ضحايا "رخص الاستثناء" و"المباني الأثرية" بالدارالبيضاء.. مستثمرون بلا قيمة يا جلالة الملك!؟
الكاتب :
"الغد 24"
مراد بورجى
"مستثمرون بلا قيمة يا جلالة الملك".. هذه هي العبارة، التي نطق بها أحد المستثمرين، بعدما تمعّن في ما قاله الملك محمد السادس، أمس الجمعة، في خطاب افتتاح البرلمان، حول دعم الاستثمار بالمغرب.
ثار الرجل في وجهي قائلًا إن مسؤولي مدينة الدارالبيضاء، وعلى رأسهم والي هذه الجهة، سعيد احميدوش، ومعه بالخصوص توفيق بنعلي، مدير الوكالة الحضرية للدارالبيضاء، أعتبرهم "قتلة متسلسلين" للمشاريع وقد يتسببون حتى في إزهاق الأرواح، ثم أخرج هاتفه المحمول ليُريني شريط فيديو يتعلق بورش مشروعه الاستثماري، الذي خص له مبلغ 18 مليار سنتيم، لبناء فندق مصنف خمسة نجوم من 114 غرفة، وتوفير 130منصب شغل، وهو ما من شأنه ضمان استقرار 130 أسرة، علاوة عن ضخ العملة الصعبة في خزينة الدولة، وقد أصبح عبارة عن حفرة بعمق 12 مترًا مليئة بمياه الفرشة المائية بسبب أمرٍ إداري قضى بتوقيف ورش الأشغال في مشروعه الاستثماري لمدة ثلاث سنوات تقريبا، رغم توفره على كل التراخيص القانونية اللازمة، ابتداءً من رخصة الاستثناء صادرة عن الوالي احميدوش نفسه، ورخصتي الهدم والبناء الصادرتين عن مجلس مدينة الدارالبيضاء، ووثيقة رسمية صادرة عن مدير الوكالة الحضرية للدارالبيضاء، توفيق بنعلي، تفيد أن وعاءه العقاري، الذي خصصه لهذا المشروع، غير مقيّد في عِداد الآثار ضمن المباني التاريخية.
الخطير، الذي قاله لي هذا المستثمر هو أن هذه العراقيل ما زالت تحدث في الدارالبيضاء، في هذا اليوم بالذات، وهو يستمع إلى خطاب الملك محمد السادس، الذي وجّه فيه أوامر ملكية صارمة لجميع المتدخلين، يأمرهم بـ"رفع العراقيل، التي لاتزال تحول دون تحقيق الاستثمار الوطني لإقلاع حقيقي، على جميع المستويات"، ليشدّد على أن "المراكز الجهوية للاستثمار مطالبة بالإشراف الشامل على عملية الاستثمار، في كل المراحل، والرفع من فعاليتها وجودة خدماتها، في مواكبة وتأطير حاملي المشاريع، حتى إخراجها إلى حيز الوجود"...
وتبلغ المفارقة، هنا، ذروتها المأساوية، بموقف هذا المنعش العقاري، الذي يقول إنه لم يعُد يولي، في هذا الوقت، أهمية لمشروعه الاستثماري، بقدر ما أصبحت أولويته، التي يسارع الزمن من أجلها، هي درء الخطر الداهم، بسبب عمق الحفرة بورشه (12 مترا)، التي امتلأت بعشرات الأطنان من مياه الفرشة المائية، التي أصبحت تأكل التربة تحت المباني المجاورة، ومعها الرصيف، منذ أكثر من أربعة أشهر، ناشد خلالها ومازال يُناشد السلطات المحلية حتى هذا اليوم، يوم خطاب الملك، من أجل الترخيص له لتثبيت رافعة تمكّنه من إفراغ أكثر من 150 طنا من الإسمنت المسلح لإزالة هذا الخطر المحدق، الذي قد يتسبب في انهيار فندق من 14 طابقا ومدرسة من 07 طوابق والرصيف، المجاورين للحفرة "القنبلة".
ولتأكيد ما قدّمه من معطيات، بدأ هذا المستثمر يُخرج من محفظته عدة طلبات وجّهها إلى مختلف عمّال ومسؤولي جهة الدارالبيضاء، وعلى رأسهم الوالي سعيد احميدوش، يناشدهم، من خلالها، تسهيل مأموريته للقيام بتدعيم المباني المجاورة ودرء الخطر المحدق بها! والأدهى أن هذا هو نفسه ما أمرت به نفس تلك السلطات وأولئك المسؤولون، وهم أنفسهم من يمنع المستثمر من تنفيذ الأمر، "إيوا فهم تسطى" كما يُقال!
وخلص المستثمر إلى القول إن الوالي وعماله لم تعُد تهمهم أرواح الناس ولا ممتلكاتهم، ولم يعودوا يكترثون بما قد يقع، لدرجة أنهم بعثوا له رسالة جوابية رسمية، قبل يومين، تقول له إن هذه السلطات، بصريح العبارة، تمنعه من تثبيت الرافعة الضرورية داخل ورشه، وتمنعه من استعمال أية وسيلة أخرى تُساعده على درء ذلك الخطر الماحق، بعدما راسلها، بدوره، يقول لها إنه نظرا للخطر الداهم، ولتآكل التربة تحت البنايات المجاورة، ومخافةَ حدوث انهيار خطير، سيقوم بتثبيت الرافعة دون انتظار الترخيص بذلك، بسبب التماطل الممنهج، الذي مارسته سلطات الدارالبيضاء، وعدم استجابة مسؤوليها لعدد من طلبات الترخيص لأكثر من أربعة أشهر من وضع أول طلب من المهندسين القائمين على المشروع للقيام بعملهم...
وقبل أن يختم حديثه وشكواه، طرح هذا المنعش العقاري سؤالا جارحا: "ماذا يقول يا تُرى رئيس هؤلاء المسؤولين، وزير الداخلية، عبد الوافي لفتيت، بعد ما سمعتُ الملك محمد السادس يقول عني كمستثمر، وعن كل المستثمرين، وعن الاستثمارات ككُل: (ينبغي أن تحظى بالدعم اللازم، من طرف جميع المتدخلين، سواء على الصعيد المركزي أو الترابي)؟"... ثم توجه إلي مستدركًا بالقول: "وماذا كان تأثير الخطابات الملكية السابقة على هؤلاء المسؤولين وكل المتدخلين معهم الذين يزدرون كل ما قاله ويقوله الملك، منذ ثلاث سنوات، والذين أوقفوا مشاريع المستثمرين بدون سند قانوني، مع قيامهم بتحقير كل الأحكام القضائية الصادرة ضدهم، والتي اتهمتهم بالشطط في استعمال سلطتهم بهكذا قرارت ضدي ومعي العديد من المنعشين العقاريين، الذين يعاقبهم الوالي سعيد احميدوش ومدير الوكالة الحضرية ومن معهم، لمجرد أننا فكرنا في الاستثمار في جهة الدارالبيضاء، فإذا بنا نصبح مهددين بالسجن؟"...
كان السؤال قويا ومنطقيا، ويضع اليد على الجرح في قضايا انسداد وتعطيل العديد من الاستثمارات من قبل مسؤولين ما عادوا يقيمون وزنا لا للخطابات الملكية، ولا للقواعد المؤسسية للنهوض بالمشاريع الاستثمارية، مما يستدعي أسئلة أخرى: من يحمي هؤلاء؟ من يسعى إلى إفشال البرامج والمبادرات الملكية للنهوض بالاقتصاد وتحفيز الاستثمار؟ من يتعمّد تأزيم الأوضاع وتوتير الأجواء واستهداف مشاريع المستثمرين ومصالح المواطنين على السواء؟