الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بعد فشل أخنوش في تدبير الأزمة.. الملك يسجل التأخر والتبذير والاستغلال العشوائي للمياه

 
مراد بورجى
 
 
استمعت، بإمعان، إلى خطاب الملك محمد السادس، اليوم الجمعة 14 أكتوبر 2022، في افتتاح السنة التشريعية الثانية من الولاية الحالية للبرلمان، وكان لافتا التركيز على معضلتين، يتصدران القضايا الكبرى للمغرب والمغاربة، وهما شحّ المياه وإشكاليات النهوض بالاستثمار، وفي القضيتين معا، غابت الحكومة من الخطاب الملكي، إذ ألغاها كليا من الموضوع، مما يؤشّر إلى أن حكومة عزيز أخنوش لم تقدّم أي شيء ذا بال للمساهمة في مواجهة هاتين المعضلتين...
 
نتناول اليوم القضية الأولى، بما أنني كنت طرحت، في مقال سابق، منذ تسعة أشهر خلت، معضلة المياه، التي يعاني منها المغرب، وفشل رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، الذي كل ما يهمه هو تسمين ثروته بالزيادات الفاحشة في أسعار المحروقات، في التعامل مع أزمة الجفاف، ورصدت خلفيات دخول الملك محمد السادس شخصيا على خط تدبير هذه الأزمة الخانقة، التي تهدد البلاد والعباد بالعطش...
 
مرة أخرى، يعود الجالس على العرش، اليوم، إلى معضلة الماء، ويضطر إلى التذكير بالمبادرات الملكية، في هذا الصدد، منذ شهر فبراير الماضي، من خلال "اتخاذ مجموعة من التدابير الاستباقية، في إطار مخطط مكافحة آثار الجفاف، بهدف توفير ماء الشرب، وتقديم المساعدة للفلاحين، والحفاظ على الماشية"، إضافة إلى عقد "عدة جلسات عمل لهذه المسألة، تكللت بإخراج البرنامج الوطني الأولوي للماء 2020-2027"، يقول الملك في خطاب الافتتاح...
 
لقد اضطر عاهل البلاد، كما أكدنا ذلك، إلى أخذ زمام الأمور بنفسه، والاستجابة إلى صرخات الفلاحين الصغار والمتوسطين، الذين ظلوا، لعدة شهور، يستغيثون ويرفعون أصواتهم بالشكوى ويطلبون الدعم، دون جدوى، من حكومة الملياردير عزيز أخنوش، التي تركتهم لوحدهم يواجهون الفقر والتهميش، بسبب تفاقم معاناتهم من التدهور البيئي، في ظل شح الأمطار وصعوبة الحصول على مياه الري، والارتفاعات المهولة في أسعار الأعلاف والبذور والأسمدة...
 
وكان طبيعيا أن هذا التقاعس الحكومي هو ما دفع الملك للتدخل، حيث استدعى، يوم الأربعاء 16 فبراير 2022، كلا من رئيس الحكومة ووزير الفلاحة، وأمرهما باتخاذ كافة التدابير الاستعجالية الضرورية، لمواجهة آثار نقص التساقطات المطرية على القطاع الفلاحي، كما أمر بأن يساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ 3 ملايير درهم في برنامج استثنائي سيكلّف غلافا ماليا إجماليا يبلغ 10 ملايير درهم...
 
الأمر الملكي يستدعي منا، ونحن نستمع إلى عودة الملك إلى طرح إشكالية الماء من جديد، أن نسائل الحكومة على فشلها في تنفيذ التوجيهات الملكية، ومساءلة عزيز أخنوش بالذات، باعتباره رئيسا للحكومة، وباعتباره الوزير المسؤول عن القطاع الفلاحي منذ عقد ونصف، إلى أن تولى رئاسة الحكومة، مما يطرح سؤالا كبيرا وعريضا وجارحا ومستفزا عن مسؤوليته الذاتية والمعنوية والفعلية في كون الفلاحة المغربية لم تتحرّر بعد من ارتباطها القدَري بما تجود به السماء، إذ يكفي أن تتأخر الأمطار لبضعة شهور حتى يصبح القطاع، ومعه الأغلبية الساحقة من الفلاحين، في وضع كارثي؟!
 
لفهم كل هذا، كما سبق أن قلنا، غير ما مرة، لابد أن نعود إلى 15 سنة مضت بالتمام والكمال، أي إلى 15 أكتوبر 2007، تاريخ تعيين الملياردير عزيز أخنوش وزيرًا للفلاحة، الذي ظل يُمسك حقيبتها إلى غاية 10 شتنبر 2021، تاريخ تعيينه رئيسًا للحكومة، وكانت له "الجرأة" أن اقترح على الملك محمد السادس أن يُعين محمد الصديقي وزيرا للفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، الذي هو بالمناسبة ليس إلاّ كاتبه العام بنفس الوزارة، الذي تولّى هذا المنصب منذ سنة 2013، وبذلك تظل أسرار هذا القطاع متحكَّما فيها حتى لا يأتي شخص من خارجه فيفتح ما بداخله من ملفّات مشتعلة.
 
فماذا فعل عزيز أخنوش، أسابيع قليلة بعد تعيينه وزيرًا للفلاحة؟ لقد خفّ رجليه إلى مكتب ماكنزي الأمريكي "بدعوى" إجراء دراسات لاستراتيجية فلاحية تنموية، وبعد أشهر قليلة، أي في شهر أبريل 2008، وبمناسبة افتتاح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، سيعلن أخنوش عن إطلاق مخطط المغرب الأخضر...
 
وعلى مدى 13 سنة، صُرفت مبالغ جد ضخمة تُقدّر بآلاف الملايير من السنتيمات على "مخطط المغرب الأخضر"، الذي انتهى أمده سنة 2020، وصولا إلى "استراتيجية الجيل الأخضر"، الذي عوّض المخطط وسيمتد إلى سنة 2030، دون الحديث عن "صندوق التنمية القروية"، الذي استعمل مناورة مفضوحة مع زميله في المالية ومرؤوسه في حزب "التجمع الوطني لغلاء الأسعار" محمد بوسعيد، ليهيمن على ملايير الصندوق بعدما انتزعه من رئيس الحكومة الأسبق عبد الإله بنكيران؟!
 
هذا جانب من عوامل فشل أخنوش في تدبير هذه الأزمة.. هناك جانب آخر لا يقلّ أهمية، بخصوص قضية الأمطار والتغيرات المناخية... يقول مثل مغربي سائر: "من لحيتو لقّم ليه"، وهنا نعود إلى كلمة أخنوش، التي ألقاها في افتتاح المناظرة الوطنية التاسعة للفلاحة بمكناس، قبل خمس سنوات، إذ قال إن مخطط المغرب الأخضر طوّر، منذ إطلاقه، ثلاثة برامج رئيسية لملاءمة الفلاحة مع التغيرات المناخية، تتعلق بالبرنامج الوطني لاقتصاد الماء في السقي، وبرنامج توسيع السقي، وبرنامج الشراكة في القطاعين العام والخاص في مجالي الري، الذي ذهب أخنوش بعيدا فيه بالقول إنه سيمكّن من اقتصاد حوالي ملياري متر مكعب من المياه سنويا، ومضاعفة تثمين مياه الري، وتثمين استغلال ما يناهز 1,2 مليار مكعب إضافية من المياه، ستوفرها السدود المنجزة أو تلك التي ما زالت في طور الإنجاز.
 
لكننا اليوم، وبعد مرور عقد ونصف من الزمن، يتضح أن كل هذا لم يكن سوى كلام ووعود "كاذبة" شبيهة بنفس الوعود الانتخابية، التي دغدغ بها عزيز أخنوش مشاعر الناخبين لينقضّ على كرسي رئاسة الحكومة.
 
وهذا ما تأكد جليًا من خلال العديد من التقارير المختلفة والمتعددة، النقابية والحزبية، فضلا عن التقارير الرسمية، وفي صدارتها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، الذي كان قد خصّص أكثر من 400 صفحة لجلد عزيز أخنوش، وتشريح انزلاقات بالجملة واختلالات عديدة مع ضعف ملموس في تسييره لقطاع الفلاحة... وبسبب هذا الفشل، أصبح المغاربة مهدّدين بالعطش...
 
أما التأكيد الأكبر، فهو اضطرار الملك إلى العودة إلى هذه الإشكالية، اليوم، وعوض أن يسجّل ما قامت به الحكومة من أعمال محمودة منتظرة في تنفيذ التوجيهات الملكية، سيضطر إلى أن يستعمل لغة الحقيقة، التي لم يذكر فيها الحكومة، ويسجّل "التأخّر الذي يعرفه هذا القطاع"، وأن "المغرب أصبح يعيش في وضعية إجهاد مائي هيكلي"، والدعوة إلى ضرورة "القطع مع كل أشكال التبذير، والاستغلال العشوائي وغير المسؤول، لهذه المادة الحيوية"، مع التنبيه إلى أنه "ينبغي ألا يكون مشكل الماء، موضوع مزايدات سياسية، أو مطية لتأجيج التوترات الاجتماعية"...
 
ملحوظة: في مقال لاحق، نتوقف عند المعضلة الثانية، التي طرحها الخطاب الملكي، والتي تتعلّق بالاستثمار، الذي كان الجالس على العرش ينتظر النهوض به، فإذ بالعراقيل تزداد تضخّما، وتحوّل بعض المسؤولين إلى أعداء فعليين للاستثمار والمستثمرين، كما هو الحال، تمثيلا لا حصرا، في الدارالبيضاء...