فرنسا تراكم الأخطاء القاتلة وتشتري العداوات المجانية
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
فرنسا تنتحر سياسيا وديبلوماسيا وثقافيا واقتصاديا وجيوسياسيا...
العجرفة الزائدة في غير وقتها، والاستسلام ليمين متطرف أعمى، والحسابات الضيقة المقطوعة عن التاريخ والمسؤوليات المترتبة عليه، وضعف الذاكرة، والهزال الثقافي لنخبة حاكمة ولإدارة متردية... أمور تقود، لا محالة، إلى فقدان القدرة على التكيف مع الوضعيات المتغيرة بما يلزم من المرونة، وتلك مشكلة فرنسا حاليا.
فرنسا تشتري العداوات المجانية حاليا، وفي تاريخها الاستعماري أصلا ما يحرك تلك العداوات ويؤججها، إن كان يعلم بذلك ماكرون ومن يقفون وراءه، ولا تتردد في الإقدام على خطوات حمقاء خرقاء ضد من يفترض أنهم أصدقاؤها وبشكل لا يخلو من استفزاز.
سلوكها في ما يتعلق بالتأشيرات مع المغاربة، مثلا، وبغض النظر عما يمكن أن تتذرع به باعتبارها جزءا من الفضاء الأمني لشنغن، واحد من الأخطاء التي لا تغتفر، لأنه سلوك يتعمد الإهانة، مما يستدعي، في رأيي، رد الصاع صاعين، حفاظا على هيبة الدولة المغربية الغيورة على الاستقلال الوطني، وعلى علاقات تقوم على الاحترام المتبادل بين المغرب وبين كل شركائه، وعلى مصالح المغاربة الذين يتعرضون للنهب واللصوصية غير المتخفية من طرف القنصليات الفرنسية على الخصوص، والقنصليات الأوروبية التي تعتبر فرنسا مرجعا في المغرب أو الفضاء المغاربي عامة، وحفاظا على الكرامة الوطنية التي دافع عنها مقاومون ووطنيون بدمائهم وأرواحهم...
القنصليات الفرنسية في المغرب نموذج للقنصليات في باقي البلدان الأفريقية التي كانت خاضعة للاستعمار الفرنسي، حيث يعين فيها موظفون جاهلون بالتاريخ وبالسياسات الفرنسية وبالثقافة الفرنسية، ويتصرفون كما لو أن الاستعمار لم ينته بالمقاومة وبقرار أممي، وكما لو أن مواطني البلدان الأفريقية يستمرون في استجدائهم، بينما المعروف عالميا أن فرنسا بدون أفريقيا وما تنهبه منها تفقد جزءا معتبرا مما تعتبره ثروة وطنية، وتفقد موقعها الدولي وتتراجع، كما أشار إلى ذلك ممثلو اليمين المتطرف الإيطالي الذي لا يعتبر نموذجا إلا للمتطرفين، إلى المرتبة 15 عالميا من حيث الثروة!
غير خاف أن للفرنسيين تجارب سيئة كان ثمنها باهضا بالنسبة لفرنسا، ومن بينها تصرفها مع ألمانيا بعد اتفاقية فيرساي في نهاية الحرب العالمية الأولى، الذي كان تصرفا متعجرفا واستفزازيا وتحقيريا للألمان، حيث يتحملون مسؤولية كبيرة في صعود النازية وهتلر، وفي اندلاع الحرب العالمية الثانية، التي ذهب ضحيتها عشرات الملايين من البشر، ومنهم عدد كبير من المغاربة والأفارقة.
فرنسا تنتحر اليوم لأنها تخلق مزيدا من الأعداء ببلادة لا تليق بها، والنتيجة الأولى التي يمكن أن تتلوها نتائج أسوأ هو خروجها مهزومة في أفريقيا الوسطى ومالي وبوركينا فاسو، حيث باتت روسيا، التي لا تستند إلى تاريخ استعماري في المنطقة، ولا تتحرك اليوم على أساس إيديولوجي، حليفة لحكام هذه الدول المعادية لفرنسا بالدرجة الأولى...
ليس لهذا التعليق علاقة بشخصي، لأنني قررت، منذ سنوات، أن أغير الوجهة في حال ما إذا توفرت لي إمكانيات للسفر إلى الخارج، وأن لا أذهب لا إلى فرنسا ولا أي بلد أوروبي ينظر لي فيه على أنني مشروع "حراك". الأوروبيون يشيخون ويصبحون، جراء ذلك، أكثر محافظة وعنصرية، وأقل ثقافة وتحضرا! ولذلك، لا عجب أن يرتفع منسوب العدوانية والعنصرية والمحافظة لدى قنصلياتهم وسفاراتهم وإداراتهم...