لابدّ من الإشارة، في البداية، إلى خطورة الأوضاع العامة في فاس، المرشحة لمزيد من التوتير والتصعيد، على مستوى النقل الحضري، الذي يتميّز بأمرين في غاية الخطورة.. الأمر الأول يتمثّل في قيام عمدة متلوّن ومستبد وجاهل، عن سابق قصد وترصد، بعرقلة الحل المنشود، الذي بلورته وزارة الداخلية، للخروج من أزمة النقل الحضري في فاس، وتمكين الشركة المفوض لها تدبير النقل الحضري "سيتي باص فاس" من تنفيذ برنامجها بتعزيز الأسطول وتجويده بحافلات حديثة وتجويد الخدمات لتأمين نقل السكان في ظروف جيدة وسليمة وآمنة... والأمر الثاني يتمثّل في بيدق العمدة المسترزق المتغطي بحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي حوّل فرعه في فاس إلى عبد حقير في حضيرة حزب باطرون الحكومة، المدعو عبد القادر البوصيري، الذي يتباهى في المجالس أنه هو من يحرّض الطلبة على الاحتجاج ضد حافلات "سيتي باص فاس"، مما دعا الطلبة إلى التنديد بالبوصيري وبكل محاولات الركوب السياسوي على نضالات الطلبة...
الخطر يحدق بمدينة وسكان فاس
في هذا السياق العام المطبوع بالاحتقان، من المفيد الإشارة إلى أن وزارة الداخلية تبادر، كلّما استدعى الأمر ذلك، إلى فتح تحقيقات معمّقة حول ممارسات عدد من المسؤولين الترابيين والمنتخبين في عدد من المدن المغربية، للوقوف على قرارات ارتجالية وتعسفية تشعل فتائل التوتّر والاحتقان والتأزيم لإذكاء الفوضى والاضطرابات... ولعل أحدث نموذج على ذلك القرارات الخرقاء وراء عملية الهدم، التي مست عمَارات سكنية ضمن مشروع سكني كبير في منطقة الفوارات في مدينة تمارة... وقد بادرت وزارة الداخلية، بناء على النتائج التي أسفر عنها البحث الأولي للمفتشية العامة للإدارة الترابية، إلى توقيف عامل عمالة الصخيرات تمارة وستة رجال سلطة وإطارين إداريين بالعمالة، بعدما تصاعدت احتجاجات السكان وباتت تنذر بما لا يُحمد عُقباه...
وهناك نموذج آخر، يجري في هذه الأثناء في مدينة فاس بتأزيم وعرقلة حل أزمة النقل الحضري، ينتظر، بدوره، فتح تحقيق معمّق في ملابساته، التي تنذر بمخاطر محدقة إذا لم تتحرّك الجهات المعنية للوقوف في وجه المتورّطين في التأزيم والتوتير بفعل قرارات جائرة، يتحمّل مسؤوليتها الأساسية عمدة المدينة، التي ابتليت، لأول مرة في تاريخ عاصمة العلم، بمسؤول مستبد جاهل، يعرقل الحل الذي توصلت إليه وزارة الداخلية، بجهد جهيد، بذلته في مسطرة التحكيم بين السلطة المفوضة (المجلس الجماعي لفاس) والشركة المفوض لها تدبير النقل الحضري (سيتي باص فاس)، عرقلة لغايات في نفس يعقوب، وعرقلة تتمرّد على والي جهة فاس مكناس، الذي يحاول، بدوره جاهدا، إعادة العمدة المستبد إلى جادة الصواب، بالتوقف عن العرقلة والانتقال إلى تنفيذ مقتضيات الوساطة التحكيمية لوزارة الداخلية...
العمدة المستبد، وخادمه المطيع المسترزق البوصيري، الذي كان مستخدما سابقا في شركة سيتي باص فاس وطردته لسوء عمله، فانقلب إلى سياسي حاقد يلهث، كـ"كلب جاهل"، للانتقام من الشركة، والمريدون والأتباع، كلهم يتحرّكون هذه الأيام بتسخير كائنات رخيصة، من ذباب وأشباه صحافيين وصحافة الارتزاق، لشنّ تهجّمات مسعورة ضد الشركة، واستعمال صور بعض حافلاتها للتحريض التضليلي، دون أن يجرؤ هؤلاء، وهذه بديهية من شرذمة قابلة للبيع والشراء، على طرح الأسئلة الجوهرية: من وراء هذه الوضعية، التاي توجد عليها الحافلات، من هي الجهة وما هي أهدافها من عرقلة الحل الذي اتفقت عليه الأطراف في مسطرة وساطة التحكيم من قبل وزارة الداخلية، ومن هي الجهة، التي تعرقل دخول حافلات جديدة بجودة عالية بأعداد مهمة وتقنيات حديثة وخدمات متقدمة؟
لذلك، ولفهم مختلف أبعاد الأزمة، وليدرك الجميع من هي الجهة التي تسعى إلى الحوار والحل، ومن هي الجهة التي ترمي إلى التأزيم والتفجير، نرسم، في ما يلي، كرونولوجيا هذه الأزمة، باختصار شديد، قد نعود إلى تفاصيلها وملابسات أحداثها، لكي يتحمّل كل طرف مسؤوليته الكاملة في ما يجري ويدور وما يمكن أن تؤول إليه الأمور...
استفحال أزمة النقل الحضري
تعود البداية، كما هو معلوم، إلى يوم الثلاثاء 28 غشت 2012، حيث تم توقيع عقد للتدبير المفوض للنقل العمومي بواسطة الحافلات بفاس بين كل من جماعة فاس ووزارة الداخلية وشركة "سيتي باص فاس"، التي ستحلّ محلّ الوكالة المستقلة للنقل الحضري بفاس، والتي سيُحوّل إليها كل أجراء الوكالة، البالغ عددهم 800 أجير... فماذا وقع بعد ذلك؟
نعتقد أن الجميع مازال يتذكر تلك الفترة، وكيف كانت الشركة تتصرّف بحسن نية وبإيجابية، في تنفيذ بنود العقد، الذي تمّ توقيعه بناء على أسس ومعطيات قدمها المجلس الجماعي، سيتبين أنها كانت معطيات مغلوطة، حول المردودية المالية وحول الكثافة البشرية لمستعملي الحافلات، ورغم ذلك بذلت الشركة المفوض إليها مجهودات كبيرة، وراهنت على المستقبل، فيما السلطة المفوضة لم تحترم التزاماتها التعاقدية، وهنا بدأت الأزمة، التي ستتفاقم أكثر وأكثر في سنة 2016، واستفحلت المشاكل بسبب عدم وفاء المجلس الجماعي بالتزاماته، الأمر الذي شكّل عائقا بنيويا أمام تجويد الخدمات، ووضع الشركة في أزمة مالية خطيرة، وهذا يعرفه القاصي والداني، وإذا كان هناك من مازال على غير علم بما جرى، فهذه هي الحقيقة نوردها أدناه...
إخلال جماعة فاس بالتزاماتها التعاقدية
لقد أخلّت جماعة فاس بالتزاماتها التعاقدية: من جهة، منْعُ الشركة من تطبيق الزيادة القانونية في التعريفة، ومن جهة مقابلة، عدمُ أداء ديون مهمة بذمّة ولاية فاس، ومن جهة ثالثة، ترْكُ الشركة تعاني من تفاقم المنافسة غير المشروعة لسيارات الأجرة الكبيرة والصغيرة والنقل السري، وأخلفت السلطة المفوضة، كذلك، بمهامها بعدم إنجاز الممرات الخاصة بالحافلات، وأحرى معالجة الحالة المتردية للطرقات، مع ما لذلك من تأثيرات سلبية على الصيانة... والنتيجة معروفة: الطرف المفوض (جماعة فاس) يتفرّج و"مربّعْ يدّيهْ".. والطرف المفوض إليه (سيتي باص فاس) يعمل بكل جهد، بدون أدنى دعم، عاما على عام، والخسائر تتضاعف وتتضخّم!
هذا الوضع هو ما يجب أن يعرفه الرأي العام المحلي والوطني، ويعرف، على وجه الدقّة، من تسببّ في هذا الاختلال، الذي دفع الشركة، في سنة 2015، سعيًا نحو إيجاد حلول للمشاكل المطروحة ولامتصاص خسائرها المجحفة، أن تستعمل حقًّا يكفله لها العقد المبرم، وهو طلب مراجعة العقد، وقد رفعته إلى العمدة السابق لمدينة فاس، الذي قرّر، آنذاك (2017)، تكليف مكتب دولي للدراسات (بلو كاب فاينانس)، من أجل إنجاز دراسة حول الوضعية الحقيقية للنقل الحضري بواسطة الحافلات، ولتحديد المسؤوليات ومبالغ الخسائر...
للعلم، فهذه الدراسة متوفّرة، وجماعة فاس هي التي اختارت المكتب الدولي، الذي أنجز الدراسة، التي جاءت خلاصاتها واضحة وفاضحة، نجملها في ما يلي:
على مستوى المسؤولية، حمّل المكتب الدولي مسؤولية اختلال التوازن المالي لشركة سيتي باص إلى جماعة فاس، وحدد سبب ذلك، بشكل صريح، في عدم احترام جماعة فاس لالتزاماتها التعاقدية، ليبني على ذلك خلاصته الأساسية، وهي أن جماعة فاس ملزمة بأداء مبالغ الخسائر المترتبة على الشركة...
وعلى مستوى حل المشكل، اقترح المكتب الدولي سيناريوهين: الأول، فسخ عقد التدبير المفوض مع الشركة المفوض إليها مع ضمان أداء مبالغ خسائرها الضخمة.. والثاني، إعداد ملحق للعقد من أجل استعادة التوازن المالي، على المدى الطويل.
وبالنظر لضخامة مبلغ الخسائر، التي تكبّدتها الشركة، سيتبنى المجلس الخيار الثاني، مُقرا بمسؤوليته على حصول تلك الخسائر، وقد صرّح العمدة السابق، في حينه، أن "جماعة فاس غير قادرة على تحمّل الخسائر الضخمة، التي ستنسف ميزانية الجماعة"، وأن "المخرج الوحيد من المشكل يكمن في الملحق"... وبناء على تعامل الشركة الإيجابي والبنّاء مع مخرجات الدراسة، قرر الطرفان، سنة 2018، إعداد ملحق لعقد التدبير المفوض من أجل إعادة التوازن المالي للتدبير المفوض بناء على توصية مكتب الدراسات الدولي... وقد تعدّى العمل على إعداد هذا الملحق ستة أشهر، قبل الاتفاق على ما يلي:
- تحديد البرنامج الاستثماري للشركة المفوض إليها في حدود مبلغ 318 مليون درهم.
- مراجعة الخطوط والتعريفات.
- تحسين وتقوية النقل المدرسي والجامعي.
- دعم الاستثمار.
- تمديد العقدة إلى سنة 2035.
نفاق وتناقض وعرقلة مدبّرة لتنفيذ الملحق
وهنا، مرة أخرى، لابد أن يكون الرأي العام المحلي والوطني على بيّنة مما جرى آنذاك إلى اليوم، وهو أن ذلك الملحق، الذي تم إنجازه باتفاق الأطراف، بقي حبرا على ورق، دون أي تبرير واضح اللهم ما سبق أن صرّح به العمدة، الذي ألقى بالمسؤولية على والي جهة فاس مكناس، باعتبار أنه هو من "اعترض على المشروع لأسباب مجهولة". بينما سيتابع الرأي العام أن الإدارة الترابية، خلافا لما ذهب إليه العمدة السابق وما يروّجه كذبا العمدة الحالي، كانت متعاونة بصورة إيجابية، وهذا ما يؤكده موقفها عندما تقرر عرض الملحق على دورة فبراير 2019، قصد الموافقة عليه وإخراجه إلى حيز التنفيذ، إذ تحمّست له وزارة الداخلية، التي قرّرت دعمه بمبلغ 150 مليون درهم، نظرا لأهمية مدينة فاس... لكن الغريب العجيب، الذي حدث بعد ذلك، أن الملحق سيتعرض، من جديد، ولعلة غامضة، إلى العرقلة...
والحقيقة الفاضحة، هنا، تتعلّق بنفاق وتناقضات العمدة الحالي، الذي كان آنذاك مستشارا في المجلس، وكان يحضر اجتماعات اللجان، ويتابع مناقشات وضعية النقل الحضري، وكان يعتبر أن شركة "سيتي باص فاس" على حق وتستحق التعويض وتستحق الدعم لكي تقوم بخدماتها على الوجه المطلوب، خصوصا أنه خلال هذه المناقشات، التي تخلّلتها اجتماعات بين الشركة والجماعة مع الداخلية، ورغم تعبير الوزارة على رغبتها في إدراج الملحق في إحدى الدورات القريبة، فقد استمر الاعتراض على إدراج الملحق في الدورات اللاحقة طيلة سنوات 2019 و2020 و2021، قبل أن يصرح العمدة السابق، بتاريخ 14 يوليوز 2021، بأنه لا يمكنه إدراج هذه النقطة في جدول أعمال الدورة نظرا لاقتراب موعد الانتخابات التشريعية والجماعية والجهوية ليوم ثامن شتنبر 2021.
ومع ذلك، وبأفق إيجابي ونظرة متطلعة إلى المستقبل، قررت الشركة، آنذاك، الاستثمار في اقتناء الحافلات المتفق عليها دون انتظار الملحق، بتقديم طلبية بأزيد من 200 حافلة جديدة تريد الشركة أن تعزّز بها أسطولها بمدينة فاس...
عرقلة حل الأزمة من جديد بعمدة جديد
طوى المجلس الجماعي لمدينة فاس، الذي أفرزته الانتخابات الأخيرة، صفحة العمدة السابق إدريس الأزمي الإدريسي، بانتخاب المتلوّن الحزبي عبد السلام البقالي عمدة جديدا لمدينة فاس، وكان من حق عدد من المستشارين الذين واكبوا الأزمة، ومن حق شركة سيتي باص فاس نفسها، الاستبشار بالعمدة الجديد، فهو يعرف الملف، ويعرف الملحق، ويعرف الجهود، التي بذلتها الشركة من أجل تحسين وضعية النقل الحضري بواسطة الملحق، وبالتالي، ستصبح الطريق سالكة لإخراج الملحق إلى حيز الوجود... وبالخصوص والجميع يعلم أن أوضاع الشركة تفاقمت أكثر بتداعيات أزمة كوفيد-19 وتأثيراته المهولة على قطاع النقل الحضري، منذ مارس 2020، وزادت تفاقما بعدم استفادتها من أي دعم من طرف السلطات إلى حدود اليوم...
لكن الذي وقع كان خلاف المأمول، تجسيدا للمثل المغربي "ما تبدّل صاحبك غير بأكرف منو"... فالذي حدث كان مفاجئا وصادما بكل المقاييس، إذ انقلب العمدة الجديد رأسا على عقب، وأطلق العنان لتهجّمات مجحفة ضد الشركة، بأسلوب لا علاقة له بـ"أخلاقيات وآداب المسؤولية"، وأقرب منه إلى "البلطجية"، إذ شرع يتوعّد ويهدّد، وفرض على الشركة التراجع عن تطبيق الزيادة التعاقدية في الانخراطات، التي تعتبر، بقوة العقد، حقا مكتسبا لها، ومع ذلك، استجابت الشركة كمساهمة منها في خلق أجواء إيجابية تمكّن الأطراف جميعها من الانخراط في تعاون مشترك مثمر ومنتج...
تصعيد مدبّر في مواجهة تعامل إيجابي
ثم توالت أحداث عرقلة وتأزيم غريبة، في ظروف متعمّدة ومُعمّدة بخيوط مجهولة، توّجها العمدة الجديد بتهجّمات شرسة عبر تصريحات للصحافة وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، مروجا معلومات ومعطيات غير صحيحة عن الشركة، معلنا عن اختيار نهج التصعيد لأسباب مجهولة.
وما أن اتضحت صورة هذا التصعيد الصادم، حتى بادر مسؤولو الشركة إلى التحرك، وعقدوا، في نونبر 2021، لقاء مع العمدة، بحضور المدير العام لمصالح جماعة فاس، وقدّموا توضيحات دقيقة للوضعية الحقيقية للمرفق، وخطورة موقف الجماعة، وخطورة القرارات الأحادية المتخذة من طرف العمدة، وشدّدوا على حسن نية الشركة وعملها منذ سنة 2017 على إيجاد حلول من خلال الملحق، والاستثمار في حافلات جديدة.
بعد هذا اللقاء التواصلي، طلب العمدة من الشركة موافاته بمقترحات تتعلق بإعداد ملحق وإيجاد حل إيجابي في أقرب الآجال. فما كان من الشركة إلا الاستجابة، بروح إيجابية، لطلب العمدة، وأعدّت، في ظرف وجيز، مقترحات جدية بناءة ومعقولة تتضمن سيناريوهين من شأنهما أن يتيحا للعمدة ولأعضاء المجلس الجماعي اختيار الأنسب لهم حسب رؤيتهم للأمور:
مقترحات للحل بسيناريوهين
السيناريو الأول، قدمت فيه الشركة اقتراحات مبنية على نهاية العقدة سنة 2027.
السيناريو الثاني، قدمت فيه الشركة اقتراحات مبنية على تمديد العقدة بصفة قانونية إلى غاية سنة 2035، بتكلفة أقل للسلطة المفوضة، من شأنها أن تمكّن من إعادة التوازن المالي دون استثمارات كبيرة من طرف السلطة المفوضة، حيث بلغ الاستثمار المقترح من طرف الشركة مع الدعم مبلغ 355.880.000,00 درهم، موزعة على:
- الاستثمار في تجديد أسطول الحافلات
- وضع خطوط خاصة بفئة الطلبة
- تطوير نظام معلومياتي لإعلام المرتفقين بموقع الحافلة والتوقيت
- تركيب عدد مهم من أماكن إيواء المرتفقين عبر أرجاء المدينة
- تركيب أكشاك لبيع التذاكر
- الاستثمار في معدات وتجهيز المستودع
- وضع خطة اجتماعية لفائدة الأجراء
- إتاحة فرص التشغيل لشباب المدينة
- وضع انخراطات شهرية خاصة بفئة الصناع التقليديين وبفئة موظفي القطاع العام للصحة والتعليم والعدل بواجب شهري قدره مائتان وخمسون (250) درهما.
العمدة متلبّس بالعرقلة الممنهجة
مما يلفت الانتباه في هذا المسلسل، أن العمدة حينما اطّلع على هذا المشروع، عبّر لمسؤولي الشركة عن جدية المقترحات وعن استحسانه لها، ووعدهم بمناقشتها مع والي جهة فاس مكناس من أجل الحصول على موافقته عليها، وبإطلاعهم على مستجدات التواصل مع الوالي...
ومرة أخرى، وبشكل غريب وعجيب، خلد العمدة إلى صمت مطبق، طيلة شهر ونصف، دون أن يبدي أي تواصل مع الشركة لإطلاعها على جواب الوالي بخصوص مقترحاتها، ليتعمّد، بذلك، إبقاء حالة النقل الحضري على جمودها، الأمر الذي يصبّ في التأزيم وتوتير الأجواء وإشعال فتيل الاحتقان، ضاربا عرض الحائط ما يمكن أن تتطوّر إليه الأوضاع المنغلقة والآفاق المسدودة، مما يبدو أنها خطة متعمّدة ومستقصدة من العمدة وزبانيته لتفجير الوضع في مدينة فاس والركوب على الاحتجاجات لتحقيق مصالح ضيقة على حساب مصالح السكان...
أسباب نزول طلب التحكيم
لقد ظهر جليا أن كل ما يهم العمدة وزبانيته هو مصالحهم الشخصية، واستعمالهم الخسيس والبئيس والمشبوه لاحتجاجات الطلبة، والسعي المحموم للتأجيج والتحريض، إذ في الوقت الذي أغلق كل الأبواب في وجه الشركة المفوض إليها، التي لم تتمكّن، رغم جميع المجهودات المبذولة، من التواصل مع رئيس السلطة المفوضة، كان هذا الأخير، العمدة المستبد، هو وزبانيته، يعملون، وفق خطة مدبّرة للإطاحة بالشركة المفوض إليها، ويفتح قنوات التواصل مع شركات أخرى، بصورة مخالفة لحسن النية، الذي يفترض أن يكون أساس العلاقة بين طرفي العقد...
ولذلك، وأمام هذه التصرفات غير المعقولة، تابع الرأي العام موقف شركة "سيتي باص فاس"، التي قررت التوجه إلى وزير الداخلية من أجل طلب التحكيم بين الأطراف المتعاقدة مع شركة سيتي باص فاس لأداء مبلغ 280 مليار سنتيم، وهو المبلغ الذي حددته الشركة لمتابعة جماعة فاس من أجل أدائه، والذي يتحمّل العمدة، بمفرده، مسؤوليته الكاملة، وهذا ما يفترض أن يكون الرأي العام المحلي والوطني على علم به، وطرح الأسئلة الحقيقية، التي يجب أن تُطرح بدل تعمّد الركوب على المظاهر وبعض الصور، للوصول إلى جوهر المشكل، ومن يتحمّل المسؤولية كاملة عن التأزيم، إذ سنجد، من جهة، أن الشركة ظلت باستمرار تسعى إلى الحوار، وطرح الإشكالات الحاصلة، والتفاعل بكل إيجابية، في حين نجد، من جهة مقابلة، أن العمدة يتعمّد تعطيل التفاوض وتجاهل مقترحات الحلول، فضلا عن الكذب، إذ إن العمدة الكذّاب كان ينسب العرقلة دائما إلى الوالي، ويقول إنه هو شخصيا موافق والوالي هو الذي يرفض...
واليوم، ورغم الحملات التشهيرية، التي يجنّد لها العمدة الفاشل وزبانيته الذباب وصحافة الارتزاق، لن تغطّي على الجهة الحقيقية وراء عرقلة حل أزمة النقل الحضري بمدينة فاس عبر الحافلات، ووراء التوتير والتصعيد والتحريض وتأجيج الاحتجاجات، وهذه هي الصورة الحقيقية للوضع: هناك حل اتفقت عليه الأطراف بوساطة وزارة الداخلية عن طريق مسطرة التحكيم.. شركة "سيتي باص فاس" تسعى إلى الالتزام به، والوالي يطالب بتنفيذه، والعمدة يتمرّد ويرفض، ويعقد الاجتماعات المشبوهة ويتناور للالتفاف على الحل وعرقلته لفرض مؤامرته المدبّرة بفسخ العقدة مع الشركة، لأنه في حال قبل بتنفيذ الحل المقترح، يتعزز أسطول الحافلات، وسيكون السكان على موعد مع حافلات بجودة عالية، تُكلّف استثمارات كبيرة بملايير الدراهم، وتؤمّن لهم خدمات متطورة وراقية، وتضمن لمستخدمي النقل الحضري ظروف اشتغال مريحة ومجزية، وتفتح أمام شباب المدينة فرص شغل بأعداد مهمة، وهو ما سيكفل ضمان نقل جيد وآمن ومريح يستجيب لتطلعات سكان فاس، ويؤهّل العاصمة العلمية للمملكة للارتقاء إلى مصاف الحواضر العالمية الكبرى...
لكن المفارقة، أن هذا هو ما يقاومه العمدة وزبانيته بكل شدة وبكل اندفاع وتهوّر، لأن حدوثه سينزع من أيديهم جميعا كل إمكانيات التأجيج والتحريض، وستصطدم مؤامرتهم بالفشل الذريع...، فتضيع مصالحهم الخاصة الضيقة، وتضيع معها سبل الانتفاع أمام الذباب وأشباه الصحافيين، ولذلك نفهم جيدا تحرّكاتهم وتضليلاتهم وتهجماتهم المحمومة... وهذا طبيعي، فالفاسدون لا يمكن إلا أن يدافعوا عن الفاسدين...
لكل ذلك، من المهم جدا فتح تحقيق جوهري وجدي ومسؤول وشامل، لضبط ومعاقبة المتورّطين الفعليين في عرقلة حل أزمة النقل الحضري بفاس، وكذا المجنّدين لخدمة الأهداف المبيتة للمتورّطين... حتى تصفو الأجواء، وتفسح المجال لظروف مغايرة من أجل بناء علاقة جديدة وإيجابية للمساهمة، مع باقي الأطراف المعنية، في تحسين وتجويد خدمات النقل الحضري، الذي يضطلع بأدوار مهمة في تحريك عجلة التنمية المحلية، وفي التماسك الاجتماعي، الذي يهمّ، بشكل مباشر، المواطنات والمواطنين...