فضيحة 17 مليار درهم لا يمكن طيها هكذا.. المغرب أمام مهمة استراتيجية تتعلّق بتأهيل قدراته التخزينية
الكاتب :
"الغد 24"
محمد نجيب كومينة
هبوط أسعار البترول في السوق الدولية نتيجة استعمال بعض الدول لمخزونها، من قبيل الصين والهند وبريطانيا واليابان، والخوف من تأثير ظهور المتحور الجديد على النمو والنشاط الاقتصادي وتبادل السلع دوليا، يطرح على المغرب سؤالا كبيرا ومستقبليا يخص تطوير قدرات التخزين لمواجهة الأزمات الطارئة أو المستدامة عالميا أو تقلبات السوق الدولية، التي تتوالى بوتيرة غير مسبوقة...
ولا يتعلق هذا السؤال بالقدرات التخزينية في الميدان الطاقي، التي تكتسي أهمية خاصة، بل وأيضا ميادين أخرى كالغذاء والبذور والدواء، وغير ذلك مما يعتبر من أساسيات الاستهلاك والإنتاج والصحة العامة...، لأنها تشكل مكونا رئيسيا من مكونات الأمن الوطني بمعناه الشامل والاستراتيجي.
التوفر على قدرات تخزينية وعلى مخزون مهم من مختلف السلع الاساسية يكتسي اليوم، واكثر من اي وقت مضى، اهمية استراتيجية بالنسبة لكل الدول المسؤولة ليس فقط لتحاشي وضعيات الندرة، التي نرى أثرها في جوارنا، وما يمكن أن يترتب عنها من مخاطر، بل لاكتساب قدر من الاستقلالية والمرونة في اتخاذ القرار والتدبير في مواجهة التقلبات والوضعيات الطارئة أو حتى المناورات الخبيثة، التي يمكن أن تلجأ إليها بعض الأطراف بغرض إضعاف الوضع الدولي للمغرب والتأثير على وضعه الداخلي.
وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن بعض المصالح المرتبطة بالاستيراد تحارب بقوة، وباستعمال النفوذ، تطوير القدرات التخزينية للبلاد، ولا تمتنع فقط على إنجاز استثمارات في المستوى المطلوب لتطويرها، وقد كان مثيرا جدا ما قام به لوبي استيراد المحروقات من ضغوط عندما تقرر كراء خزانات سامير وتكليف مكتب المعادن والهيدروكاربونات بتكوين مخزون بها وتسييره، ويمكن في هذا الإطار العودة إلى تدخلات هذا اللوبي في موقع الأمانة العامة للحكومة بهدف إسقاط المرسوم الصادر في هذا الشأن، والأكيد أن هذا اللوبي، الذي استفاد من تحرير أسعار المحروقات بعد إزالة الدعم والتخلي عن المقايسة، ومارس نهبا ممنهجا لجيوب المواطنين ولمؤسسات الدولة فجر فضيحة 17 مليار درهم، التي لا يمكن إغلاق ملفها هكذا بجرة قلم وإقالة رئيس مجلس المنافسة السابق، أكيد أن هذا اللوبي لا يجد مصلحته في حل مشكلة مصفاة سامير، وبشكل يجعله حليفا موضوعيا للسعودي-الإثيوبي العامودي الذي يريد الانتقام والتأزيم، ولا يرغب في الاستثمار في مصفاة جديدة تحتاجها البلاد حالا واستقبالا للاستفادة من بعض أوضاع السوق الدولية المناسبة أو من علاقات المغرب مع بعض الدول المنتجة للخام أو أيضا للاستعداد لتثمين أي احتياطي يمكن أن يكتشف بالبلاد، كما لا يرغب في مشروع تطوير إنتاج الغاز المسال المطروح منذ سنوات، والمفروض أن يشكل بنية أساسية من بنيات ميناء الناضور.
هذا ما يطرح على الدولة، الآن قبل الغد، أن تتحمل مسؤولياتها كاملة سواء تعلق الأمر بمسؤولية التقنين والحد من غلو اللوبيات المصلحية التي لا تحسب للوطن وللمستقبل، وإنما تحسب لنفسها ولما يمكن أن تجنيه من أرباح، ولو بالمضاربة والنهب، أو بمسؤولية الاستثمار في ما هو استراتيجي وما يتصل بالأمن الوطني، بعيدا عن المنظور النيوليبرالي الذي يكبل القرار ويعمي عن رؤية المخاطر التي ترتسم في آفاق عالم مضطرب ومفتوح على تحولات كبرى لن يسلم من تأثيراتها السلبية إلا من يتسلحون ببعد النظر...