فضيحة وزيرة تجهل قطاعها في الاقتصاد الاجتماعي.. من دراسة مكرورة إلى "النقيل" والخبط والعشوائية
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
خرج عدد من وزراء الحكومة الحالية من حالة السُّبات، التي جعلت المغاربة غير عارفين بوجودهم وبأسمائهم وبالوزارات التي وُضعوا على رأسها، والبيّن أن رئيسهم قد دفعهم إلى ذلك بعدما راجت إشاعة عن قرب تعديل حكومي، تم تكذيبها في انتظار الآتي، لكن هذا الخروج كان عشوائيا، واعتمد على أكلات بائتة أو مثّلَ تفاعلا ساذجا، حتى لا ننعته باللامسؤول، مع ما يتم تداوله في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولعل خرجة وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، فاطمة الزهراء عمور، من أكثر الخرجات كارثية في هذا التوقيت. ذلك أن السيدة الوزيرة، التي يصفها البعض بالتكنوقراطية، أعلنت عن مَنح دراسة لأحد المكاتب الخاصة، الذي لا تُعرف خبرته في الموضوع، من أجل إعداد إطار قانوني للاقتصاد الاجتماعي بتمويل أوروبي، وهو ما يعني أن الوزيرة تجهل تماما معطيات القطاع الوزاري، الذي تشرف عليه، وتجهل، في الوقت نفسه، المعطيات المتعلقة بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمغرب.
ذلك أن الدراسة التي أعلنت عن تكليف مكتب دراسات بإنجازها تعد تكرارا مملا لدراسة سبق أن موّلتها منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) منذ وقت قصير، وتم تقديم نتائجها في ندوة. ومعنى ذلك، وكما جرت العادة، أن الدراسات تجرى لتوضع في الرفوف، وتُنسى، لتتم العودة إلى نقطة الصفر، مع ما يترتب على ذلك من إهدار للمال العام، ومن إهدار للسمعة، عندما يتعلق الأمر بتمويلات دولية.
إجراء دراسات متكررة عن نفس الموضوع هو قمة العبث وعلامة على فقدان الكفاءة المطلوبة في وزراء مفروض أن يحرصوا على النجاعة والفعالية من أجل بلوغ أهداف ملموسة تتقدم بقطار التنمية، ومن المحتمل جدا أن تكون الوزيرة، عن جهل، قد وافقت على ما أعدته الإدارة دون أن تشغّل مخها جيدا وتطرح على الأقل أسئلة حول ما كان وحول الجدوى والغاية.
وعندما نتحدث عن الجدوى، في هذا السياق، فإن الصدمة تكون أكبر. ذلك أن مجرد إعداد إطار قانوني شامل للاقتصاد التضامني والاجتماعي بالمغرب يعتبر ضربا من العبث وإفراطا في "النقيل" من فرنسا، على طريقة التلاميذ الكسالى، الذين يكتفون بنقل ما يكتبه غيرهم، حتى ولو كان هذا الغير غارقا في الخطأ، غير عابئين بالنتيجة. ذلك أن فكرة إعداد قانون شامل لمكونات الاقتصاد التضامني والاجتماعي وجدت طريقها إلى الإدارة المغربية بعدما اعتمدت فرنسا قانونا من هذا القبيل عندما كان الاشتراكي بونوا أمون وزيرا مشرفا على القطاع في ظل رئاسة هولاند، وكان الأمر "تخربيقة" حتى بالنسبة لفرنسا، إذ سرعان ما طوى النسيان ذلك القانون غير القابل للتنفيذ، وتم التخلي عن وزارة الاقتصاد الاجتماعي كذلك بعد تولي الوزير الذي كان مشرفا عليها إلى وزارة التربية والتعليم.
وحين نعود إلى واقع مكونات الاقتصاد التضامني والاجتماعي في المغرب، فإننا يمكن أن نخلص بسهولة، شرط التوفر على حد أدنى من المعرفة، إلى أن هكذا قانون لا معنى له، وسيصعب جدا إعداده، كما ظهر من خلال الدراسة السابقة، التي موّلتها "الفاو"، وسيكون في حال اللجوء إلى استنساخ القانون الفرنسي قانونا ميتا منذ ولادته، إذ إن مكونات هذا القطاع، ولنسميه قطاعا تجاوزا رغم أنه لا يحظى بأي تمييز في المحاسبة الوطنية، متعددةُ الوضعياتِ القانونيةِ تاريخيا، وارتباطاتها بالإدارات والوزرات كذلك، وبشكل يجعل جمعها في سلة واحدة وتحت سلطة واحدة من المستحيلات. ذلك أن التعاونيات نظريا تحت وصاية قطاع الاقتصاد الاجتماعي، ولها قانون خاص منذ 1984، تم تحيينه بصعوبة في السنوات الأخيرة للخروج من نظام الترخيص المسبق الغبي، لكنها تبقى عمليا موزعة وموضوع استغلال من طرف كل إدارة ترغب في ملء تقارير الإنجازات بالخزعبلات والكذب، مادام أكثر من نصف عدد التعاونيات المدرجة في الإحصائيات الرسمية ميتا، والتعاضديات تحت وصاية وزراة الشغل والصحة أو المالية بحسب تخصصها، ولها إطارها القانوني المختلف عن قانون التعاونيات، والجمعيات، التي ينطبق عليها مفهوم الاقتصاد الاجتماعي، لها أيضا إطارها القانوني، الذي يطرح إلى اليوم إشكالات عويصة لم يتم حلها، لأن ظهير 1958، كما تم تحيينه مرارا، لم يستوعب، في الأصل وفي التحيين، الجمعيات التنموية التي لم تعد، كما لم تعد التعاونيات، ذات هدف غير ربحي، وهذا ما تمت معالجته في قانون المالية لسنة 2005، الذي أدخل الجمعيات تحت مظلة الشركات الخاضعة للضريبة، كما وضع نظاما ضريبيا للقطاع التعاوني أنهى الإعفاء المطلق، أما مؤسسات الرعاية، فإنها تعتبر إلى الآن جمعيات وليس للدولة في هذا الميدان المهم سياسة واضحة للنهوض به وتوجيهه وجهة سليمة، وتجنب استعماله لممارسة الغش الضريبي، الذي يعرف الجميع أن بعض التعاونيات الكبرى العائلية في مجال العسل، مثلا، تمارسه علنا بينما لا يجمعها بالعمل التعاوني إلا الاسم والتحايل.
هذه مجرد إشارات سريعة، يمكن عند الحاجة الدخول في تفاصيلها، وهي كفيلة بأن تكشف، لكل من يرغب في أن يرى البلاد تسير بوتيرة معقولة لحل مشاكلها والتقدم على سكة التنمية، أننا بصدد حكومة تدعي ما ليس فيها، وتتصرف في الشأن العام بالخبط والعشوائية، مع الرهان على تواصل مغشوش يغلف المعلومات والمعطيات الحقيقية لخلق إيحاء مغلوط بكفاءة غير متوفرة.
مثل هذه الدراسة على دراسة سابقة، في بلد يُقدَّم فيه الحساب فعلا وليس في نصوص لا تُفعّل، فضيحة. والوزيرة في النهاية لن تخسر شيئا، فالمغرب وفقراؤه هم الخاسرون، لأن الاقتصاد الاجتماعي، منذ انطلاقه في صيغته الحالية في ثمانينيات القرن الماضي، موجّه إلى محاربة الفقر والهشاشة والحلول محل الدولة التي دخلت منذئذ مرحلة التخلّيات تحت تأثير هجوم كاسح لليبرالية المتوحشة...