المهدي بنسعيد أمام فرصة ذهبية لتحرير المعرض الدولي للكتاب من عصابات الدارالبيضاء
الكاتب :
أحمد نشاطي
أحمد نشاطي
عندما أعلن وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد المهدي بنسعيد، الأسبوع الماضي، أنه تقرر تنظيم المعرض الدولي للكتاب والنشر سنة 2022، بصفة استثائية في الرباط، خرجت الأصوات إياها، التي لا يعلو صراخها إلا بالتيليكوموند، للاحتجاج على هذا القرار! صحيح هناك بعض الأصوات أعلنت معارضتها للقرار عن حسن نية، أو عن جهل، أو بسبب عدم دراية بالحيثيات المرافقة لأبأس تنظيم لمعرض دولي للكتاب والنشر في العالم، هؤلاء لا نتحدث عنهم، إذ لديهم رأي مخالف، بغض النظر عن جدارته، لكن له كل الاحترام، وإنما نتحدث عن "النجّارة"، الذين يشتغلون أبواقا للوبيات الفساد في الدارالبيضاء...
أولا، لابد من الإشارة إلى أن القرار يفترض أنه جدير بالاحتفاء وليس بالتنديد، وهو يكشف نجاح الوزير الشاب في أول خطوة ثقافية إشعاعية وذات صبغة وطنية، لأن مدينة الرباط ستكون، خلال سنة 2022، عاصمة للثقافة الأفريقية، الامتداد القاري والحضاري والطبيعي للمغرب، وستحتضن مجموعة من الأنشطة المتنوعة، وسيعطيها المعرض الدولي للكتاب والنشر طابعا إشعاعيا سيشكل، بكل تأكيد، قيمة مضافة أمام أفريقيا وأمام العالم، ثم بعدها ستعود هذه التظاهرة الثقافية إلى العاصمة الاقتصادية سنة 2023، بغض النظر عن انحسار جائحة كورونا، التي فرضت، اضطرارا، تحويل الفضاء المخصص لإقامة المعرض إلى مستشفى ميداني مخصص لاستقبال المصابين بكوفيد-19، إذ ليست كورونا هي المشكل، ولا مقر المعرض هو المشكل، فبالإمكان إقامته في فضاء بديل مؤقت...
لكن، كما يُقال، رب ضارة نافعة، ليس لأنها أسقطت ورقة التوت عن الأصوات أو "النجارة"، الذين تحرّكهم أهداف مبيتة، مصلحية انتهازية بعيدا عن الثقافة، فهذه الأصوات تافهة، إذ مجرّد التأمل في دفوعاتها سيدرك المرء حجم الخواء الثقافي والانهيار الأخلاقي، وإنما، وهذا هو الأساس، في إمكانية حدوث نقلة نوعية تضع حدا للفساد، الذي ينخر تنظيم المعرض الدولي للكتاب...
ولعل أول مؤشر، في هذا الصدد، أننا أمام وزير يعرف جيدا قيمة المعرض، إذ إن الميزانية، التي رصدها مشروع قانون المالية للمعرض للدولي للكتاب، لسنة 2022، والتي تبلغ 12 مليون درهم، سيكون المهدي بنسعيد أول وزير يعبّر عن موقف واضح وصريح من فقر هذه الميزانية، والتشديد على أن هذا المبلغ "يظل غير كاف"، وأن الوزارة ستعمل على توفير موارد إضافية للمساهمة في تمويل هذا الحدث الثقافي...
وهنا، نصل إلى مربط الفرس، إذ ليس العطب في حجم الميزانية المرصودة وحدها، العطب الجوهري موجود في طبيعة تدبير الوزارة لهذا المعرض، الذي يعكس أحد مظاهر الفساد، التي قد يكون للوزير الشاب فرصة ذهبية لإحداث تغيير منشود يصلح ما أفسده أحد أسلافه السابقين، ويجعل من هذه التظاهرة الثقافية منارة جديرة بالدارالبيضاء، وجديرة بجمهور الناشرين والعارضين والمثقفين والكُتَّاب والمواطنين المغاربة والأجانب، بعد إصلاح معضلاتها المتعددة...
المعضلة الأساسية هو التفكير في بديل جذري لطبيعة تنظيم المعرض الدولي للكتاب والنشر، إذ إن استمرار الوزارة في تنظيم هذه التظاهرة الثقافية في مقر معارض الدارالبيضاء، يعتبر إهانة لصورة المغرب والمغاربة وللثقافة المغربية، باعتباره من أبأس المعارض في العالم...
لقد طورت أغلب دول العالم معارضها، وفق متطلبات العصر، بما فيها الدول العربية، وآخرها دولة مصر التي شيّدت فضاء خارج زحمة القاهرة، على مساحة كافية، تضم معارض بمواصفات حديثة وبمستوى عالي وعالمي، تستضيف العديد من التظاهرات المتنوعة، وضمنها معرض الكتاب، الذي يجسد حرص وزارة الثقافة المصرية على الكتاب وعلى الثقافة كواحدة من الدعامات الأساسية لبناء الإنسان.
ويمكن، في هذا السياق نفسه، إلقاء نظرة على آخر معرضين دوليين عربيين، أولهما معرض الرياض، الذي نُظم الشهر المنصرم، ومعرض الشارقة، المنظم حاليا، والذي سيستمر إلى 13 نوفمبر 2021، لأخذ فكرة عن معارض تُعلي من شأن الثقافة، ومن شأن أي تظاهرة أخرى يستضيفها المعرض، بفضاءاته المرتبة والجميلة، ومقاهيه ومطاعمه الثقافية، وليس التجارية، الراقية في بنيتها والمتواضعة في أسعار وجباتها، وليس معرضا يُنظّم بصفة شبيهة بالأعراس، حيث لا ينقص سوى الشيخات، مع التقدير العالي لفن العيطة في مجاله ومكانه، وليس في فضاء لمعرض الكتاب والنشر يفترض أنه ملتقى تنصهر فيه مختلف الجنسيات والثقافات والحضارات، من أجل الانتصار للكتاب، وليس لعصابات الدارالبيضاء...
كيف ذلك؟ وما معنى عصابات البيضاء؟
هنا، لندخل في جوهر الموضوع...
والجوهر هو تحرير المعرض من أيدي عصابات الدارالبيضاء، وتتشكل من إدارة المعرض، وبعض ناشري ومكتبات الحبوس، إضافة إلى "ميليشيات الشماكرية"، الذين تستقدمهم العصابة من المدينة القديمة، لتشغيلهم في التنظيم والنقل وحراسة المعرض وحراسة السيارات بدون ترخيص، فضلا عن تحصيل مداخيل 10 دراهم و5 دراهم من الجمهور، والتي يجمعونها في "الخناشي"...
مضافا إلى كل هؤلاء، أصحاب الخردة من القريعة والبحيرة، الذين ينظمون إنزالا في المعرض في اليومين الأخيرين، ومعهم بعض ناشري ومكتبات (...)، لاقتناء "البقايا" ليملأوا بها السوق المغربية بالتفاهة و"شياطة" الأزبكية وبيروت...
هؤلاء هم مكونات عصابات الدارالبيضاء، الذين يتحرّكون هذه الأيام، ويحرّكون معهم "النجارة" من شرذمة المرتزقة، ليلعبوا دور الذباب الإلكتروني، الذي يجرّ وراءهم عددا من السذّج وبعض الفاعلين المدنيين، الذين تحركهم "النيّة"...
إن الوزير الشاب يوجد، اليوم، أمام فرصة مناسبة لضبط مكونات هذه العصابات، والعمل من أجل تحرير المعرض الدولي للكتاب من قبضة هؤلاء، مع وضع حد لفضيحة الأداء، إذ ليس هناك معرض للكتاب في العالم يفرض الأداء...
هناك معضلة أخرى، تتعلق بالشركة (...)، التي تسهر على تنظيم هذه التظاهرة الثقافية سنويا، فلحد الآن ما زالت هي نفسها المتحكّمة في تنظيم المعرض الدولي للكتاب والنشر، منذ عهد وزير الثقافة الأسبق محمد الأشعري، الذي فوّت لها التنظيم لعلّة في نفس يعقوب (...). وبسبب هذا الاحتكار، نجد أن المعرض يُنظم بطريقة بئيسة، شبيهة بتنظيم "العراسات"، رغم أنه حتى الأعراس بات يسهر على تنظيمها "تريتورات" بما يفوق تنظيم معرض الكتاب بسنوات ضوئية، دون الحديث عن شركات مؤهلة تنظم المؤتمرات والتظاهرات الوطنية والدولية بأحدث أساليب التنظيم، بينما يلجأ منظمو معرض الكتاب إلى الاستعانة بخدمات "شمكارة"، هم من يؤمّنون المعرض، ويتعاملون مع مواطنين مغاربة، ومع أجناس من كل بقاع المعمور، حيث كثير من هؤلاء الزوار يعودون إلى بلدانهم ليحكوا عن وقائع عجيبة قد يكون أبطالها هؤلاء "المشرملين"...
يحدث هذا، عوض أن تُفتح أبواب المنافسة لتنظيم المعرض أمام شركات أخرى، إذ هناك شركات مغربية متمرسة في تنظيم مثل هذه التظاهرات، يمكن أن تمنح الإضافات المطلوبة لتطوير معرض يُعتبر صورة من صور الدولة والمجتمع في الخارج، آثر الملك محمد السادس أن ينظم تحت رعايته، ويفتتحه، باستمرار، شقيقه الأمير مولاي رشيد...
والمصيبة، في كل هذا، أن صاحب حقوق المعرض الدولي للكتاب والنشر ليس وزارة الثقافة، وإنما مكتب معارض الدارالبيضاء، وهذه لوحدها فضيحة مدوّية، لذلك من الطبيعي أن يجري، إلى حد الآن، تنظيم هذه التظاهرة مثل أي "بْريكولْ" سنوي لا غير، يكون مصدرا لمداخيل، ما دامت الوزارة مستعدة، كل سنة، لمنح مبالغ مالية طائلة لمكتب معارض الدارالبيضاء حتى تُسمى أنها هي الجهة المنظمة، في حين أن وزارة الثقافة ليست هي صاحبة حقوق المعرض، إنها فضيحة الفضائح...
إن المعرض الدولي للكتاب والنشر في الدارالبيضاء يستحق ما هو أفضل وأرقى، في دوراته المقبلة، ابتداء من سنة 2023، على أساس استثمار سنة 2022 لإعادة النظر في هيكلة مقر المعرض، من خلال تأهيل فضاء معارض الدارالبيضاء، أو من خلال البحث عن فضاء آخر في الدارالبيضاء وبنائه وتجهيزه بمواصفات حديثة وراقية، لاستقبال جمهور الزائرين، كبارا وصغارا، وتوفير جميع المرافق الضرورية بأعداد كافية، بدءا من الدخول المجاني للجميع إلى الإنترنيت المفتوح، وصولا إلى المراحيض والمقاهي والمطاعم، إضافة إلى "ستاندات" الندوات، التي تجعل من المعرض منصة ثقافية لتعزيز والرفع من مستوى نقاشات يشارك فيها المجتمع، وليس منصة لإسكات "كُتّاب" بمحاضرات لا يحضرها إلا آحاد، ثم يمرون إلى "المالية" لِتسلّم تعويض هو في العمق "ريع مكتسب"...
المغرب في حاجة إلى معرض دولي للكتاب والنشر في مستوى إشعاعه التاريخي والحضاري، ونعتقد أن الوزير الشاب المهدي بنسعيد يمكن أن يُقدم على ثورة جميلة لم يستطعها أحد من أسلافه السابقين، وألا يهتم بضجيج العصابات ومن تحركهم من مرتزقة وأقلام مأجورة، أما المحتجون بحسن نية، فيسهل إقناعهم وجعلهم ينخرطون في هذا الهدف الإصلاحي والتغييري من أجل المغرب والمغاربة، ومن أجل الدارالبيضاء، ومن أجل القيم النبيلة الثقافية والحضارية، ومن أجل ناشرين يحترمون أنفسهم وبلدهم ومهنتهم وحضارتهم، إذ بات الناشرون الكتاب والمثقفون من قبيل دور الفنك وتوبقال والتوحيدي ومقاربات وكلمات والقصبة وطارق، ومسؤولوها من قبيل عبد الجليل ناظم ومحمد بنيس وأحمد المرادي وليلى الشاوني وبويسف الركاب وتوفيقي بلعيد وجمال بوطيب وبشر بناني...، هؤلاء بدأوا يتحوّلون إلى أقلية، مقابل ظهور وتناسل ناشرين أميين لا دراية لهم بصناعة وإنتاج الكتاب المغربي، بكل أوضاعه وتحولاته وتطوراته، من أشكاله الورقية إلى الرقمية والصوتية، وجاهلين بكل المتدخّلين والفاعلين، بدءا من المؤلف والناشر إلى الموزع والمكتبي والقارئ، ومستهترين أو متواطئين ومشاركين في ما تتعرض له حقوق المؤلف والطبع من انتهاك ومن تزوير، لأن كل همّ هؤلاء هو "البيع والشرا" و"سدّات مدام"... آن الأوان لنقول لكل هؤلاء: كفى!