الدولة والحكومة والجفاف.. الأمن الغذائي يبدأ بفك الارتباط بالسماء والمطر
الكاتب :
"الغد 24"
عزيز رويبح
الجفاف ظاهرة طبيعية، أصبح، اليوم، ذا طابع هيكلي في المغرب، بعدما كان بالأمس، منذ الاستقلال السياسي، لازمة متوالية، واجهتها الحكومات المتعاقبة بسياسة السدود، للتغلّب على سنة جافة واحدة، مقابل عشر سنوات ماطرة، تقلّصت، مع الزمن، إلى ثماني سنوات، قبل أن تتقلّص إلى أربع سنوات حاليا...
معنى ذلك أن سياسة السدود لم تعد مُجدية، لأنها كانت تعتمد على السماء، لكن مع شحّ الأمطار وندرة المياه، فإن التعاطي مع الجفاف صار معطى هيكليا، يتطلب تدبيرا سياسيا مغايرا يفرض على الدولة التعامل معه بعقلانية وباستباقية مدروسة، تقطع فيها مع انتظار ما ستجود به السماء، لتستحضر احتمالات المخاطر المفترضة والحلول الممكنة.
الجفاف ليس قضاء وقدرا، بالضرورة، بل هو معطى طبيعي وجغرافي واقتصادي عادي يخضع لشروط بيئية مضبوطة ومحددة، فهو ليس قاهرا ولا عارضا ولا مفاجئا، وتاريخنا الطبيعي شاهد إثبات على متواليات الغيث والقحط، ومن غير المعقول مواجهة هذا الواقع بصيغة القرون الوسطى...
الدولة مبدئيا عقل وتفكير، واحتياط وتدبير، وتأمين واستباق أمنٍ وحمايةٍ ودفاعٍ ونجدةٍ، فهذه هي أسس ومنطلقات العقد الاجتماعي والسياسي القائم بين عموم الشعب والدولة، لا مجال فيه للميثافيزقيا ولماورائيات الواقع، التي ليست سوى مضامين ضمنية للتبرير ولاستشعار العامة بالذنب والخطيئة!
للدولة مؤسساتها ورجالها ونساؤها، وفي واجهة التدبير لها حكومتها، بيد أنها حكومات دون استراتيجيات استشعار المخاطر، إذ تتصرّف وكأن لا شيء يقع في البلاد، وعندما تقع الواقعة، يضطر رئيس الدولة إلى التدخل وإقرار مخطط إنقاذ، وبين هذا وذاك، تأكل من الكتف وترغد وتنعم وتخطب، لا فرق عندها بين السنوات العجاف والسنوات السّمان، فدائما حقها في "الترف" مكفولٌ مقابل طبعا واجبها في التخطيط والإعداد لتأمين جوهر التعاقد، حيث قاعدته الأساس الحق في الحياة، وفي الكرامة، وصيانة أوليات حفظ البقاء من مأكل ومشرب، وصون للمتلكات بغض النظر عن طبيعتها وقيمتها...
لا أحد منا مذنب، ولا أحد منا أخطأ لحد أن يـسلّط علينا الجفاف، فتفريد العقوبة اجتهاد إنساني محظ، لا أظن أن الله سيكون في حكمه أقل عدلا مما وصل إليه البشر...
الدولة مبدئيا تكثيف لعقلنا الجماعي الاستراتيجي في حيّز حدود الوطن والزمن، والحكومة تكثيف لعقل جماعي مرحلي، لجماعة معينة، بتوجّهات محددة، لتدبير شؤوننا العامة في فترة زمنية محسوبة، وكل اختلال في التدبير هو انعكاس ونتيجة للأعطاب والاختلالات التي تعتري عقلنا الجماعي المرحلي، وليس نتيجة لعلاقتنا الروحية بمراكز أخرى.
مسؤولية الدولة والحكومة قائمة في ما نحن عليه... والغيث آتٍ، تماما كما القحط آتٍ...
والفيصل في التصدي عقل وسياسة، وتدبير مغاير لمغرب تغيّر، لسياسات جديدة تؤمّن استقلالية بلادنا من الارتهان إلى الأمطار، بلادنا اليوم في حاجة ملحّة إلى الإبداع في بلورة حلول مبتكرة لتحقيق الأمن الغذائي لكل المغرب ولكل المغاربة...