما بينها، وأن تدعم بعضها البعض على الأقل في حد أدنى من الثوابت، تأسست التعددية النقابية على التناقض والإلغاء المطلق للآخر، وهذا الإرث ثقيل وتاريخي على الساحة النقابية.
لذلك، حتى عندما كانت تحصل بعض التنسيقات، تكون تنسيقات غير نظامية وليست مؤسسة، بل يلتقي مناضلون من هذه المنظمة وتلك، من أجل التواصل والنقاش وتحقيق الحد الأدنى من الاتفاقات.
هذا المشهد، المعتم بهذه الطريقة، عرف بعض التطور من خلال التنسيق بين الاتحاد العام للشغالين بالمغرب والكونفدرالية الديمقراطية للشغل في مرحلة من المراحل، عندما كان الإعداد لتشكيل الكتلة، وحتى بعد الكتلة، وبعد ذلك بقي يراوح مكانه، ثم تراجع.
على مستوى الحضور في المؤسسات الدولية، فجل المركزيات النقابية عضو فيها، إذن هي ملزمة على مستوى المركزية الدولية أن تنسق في ما بينها، ولكن للأسف، عند انتخاب المكتب الفدرالي، لم يحصل التنسيق بين المركزيات المغربية.
اليوم هناك لحظتان مشرقتان، يمكن، إذا ما تطورتا وجرى التعامل معهما بمسؤولية وجدية، أن تتقدما وتؤديا إلى ما نطمح إليه، أولا الوحدة النضالية، وثانيا وحدة العقل النقابي (توحيد شامل).
 
ما هما هاتان اللحظتان؟
 
في أعقاب الورشة، التي نظمت في إطار المنتدى الاجتماعي المغربي حول واقع الحركة النقابية في المغرب، والحركة النقابية المغاربية، تأسس المنتدى النقابي المغربي، بحضور كل المركزيات النقابية، بالإضافة إلى جمعيات المجتمع المدني، المهتمة بقضايا الطبقة العاملة، وهو منتدى وفضاء للتشاور والحوار بين المركزيات النقابية.
كذلك جرى تأسيس منتدى نقابي مغاربي من أجل التنسيق والتواصل، حتى يكون لكل معركة في بلد من بلدان المغرب العربي صداها في البلدان الأخرى، إذن هذه لبنة وبداية ستوفر لنا إمكانية إعادة بناء النهضة النقابية.
هناك أيضا ما حصل بخصوص إضراب 13 فبراير، إذ كانت هناك لقاءات بين مركزيات نقابية (المنظمة الديمقراطية للشغل، الفدرالية الديمقراطية للشغل، قيادة الاتحاد الوطني للوظيفة العمومية، التابع للاتحاد المغربي للشغل)، وأعتقد أن هذا التنسيق وهذه اللحظة قد تؤسس لهذا الأفق التوحيدي.
على سبيل المثال، الحركة النقابية اللبنانية نجحت، في الفترة الأخيرة، لمواجهة الغزو الإسرائيلي، في أن تشكل قيادة فدرالية ممثلة لكل المركزيات النقابية، تسطر برنامجا نضاليا موحدا في القضايا الكبرى، التي يعتبر الانتصار فيها ليس له لا بعد انتخابي ولا بعد اجتماعي مباشر ولا مالي.
في المغرب هناك معركة كبيرة، والحركة النقابية معنية بها، وهي عملية تفويت قطاع الفوسفاط، والأكيد أنه ستستحود عليه شركة من الشركات الفرنسية الكبرى، لاحظنا كيف أن الإسبان يحتجون، ونحن المعنيون بهذه الثروة لم نحرك ساكنا، لأنها معركة أكبر من أي مركزية نقابية مهما كانت تمثيليتها.
إذن فكل المركزيات مجتمعة ومسندة في الصف الديمقراطي، مدعوة إلى خوض المعركة حفاظا على هذه الثروة الوطنية، التي تعتبر رمزا من رموز الاستقلال الوطني.
هناك معركة ثانية هي معركة التنمية البشرية، فبعد الخطاب الملكي الداعي للمبادرة الوطنية، لاحظنا كيف أن تدبير هذا الملف استحودت عليه الإدارة الترابية، وحولت ميزانيته وغلافه المالي إلى امتداد لميزانية الولاة والعمال للتصرف فيه، ولاحظنا أخيرا كيف أن التقرير الدولي أكد أن المغرب لم يتحرك في هذا المضمار. معنى هذا أنه ورش وطني يمكن للمركزيات النقابية أن تسطر فيه برنامجا نضاليا مشتركا وموقفا اجتماعيا مشتركا.
 
بعد الخطاب الملكي الداعي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، لاحظنا كيف أن تدبير هذا الملف استحودت عليه الإدارة الترابية، وحولت ميزانيته وغلافه المالي إلى امتداد لميزانية الولاة والعمال للتصرف فيه
 
قضية التعليم كذلك بعد التقرير الأخير، وبعد العرض الذي قدم من قبل وزير التربية الوطنية، وكذا مستشار جلالة الملك محمد مزيان بلفقيه في الدارالبيضاء، تبين أنها ملف كبير يهم قضية وطنية كبيرة، يمكن للمركزيات النقابية أن تلتقي حوله من أجل اتخاذ موقف موحد، بالإضافة إلى قضية التغطية الصحية، والتعثر الذي تعرفه، وأخيرا ملف كبير ويهم الجميع من دون مزايدة وهو ملف التقاعد.
هذه ملفات كبرى يمكن للمكتب الفدرالي النقابي، الذي يضم جميع المركزيات النقابية، أن يجتمع حولها وأن يسطر حولها برنامجا، وأن يبلور أطروحة بخصوصها، ويتقدم بتفاوض مشترك بشأنها إلى الدولة والحكومة.
 
ما تقييمكم للأداء النقابي بعد مرور أزيد من 100 يوم على عمل حكومة الفاسي، وهل فعلا يؤدي الدور المنوط به؟
 
لا أذكر المفكر الذي قال إنه في المغرب يتغير كل شيء، لكي لا يتغير أي شيء. المدخل لتشكيل الحكومة كان مدخلا كارثيا، بحيث أن ما حصل في 7 شتنبر ونسبة العزوف، أكدت أن جماهير شعبنا ابتعدت عن المسلسل السياسي، وفقدت الثقة فيه، فجاءت المنهجية الديمقراطية بطبيعة الحال، وكانت من دون مضمون، وهذا هو الذي كنا نتوقعه ونعتقده، إذ أن التشكيلة الحكومية لا رابط بينها، وما كان يروج له من أننا سندخل زمن البرامج السياسية والتعاقدات الاجتماعية مع الشعب بدا بعيد المنال.
كنا ندعو في الصف الديمقراطي إلى تقليص التقنوقراط، وإذا بظاهرة التقنوقراط تتوسع في الحكومة، وخاصة في قطاعات لها إسقاطات سياسية. يمكن في قطاع تقني أن نستفيد من خبرة وطنية مشهود لها، هذا ممكن، لكن ما نعيشه الآن هو أن الحكومة الحالية تشتغل بمواقع قرار متعددة.
في تقديري علينا أن نصحح المسار، ونعيد النظر في ما جرى، وفي الطريقة التي تعاطينا بها سواء مع تشكيل الحكومة أو مع الانتخابات، إذا نحن أردنا أن ندخل إلى زمننا وإلى التاريخ، لأن التاريخ لا يرحم، والتحولات والضغوطات كبيرة، وقد نجد أنفسنا غدا أمام كارثة اجتماعية، ستؤدي إلى كارثة سياسية واقتصادية، ولا نريد لبلادنا أن تعيش ما عاشته الأرجنتين عند انهيار الاقتصاد الأرجنتيني كليا.
 
 
حوار أجري في أبريل 2008
 
الفاعل النقابي ورئيس حركة المبادرات الديمقراطية لـ"المغربية"
عبد القادر أزريع: الحوار الاجتماعي وصل إلى الباب المسدود
والحكومة مطالبة دستوريا بتقديم استقالتها
 
أجرت الحوار: ليلى أنوزلا
 
قال عبد القادر أزريع، الفاعل النقابي ورئيس حركة المبادرات الديمقراطية، إن الحوار الاجتماعي وصل اليوم إلى الباب المسدود، لسبب بسيط أنه ليس هناك حوار اجتماعي كما هو متعارف عليه دوليا، ولا كما عاشته المركزيات النقابية على الأقل في السنوات المنصرمة مع الحكومات السابقة.
وأضاف أزريع، في الحوار الذي خص به "المغربية"، أن الحوار الذي تباشره الحكومة حاليا، مع المركزيات النقابية مخالف لما حصل في فترة التناوب، وهو في أحسن الأحوال جلسات للاستماع، وجلسات لتبادل الرأي، كما أنه يشكل جلسات ضعيفة لن تفضي للخروج بأي نتيجة، مؤكدا أن جلسات الحوار الاجتماعي أبانت على أن الحكومة لا تتوفر على الإرادة الحقيقية والفعلية، ولا على مخطط اجتماعي يمكنها من تقديم أجوبة مقنعة للمركزيات النقابية سواء التي استقبلتها أم تلك التي لم تستقبلها.
ويرى أزريع أن الحكومة أصبحت دستوريا مطالبة بتقديم استقالتها، كونها لم تنجح في الخروج بأجوبة للأوضاع الاجتماعية، التي يعيشها المغرب الآن. أزريع أن الحكومة أصبحت مطالبة حاليأ
 
تباشر الحكومة حاليا جلسات للحوار الاجتماعي مع الفرقاء الاجتماعيين، أين وصلت لحد الآن هذه الجلسات؟
 
الحوار الاجتماعي وصل اليوم إلى الباب المسدود، لسبب بسيط أنه ليس هناك حوار اجتماعي كما هو متعارف عليه دوليا، ولا كما عشناه على الأقل في السنوات المنصرمة.
 
لو لم تتحرك النقابات، لكانت الحكومة ستجد نفسها أمام انتفاضات شعبية عارمة، ستكون دون عنوان، أي أن الحكومة سوف لن تجد مع من تتحاور. ولذلك فدور النقابات استباق الأزمات، ودور الحكومة استباق الأحداث والبحث عن الحلول
 
كما أن الحوار الذي تباشره الحكومة حاليا مع المركزيات النقابية، مخالف لما حصل في فترة التناوب، وهو في أحسن الأحوال جلسات للاستماع، وأخرى لتبادل الرأي كما أنها شكلت جلسات ضعيفة لا تفضي للخروج بأي نتيجة، وهو ما يبين أن الحكومة لا تتوفر على الإرادة الحقيقية والفعلية، ولا على مخطط اجتماعي يمكنها من تقديم أجوبة مقنعة للمركزيات النقابية، سواء التي استقبلتها أم تلك التي لم تستقبلها، ولذلك لاحظنا كيف أن المقترحات التي جاءت بها لا ترقى إلى مستوى ما تعرفه اللحظة من تعاطي بمسؤولية وبوضوح تجاه القضايا الاجتماعية بشكل عام.
 
هل يمكن أن نعرف المعايير التي ترتكز عليها المركزيات النقابية لصياغة مطالبها، وفي ما إذا كانت تراعي الأوضاع الاقتصادية لبلاد؟
 
لم يسبق أبدا أن صاغت المركزيات النقابية مطالبها بناء على ما يمكن أن تعطيه الحكومات أو ما يمكن أن يعطيه رب العمل، نحن نرجع دائما لما يعيشه الشارع المغربي، فمثلا في الحوار الاجتماعي في اتفاق 8 غشت، كان حصل الاتفاق على دورتين للحكومة، دورة أولى نسميها دورة الخريف، فعندما تشرع الحكومة في إعداد الميزانية تستدعي المركزيات النقابية لتستمع من خلالها إلى نبض المجتمع، وبالتالي تعرف الاتجاه العام للمطالب وتسعى لمحاولة إدماجها بشكل أو بآخر، أو على الأقل تفكر في الحلول. هذه المحطات لم يجر احترامها من طرف الفاعلين الاقتصاديين في الحكومة، لذلك جاءت الميزانية خالية من المطالب الاجتماعية، وأكثر من هذا، فالحكومة أغدقت على أرباب الأعمال إعفاءات ضريبية مهمة وأساسية، بالإضافة إلى ما أعطته الحكومات السابقة لهؤلاء، ولم تفكر في المأجورين وفي بؤساء الشعب والمهمشين، لذلك على الحكومة أن تتحمل مسؤوليتها على أساس أن التضخم الذي نعيشه في بلادنا اليوم هو تضخم مستورد بالنظر لارتفاع أسعار البترول وأثمنة الحبوب.
 
من الطبيعي أن تتحرك المركزيات النقابية في عهد هذه الحكومة، خاصة أنه مباشرة بعد 100 يوم تحرك الشارع أولا قبل النقابات، لأن جياع المغرب لن ينتظروا المركزيات وأجنداتها
 
هذا واقع، الحكومة دستوريا ملزمة أن تبحث عن حلول لهذا الأمر. وحتى لو لم تتحرك المركزيات النقابية، كانت الحكومة ستجد نفسها أمام انتفاضات شعبية عارمة، تختلف عن نضالات المركزيات النقابية، ستكون دون عنوان، أي أن الحكومة سوف لن تجد مع من تتحاور أو تتحدث إليه. ولذلك فدور المركزيات النقابية هو استباق الأزمات واستباق المآسي، والحكومة مسؤولة عن استباق الأحداث وعن البحث عن الحلول.
ومثلما فكرت الحكومة في أرباب العمل من أجل مواجهة وضع قائم، كان عليها أن تفكر بأن ارتفاع أسعار الطاقة، سيؤدي لا محالة إلى ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية، وأن ارتفاع أثمان الحبوب في السوق العالمية، سيؤدي إلى ارتفاع أسعار كل المواد، وبالأساس المواد الاستهلاكية.
لذلك فالحكومة غير معفية، إما أن تكون في مستوى المسؤولية، ومن باب المسؤولية تقدم استقالتها، لأن الوضع يختلف، ولأنه كي نحصر التضخم في 3 في المائة أمر صعب، نحن مطالبون برفع التضخم بين 6 في المائة أو 7 في المائة.
 
وكيف تفسرون اتهام تحركات المركزيات النقابية بكونها مجرد مزايدات سياسية؟
 
ما تُقْدم عليه الحكومة من إجراءات وتعاطٍ مع مطالب النقابات، فيه هدر المال العام وإضاعة الوقت. والدليل أنها بدل أن تشكل خلية مغربية للتفكير في إعادة هيكلة الأجور في العديد من القطاعات، لجأت إلى مكاتب فرنسية للدراسات
 
كما يقول الفقهاء لا قياس مع وجود الفارق، دائما الحكومة تلجأ لهذا التأويل لتسيطر على الحوار، إذ أن ما يمكن أن تلام عليه المركزيات النقابية، هو أنها ربما تأخرت في طرح ملفها المطلبي، وتأخرت في خوض المعارك النضالية، وليس العكس. ولابد أن نشير إلى أنه في عهد حكومة اليوسفي الذي شكل مرحلة انطلاق مسلسل الحور الاجتماعي، كان هناك حوار اجتماعي ونتج عنه اتفاق إطار كبير جرى فيه إقرار التغطية الصحية، وجرى إرجاع المطرودين وتشكيل لجنة التفاوض إلى غير ذلك.
مع حكومة جطو الذي شكل مرحلة معالجة ملفات هذا الحوار خاصة في شقه الاقتصادي، إذ مباشرة بعد تنصيبه، سعى إدريس جطو إلى حوار مركزي شامل ترتب عنه، مدونة الشغل، وتسوية ملف المتصرفين والأطر المماثلة، وملفات الزيادة في الحد الأدنى للأجور وغيرها من الإجراءات. وأعتقد أنه من الطبيعي أن تتحرك المركزيات النقابية في عهد هذه الحكومة، خاصة أنه مباشرة بعد 100 يوم تحرك الشارع أولا قبل المركزيات النقابية، لأن جياع المغرب لن ينتظروا المركزيات وأجنداتها.
فتحركت الجماهير قبل المركزيات، يعني أن تحرك المركزيات، هو استمرار لتحرك الشارع، خاصة أننا نعيش لحظة استثنائية، ليس فقط على مستوى بلدنا، ولكن على المستوى العالمي، إذ تعرف أوروبا حاليا نقاشا حقيقيا.
وقدر الحكومة أن تأتي في زمن الأزمة، وعليها أن تتحمل المسؤولية، وعباس الفاسي جاءه في نصيبه تدبير لحظة الأزمة. فإما أن يتحمل المسؤولية بإيجاد الحلول والمقترحات، وإما أن يقدم استقالته ويتحمل الجميع الأزمة، وليس حزب الاستقلال وحده.
ما يصلنا مع الأسف، هو أن ما تُقْدم عليه الحكومة من إجراءات وتدابير وتعاطٍ مع مطالب النقابات المركزية، يجعلنا نعيش في دورة خريفية نتائجها الأساسية، هدر المال العام وإضاعة الوقت، دون الوصول إلى ما يمكن أن نصل إليه. والدليل هو أن الحكومة بدل أن تشكل خلية مغربية للتفكير في إعادة هيكلة الأجور في العديد من القطاعات، لجأت إلى مكاتب فرنسية وهذا أمر غريب، ففي الوقت الذي تشتكي فيه الحكومة من الضيق المادي، وتشتكي من المشاكل التي يعرفها صندوق المقاصة، تلجأ إلى مكاتب دولية للدراسة علها تخرج بحلول لبعض المشاكل.
 
وكيف تفسرون كون الحوار الاجتماعي يحافظ دائما على طابع موسمي؟
 
النقابات هي دائمة الحركة، التي تعكس نبض الشارع، وما يمكن أن يطرح مع النقابات هو تقديم أطروحات اجتماعية جديدة، ربما هذا وارد، وهذه الأطروحات الاجتماعية الجديدة، ستساعد على إيجاد مخارج للوضع المأزوم الذي نعيشه، بمعنى أنه ربما يمكن بالنسبة للعمل النقابي عموما أن يعيش أزمة نظرية، وربما لو فعل المجلس الاقتصادي والاجتماعي كمؤسسة دستورية، باعتباره مجلسا ثلاثي التمثيل، يضم أرباب العمل والنقابات والحكومة، لكان ربما الإطار الأسلم لصياغة مشروع اجتماعي قابل للتحقق، ومطابق لإمكانيات المغرب.
 
الطبقة الوسطى، التي هي صمام الأمان، انهارت لتلتحق بجحافل الفقراء، وهذا أمر خطير، ونبهنا له مرارا، ولكن لا حياة لمن تنادي، نتمنى أن تعود الحياة لمسؤولينا، كي يُفتح حوار حقيقي حول هذه الأوضاع المزرية والكارثية
 
في غياب هذا المجلس، تظل اللقاءات مع المركزيات النقابية لقاءات للاستماع، ولقاءات مناسباتية، يجري اللجوء إليها عندما يشتد الضغط على الحكومة.
ونحن الآن نعيش لحظة مأزق، مأزق الانتقال، معنى هذا أن العولمة اليوم كما فعلت الثورة الصناعية في السابق، فككت النسق التشريعي المرتبط بالدورة المالية العالمية، وفككت العلاقات المهنية القائمة، ودفعت بالرأسمال المالي إلى ولوج قطاعات، كانت سبق وأن تخلت عنها البورجوازية، مثل قطاع التعليم والصحة والتقاعد، وأكثر من هذا، نرى في العالم الآن أننا نسير في اتجاه تجاوز الدولة الحاضنة، التي كانت مشرفة على هذه الحقوق الأساسية، التي اعترفت بها البورجوازية الأوروبية.
اليوم نسير نحو الدولة الضابطة، نحن في المرحلة الأولى من الضبط الأمني، والضبط الأمني كمفهوم، انبنى في مواجهة حرب الإرهاب، ونحن كدول الجنوب من مصلحتنا الدفع في اتجاه مصلحة العمال، وفي اتجاه الدولة الضابطة للتوازن الاجتماعي.
فالقضية كبيرة، وإذا لم يكن هناك حوار اجتماعي حقيقي، فلن نستطيع أن نواجه المشاكل في حجمها وفي طبيعتها.
على سبيل المثال، ففي فرنسا الآن، هناك المطالبة بعقد ندوة لفتح نقاش من أجل تعاقد مجتمعي جديد بين جميع مكونات المجتمع، ومن هنا أعتقد أن الحكومة، يجب أن تعد العدة لحوار اجتماعي شامل، تدخل فيه المركزيات النقابية وأرباب العمل والأحزاب السياسية والغرف المهنية، ويدخل فيه المجتمع المدني، لأنه لم يعد اليوم، نتيجة للعولمة ونتيجة لليبرالية المتوحشة، المتدخلون في الملف الاجتماعي، هم المتدخلون التقليديون فقط، الآن هناك هيئات وجهات عديدة تتدخل في هذا الملف، وعلينا أن نعترف بهذه الجهات، وأن نشركها من أجل تعاقد اجتماعي، يضبط الانطلاقة، ويعيد صياغة مفهوم التضامن الاجتماعي، ومفهوم التوازن الاجتماعي، وألا نسير في اتجاه خطير، نتمنى أن نجنبه بلادنا لأنه لا يمكن كما يقول المثل أن نخفي الشمس بالغربال، وحتى وإن سكت الفاعلون المحليون عن الوضع المزري الذي نعيشه في بلادنا اليوم، فإن كل التقارير الدولية التي تناولت الوضع في منطقتنا، سواء تعلق الأمر بالتعليم أو بالتنمية البشرية أو بالنظام البنكي، اعتبرت أننا نعيش أزمة حقيقية، ولذلك فنحن مدعوون لاستباق الأزمة والتفكير في إيجاد الحلول.
فالطبقة الوسطى، التي هي صمام الأمان، انهارت لتلتحق بجحافل الفقراء، وهذا أمر خطير، ونبهنا له مرارا، ولكن لا حياة لمن تنادي، نتمنى أن تعود الحياة لمسؤولينا، كي يُفتح حوار حقيقي حول هذه الأوضاع المزرية والكارثية.
 
وفي حال بقيت الحكومة مصرة على مواقفها، ولم تلب جميع مطالب المركزيات النقابية، ما هي الخطوات التي ستنهجها هذه النقابات، وما هي الملفات التي قبلتها الحكومة لحد الآن؟
 
لم تقبل الحكومة أي شيء، وقدمت مقترحات بخصوص مراجعة الضريبة على الدخل وتأمين الزيادات العائلية بـمبلغ 30 درهما في الشهر، وأعتقد أنه من خلال متابعتنا لقرارات المركزيات النقابية، التي كان آخرها قرار الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والقاضي بانسحاب أعضائها التسعة من مجلس المستشارين، كما قررت المنظمة الديمقراطية للشغل إضرابا عاما يوم 23 من الشهر الجاري، والاتحاد العام، رغم قربه من الحكومة، يترقب الإعلان عن توجه نضالي، ما يؤكد أن المركزيات النقابية لن تبقى مكتوفة الأيدي، أمام الشكل الذي تتعامل معه الحكومة مع مطالبها.
إن هذه حرب اجتماعية، وإذا لم تنجح الحكومة في استيعاب هذه الأوضاع، فدستوريا يجب أن تقدم استقالتها، إن الوضع يعطي للملك الحق إما بتقرير تشكيل حكومة جديدة، كما أن اللحظة الآن مواتية ليخرج المجلس الاقتصادي إلى حيز الوجود، ومواتية لفتح نقاش حول الغرفة الثانية بالبرلمان، للعودة إلى العمل بنظام الغرفة الوحيدة، من أجل ضمان الفعالية، لأن ديمقراطيتنا هي ديمقراطية شابة، وأعتقد أننا نتوفر على إمكانية رجال من النخبة السياسية، التي يمكن أن تسيرها، من أجل أيضا التوفر على مشروع مجتمعي حقيقي، خاصة أن التوازنات المطروحة علينا اليوم هي توازنات اجتماعية.
 
 
حوار أجري في مارس 2009
 
الفاعل النقابي عبد القادر أزريع يتحدث لـ "المغربية"
الحكومة تتحمل مسؤولية تاريخية
في المأزق الذي وصل إليه الحوار الاجتماعي
 
أجرى الحوار: فؤاد اليماني
 
قال عبد القادر أزريع، الفاعل النقابي، إن الحكومة تتحمل مسؤولية تاريخية وسياسية كبيرة بخصوص المأزق، الذي وصل إليه الحوار الاجتماعي اليوم.
وأضاف أزريع، في حوار مع "المغربية"، أن من مسؤولية الحكومة أن تستأنف الحوار، ومن مسؤوليتها أن تسرع باستئنافه، لأنه لا يمكن أن يستمر التوتر الاجتماعي على ما هو عليه اليوم، متوقعا أن تكون المقاطعة كبيرة وواسعة في انتخابات المأجورين، إذا لم توفر الحكومة فسحة الأمل للنقابات.
وأوضح عبد القادر أزريع أن مواقف المركزيات النقابية التي عبرت عنها، سواء بإضرابات عامة أو مسيرات أو ندوات صحافية، كانت في موقف دفاع، وليس في موقع هجوم، حتى لا تعطى بعض التأويلات المجانبة للصواب لهذه الحركات.
واعتبر الفاعل النقابي أن كل إضراب كان قطاعيا أو وطنيا، لا بد أن تكون له حمولة سياسية، واجتماعية، متسائلا عن المشكل المطروح في أن تكون الحركة الاجتماعية مؤطرة سياسيا. وزاد شارحا "الخطير هو أن تكون هذه الحركة منفلتة سياسيا، فالتأطير السياسي يمنحك على الأقل عنوانا يمكن أن تطرقه متى شئت، أما حركة اجتماعية دون عنوان سياسي، فهذا يعني أن الساحة مفتوحة على المجهول".
 
من يتحمل "فشل" الحوار الاجتماعي، هل الحكومة أم النقابات؟
 
الحكومة لم توفر إمكانية الوصول إلى ميثاق مجتمعي مشترك، يجنب البلاد الهزات الاجتماعية المحتملة، وكل الحركات الاحتجاجية، التي عرفتها عدة مدن كسيدي إفني وصفرو، تؤشر على التعقيدات، التي ستطرح على بلادنا في المستقبل
 
أعتقد أنه كان على الحكومة بعد تنصيبها، وبعد تصريح الوزير الأول أمام البرلمان، أن تكون خططت لمشروع عمل، يقتضي الارتقاء بالمسألة الاجتماعية في مواجهة كل الاحتمالات والتحديات المطروحات، لذلك في تقديري، ومن باب النزاهة الفكرية، أن الحكومة تتحمل مسؤولية تاريخية وسياسية كبيرة، بخصوص المأزق الذي وصل إليه الحوار الاجتماعي اليوم. الواقع الاقتصادي العالمي، والواقع الاقتصادي والاجتماعي المحلي، يؤكدان أن حكومتنا اليوم أضاعت كل هذه الفترة الزمنية، على نفسها، وعلى الشعب المغربي، كي توفر إمكانية الوصول إلى أرضية مشتركة، وإلى ميثاق مجتمعي مشترك، يجنب البلاد جل الهزات الاجتماعية المحتملة، ويعطي أملا في المستقبل بالنسبة لأبناء الشعب المغربي في مختلف القطاعات والمستويات. لذلك، فالحوار لم يكن بالضرورة أن يقتصر فقط على المركزيات النقابية، بل يجب أن يكون حوارا مجتمعيا، تحضره الأطر العليا المعطلة، وجمعية حملة الشهادات، وكل الحركات المحلية الاحتجاجية، التي عرفتها العديد من المدن المغربية كسيدي إفني وصفرو، لأن هذه هزات تؤشر على المستقبل وعلى التعقيدات، التي ستطرح على بلادنا في المستقبل.
أما المركزيات النقابية في تقديري، بخصوص المواقف التي عبرت عنها، سواء إضرابات عامة أو مسيرات أو ندوات صحافية، كانت في موقف دفاع، وليس في موقع هجوم، حتى لا تعطى بعض التأويلات المجانبة للصواب لهذه الحركات.
 
في نظرك، هل المطالب النقابية واقعية ومنطقية أم مبالغ فيها وتعجيزية؟
 
بخصوص المطالب، أعتقد أن التعاطي المسؤول مع كل مطلب رفعه أي عضو من الشعب المغربي، كيف ما كان، يجب أن نبتعد فيه عن هذا التصنيف، هل هو تصنيف منطقي يحمل المزايدة والتعجيز؟ فكل مطلب عندما يصاغ، فهو يصاغ بحمولة اجتماعية ومالية وسياسية، ومن موقع المسؤولية، ولأن في جميع الأحوال مركزياتنا النقابية هي مركزيات قائمة على تاريخ وعلى تجربة وعلى خبرة في إدارة الصراع الاجتماعي، يصعب جدا، بجرة قلم، أن نتهمها بأنها داخل إطار مزايدات وتوتير الأجواء، خاصة أن الواقع الاجتماعي يؤكد على هذا، بل الأكثر من هذا، لو فرضنا أن المركزيات النقابية وقعت على الاتفاق الأخير مع الحكومة، لوجدنا أنفسنا أمام تشتت إضافي للحركة النقابية، وأمام هيكلات متعددة لفئات متضررة موجودة الآن، سواء فئات الموظفين أو فئات المأجورين، أو بالنسبة للشباب المعطل، ناهيك عن المناطق المغربية المهمشة.
أكثر من هذا، يجب على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها كاملة، فلو جرى الحوار وفق التعاقدات التي جرت مع الحكومات السابقة، وجرى إبراز كل مكونات الوضع المغربي على ما هو عليه، ولو جرى التراجع عن المخاطر التي ستهز مجتمعنا وعلى رأسها اقتصاد الريع والعلاقات الزبونية، التي تسود المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولو جرى الحوار حول كل هذه المستويات التي يزخر بها مجتمعنا، آنذاك كان يمكن للحكومة أن تقول، على الأقل، إننا وصلنا إلى مستوى من النقاش ولم نتوفق في إنجاز تعاقد أو توافق.
لنأخذ على سبيل المثال تجربة قريبة منا، وهي التجربة الفرنسية، فساركوزي من خلال تجربته الأخيرة، ورغم موقفه من النقابات، نلاحظ أن الحوار مستمر ودائم، يثمر في محطات، ويبقى معلقا في محطات أخرى، لكن الأساسي هو وجود حوار، ومشكلتنا نحن هو غياب الحوار، فعندما تحاور الحكومة، تغيب الوزارات القطاعية، وعندما تحاور الوزارات القطاعية تغيب الحكومة، وعندما تحاور الحكومة والوزارات القطاعية، يغيب القطاع الخاص، لذلك لو نجحنا في تأسيس ثقافة الحوار وثقافة التفاوض ومأسسة هذا الحوار والتفاوض، كنا سنسدي خدمة كبيرة لبلادنا، وسنساعد على تقوية استقرارنا، بدل تفكيكه من خلال الهروب إلى الأمام، وإطلاق بعض التصريحات لا تراعي المرحلة.
 
على ذكر التصريحات، ما رأيك في وصف الحكومة للحركات الاحتجاجية والإضرابات، التي تخوضها المركزيات النقابية، بأنها إضرابات سياسية لا اجتماعية؟
 
التعاطي المسؤول مع المطالب الاجتماعية يتطلب الابتعاد عن الاتهامات والتصنيفات والأحكام المسبقة ويصعب جدا، بجرة قلم، أن نتهمها بأنها داخل إطار مزايدات وتوتير الأجواء
 
هذا الوصف فيه كثير من الطوطولوجيا، وكأننا بأحد المارة في الشارع يشير بأصبعه إلى السماء ويقول إن هذه سماء، فكل إضراب كان قطاعيا أو وطنيا أو حركة، لابدّ أن تكون له حمولة سياسية، وأخرى اجتماعية، إذن أين هو المشكل في أن تكون الحركة الاجتماعية مؤطرة سياسيا، الخطير هو أن تكون هذه الحركة منفلتة سياسيا، فالتأطير السياسي يمنحك، على الأقل، عنوانا يمكن أن تطرقه متى شئت، أما حركة اجتماعية دون عنوان سياسي، فهذا يعني أن الساحة مفتوحة على المجهول.
هذا يؤكد وجود الأحكام المسبقة، أكثر من الدراسة المتأنية للواقع. أكثر من هذا، فهذا الأمر تقدير تقليدي تجوز، وجرى تصفيته مع هيئة الإنصاف والمصالحة، فهذه وصفات كانت تقدم في السبعينيات، في مواجهة الحركات، التي شهدها المغرب في تلك الفترة، وكل من تحرك آنذاك فهو يمارس السياسة، في حين تأكد الآن بالملموس أن شباب ورجال التعليم ورجال الصحة في حقبة السبعينيات، كانوا يناضلون من أجل مطالب اجتماعية عادلة ومشروعة.
 
هل يمكن أن نقول إن الحوار بين النقابات والحكومة الحالية وصل إلى الباب المسدود، وهل تتوقعون استئناف الحوار الاجتماعي قريبا؟
 
هناك مسؤولون يحصرون آفاق الورش الاقتصادي في ما سيوفره من مناصب شغل، دون أي تفكير عميق في أبعاده وتبعاته، ألم يعمل المشروع الاستعماري على توفير فرص شغل للفلاحين الفقراء، الذين انتزعت منهم أراضيهم؟!
 
في نظري، من مسؤولية الحكومة أن تستأنف الحوار، ومن مسؤوليتها أن تسرع باستئنافه ، لأنه لا يمكن أن يستمر التوتر الاجتماعي على ما هو عليه اليوم، خاصة أن هذه السنة هي سنة انتخابات بالنسبة للمأجورين، فكيف سنتصور غدا مشاركة الطبقة العاملة والموظفين في انتخابات المأجورين، إذا لم توفر لهم الحكومة فسحة الأمل، وإلا ستكون المقاطعة كبيرة وواسعة، سواء في الانتخابات الجماعية أو في انتخابات المأجورين.
أما بخصوص المركزيات النقابية، فهي تدافع عن نفسها وتضطر لاتخاذ كل القرارات الممكنة للدفاع عن حقوق منخرطيها وحقوق الشعب المغربي، لذلك فالأسلم للحكومة أن تستدعي لحوار حقيقي مفتوح، وأتمنى أن يكون هذا الحوار بهذا التصور، على سبيل المثال ندوة وطنية حول الوضع الاجتماعي بالمغرب.
بعض الحكوميين مزهوون بشعار يتردد الآن في الساحة المغربية، وهو أزمة النقابة أو نهاية النقابة، أعتقد، أنه في المغرب، نحن محظوظون لأننا نتوفر، على الأقل، على نقابات بتاريخها وبتجربتها، وإلا فإننا سنواجه المجهول، ولذلك أنا أتمنى أن يؤجل هؤلاء فرحتهم وأن يتجهوا إلى ما هو لصالح الوطن، وهو الحوار ولا شيء غير الحوار.
 
كيف تنظرون إلى قرار عزم أربع نقابات تنظيم مسيرة احتجاجية في الرباط يوم 22 مارس الجاري؟
 
مسيرة 22 مارس تعكس شيئين أساسيين، أولا، هناك وعي وحدوي نقابي بدأ يتحرك، وهذا أمر مهم للمشهد النقابي المغربي، ثانيا، أن هذه المسيرة تعكس تطوير آليات التعاطي مع المسألة الاجتماعية، حتى لا نبقى في حدود الإضراب والإضراب العام.
إذن، فاعتماد آليات أخرى سبق أن اعتمدناها في محطات نضالية سابقة، من شأنه أن يفتح المجال للحركات الاحتجاجية الجديدة، ومن شأنه أن يساعد على فتح نقاش حقيقي داخل المركزيات النقابية، من أجل الارتقاء بالوعي النقابي نحو وعي جديد متفتح قادر على استيعاب اللحظة بكل تحدياتها وتناقضاتها، وإعطاء الأمل للحركة الاجتماعية من أجل توازن مجتمعي جديد، ليس فقط الطبقة العاملة هي المحتاجة إليه، وهذا هو الوعي الذي يجب أن يسود بلادنا اليوم، بل البلاد كلها محتاجة لهذا الوعي الجديد، لأنه دون توازن داخلي في ما بيننا، الذي يوفر القوة من أجل انتزاع توازن خارجي، سيكون مصير التجربة الإخفاق، أكثر من هذا فإن العمل المشترك من شأنه أن يوفر فضاء للحوار، حول القضايا الجوهرية المؤسسة للمشروع المستقبلي.
أعطي مثالا لأوضح أكثر، فالكثير من المهتمين بالشأن المغربي ومن رجالات الدولة، حيث يتحدثون عن الورش الاقتصادي اليوم، يحصرون آفاق هذا المشروع في ما سيوفره من مناصب شغل، لكن ليس هناك أي تفكير عميق بخصوص هذا المشروع، وإذا ما أردنا أن نقارن، ألم يعمل المشروع الاستعماري على توفير فرص شغل للفلاحين الفقراء، الذين انتزعت منهم أراضيهم، واضطروا إلى الهجرة إما إلى الدارالبيضاء أو إلى مدن أخرى كبيرة، فهل حدود المشروع الاقتصادي هو توفير مناصب شغل، فالهجرة كذلك إلى أوروبا توفر مناصب شغل.
أعتقد أن المشروع الاقتصادي يجب أن يكون مشروعا متكاملا، يراعي علاقة هذا المشروع بالأوراش التي نتحدث عنها بالمقاولة الوطنية، بالرأس المال المغربي، وبالبيئة المغربية، وبالسوق المغربية، إذن يجب أن نناقش هذا المشروع من الأبعاد المتعددة، أما أي مشروع سيحولنا إلى مجرد عبيد للرأسمال الأجنبي، في تقديري لا يختلف في شيء عن المشروع الاستعماري الذي واجهه أسلافنا.
لذلك، فالعديد من الأشياء الكبرى تمرر اليوم في ساحتنا الوطنية، لكن للأسف فربما وهم الانتقال الديمقراطي الذي عشناه في التجربة السابقة، ضبب الصورة ولم يسمح لنا بنقاش بهذا العمق. يمكن أن نتفق ونقول إن هذا المشروع هو الحل بالنسبة لبلادنا، لكن على الأقل يجب أن ننقاش هذا المشروع، وأن يعطي كل منا رأيه كاملا من أجل أن نتعاقد على ما هو في مصلحة بلادنا، وكيف نحمي بلدنا من مخاطر هذا المشروع. على سبيل المثال، الاتفاقات الثلاثة، اتفاق التبادل الحر مع أميركا، واتفاق التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي، واتفاق الثالث الذي نتهيأ له مع كندا، هل ناقشنا هذه الاتفاقات الكبرى الاقتصادية في ما بيننا بما فيه الكفاية، وما هي حدود خدمتها للاقتصاد الوطني، كيف ستدمجنا في دورة العولمة، ما هي مخاطرها على بنوكنا وعلى منتجاتنا إلخ، أسئلة كثيرة تظل معلقة.
للأسف، أحس بأن اللحظة يغيب عنها العمق في التحليل، فقط يحضر نوع من الاحتفالية الكبيرة والاعتداد بالنفس، أكثر من حضور نقاش حقيقي. أتمنى أن توفر هذه الحركة النقابية المتصاعدة إمكانية لنقاش حقيقي في ما يخص الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي على أن ينخرط الفاعلون الآخرون السياسيون في هذا النوع من النقاش.
 
 
ما تعليقكم على قرار الحكومة بالاقتطاع من أجور الموظفين المضربين عن العمل، وكيف تفسرون اللجوء إلى هذه العملية، هل هو إجراء قانوني أم لا؟
 
سأتناول هذه النقطة من زاويتين، كي تتضح الصورة أمام الرأي العام الوطني وأمام المشرّع، وأعطي مثالا ببلد كثيرا ما يأخذه المسؤولون المغاربة مقياسا، وهو فرنسا، التي ما تزال لحد اليوم لم تصدر قانونا تنظيميا يقنن الإضراب، بل هناك توافق بين النقابات على الخدمة في حدها الأدنى بالنسبة للقطاعات الحساسة والحيوية، كقطاع الصحة والنقل.
بخصوص الاقتطاع بالنسبة لفرنسا، فالدولة تعطي سنويا للمركزيات النقابية قيمة تخصص لتعويض العمال عن أيام الإضراب، وتوضع في الصندوق النقابي، وكلما أعلنت مركزية أو مركزيات عن إضراب فهي تؤدي أجور الموظفين من هذا الصندوق، بمعنى أنه أداء بطريقة مختلفة.
 
الحكومة تسعى إلى توسيع الاقتطاعات من أجور المضربين. لقد اشتغلت على مدونة الشغل، ولي دراية بقانون الوظيفة العمومية، وتتبّعت بإمعان تفسيرات وزير الوظيفة العمومية، وهي مجانبة للصواب، والحكومة إذا ما اقتطعت فهي خارج القانون
 
بخصوص التجربة المغربية، بدءا من حكومة إدريس جطو ووصولا إلى حكومة عباس الفاسي، شهدنا هذا النوع من الاقتطاعات مع ما كان يعرف، آنذاك، بالنقابات التي لا تتوفر على التمثيلية المطلوبة التي هي 6 في المائة، والحال هو أنه كنت من بين الأشخاص الذين صاغوا هذا المفهوم التشريعي المتعلق بالأكثر تمثيلية، وأعلن أنه لم يكن مقصودا بها بتاتا رفض الحوار وإلغاء بعض النقابات، بالعكس، كان مفهوم 6 في المائة، من أجل أن توفر للدولة إمكانية اختيار المركزيات التي ستمثل في المؤسسات الاستشارية القائمة، أي المجلس الاقتصادي والاجتماعي إذا تهيكل، والمجلس الإداري للتعاقد، ومجلس الضمان الاجتماعي، إلخ...
أما بخصوص الحوار، فإذا ما أعلنت هيئة عن قرار الإضراب وتوفرت لها 15 في المائة من التمثيلية في ذلك الإضراب، فهي تمثل إذن 15 في المائة من تلك الفئة، فمفروض في أن أحاورها، لا أن أقاطعها بحجة أنها ليس من النقابات التمثيلية. الأكثر من هذا أن هذه القراءة المفتوحة لمفهوم التمثيلية سيساعد على تشتيت المشهد النقابي، في حين أن التأويل الحالي للحكومة يغلق الباب أمام تطور المشهد النقابي، بمعنى أن تتحول النقابات القائمة إلى مؤسسة منتهية ليس لها الخيار في أن تسعى إلى خلق فضاء نقابي جديد ما دامت ملزمة بقانون التمثيلية، الذي يحكمه القطاع الخاص، وما أدراك ما القطاع الخاص، ونعرف كيف تتوفر التمثيلية للمركزيات النقابية في هذا القطاع من خلال الولاءات.
لذلك، ولمواجهة هذه الحركة النقابية الناشئة وهي ذات طبيعة فئوية، لجأت بعض الوزارات في حكومة جطو إلى اقتطاعات، والحكومة الحالية تسعى إلى توسيع هذا الاقتطاع. أعتقد كبرلماني اشتغلت على مدونة الشغل، ولي دراية بقانون الوظيفة العمومية، وقرأت بإمعان ما جاء في التصريحات المكتوبة لوزير الوظيفة العمومية، وكذا تصريحاته في التلفزة، أن كلام الوزير مجانب للصواب، والحكومة إذا ما اقتطعت فهي خارج القانون.
 
لماذا؟
 
لأنه ليس هناك قانون تنظيمي ينظم الإضراب، وحتى ما إذا توفر مرسوم، فهذا الأخير أقل تشريعيا من الدستور. إذا ما جرى التوافق ووصلنا إلى تشريع آخر، بخصوص الإضراب، آنذاك، ممكن حسب المتفق عليه، لأن الحكومة لا يمكن أن تبتدع بدعا خارج القوانين، وما ستقوم به هو بدعة خارج القوانين وخارج الضوابط، وبما أنها بدعة فهي ظلالة، وكل ظلالة لا يمكن أن تؤدي إلا إلى توتر وتأزيم الوضع القائم.
أعتقد أن الحكومة في وضعها الحالي هي حكومة بطبيعتها الهشة، كان يجب ألا تتخذ مثل هذا القرار المتسرع، الذي لا يخدم لا القضية الاجتماعية ولا آفاق الحوار، بل سيعطلها، وسيعود بنا إلى ما وراء اتفاق فاتح غشت.