الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

8 شتنبر وما قبله وما تلاه.. الملك والشعب والخارجون والداخلون

 
محمد نجيب كومينة
 
بغض النظر عما حصل يوم 8 شتنبر وأمس 5 أكتوبر وقبل ذلك في انتخابات الغرف من ممارسات يندى لها الجبين، وبغض النظر أيضا عن كون المسلسل الانتخابي كله سارَ وفقا لسيناريو بدأت معالمه تظهر منذ الإعلان عن نتائج الانتخابات السابقة البرلمانية والمحلية، وعن نجاح السلطة في تنفيذه بشكل مبهر، يؤكد أن أساليب البصري كانت بدائية لدى إجراء المقارنة، بغض النظر عن ذلك، يمكن القول، بعد تحليل هادئ للمعطيات المختلفة المحيطة بهذه الانتخابات، إن المزاج الشعبي كان وراء النتائج التي أعطت للثلاثي (التيرسي) المقدمة وأغلبية عريضة.
 
الجمهور الذي صوّت، والذي لم يصوّت أيضا، أراد إخراج الحياة السياسية والمؤسسية من حالة التشويش، التي ميّزت العشر سنوات الماضية، وأن يمكّن الملك من تدبير دفة الحكم مع أغلبية يرتاح لها ويعمل معها في انسجام تام، ومع وزراء ذوي قدرات تقنية وعملية بدل إسلاميين كانوا فاشلين ومختفين، أظهروا عجزا منقطع النظير خلال أزمة كوفيد، يحدوهم الأمل في أن ينتقل قطار المغرب إلى السرعة النهائية لمواجهة المشاكل العويصة، التي تتخبط فيها البلاد، والتي فاقمتها الجائحة.
 
المزاج المغربي، في هذه اللحظة، وغيرها أيضا، يميل إلى تقوية سلطات الملك وينتصر للملكية التنفيذية، بل الملكية التقليدية، ولا يهتم بالإصلاحات الدستورية التي حدثت، أو بتلك التي يركز عليها بغباء سياسي وعقلية مسطرية ونظرية من عَزلوا أنفسهم في الركن الضيق واسْتحلَوْا الجمود وترديد شعارات مكرورة وبعيدة عن الحسابات والممارسات الانتخابية.
 
هذا المزاج الشعبي لم يأت من فراغ، وإنما نتج عن البحث عن أمل وسط هذا الكم الهائل من المشاكل الاجتماعية، الذي يحاصر أغلبية الناس، وخلال السنوات الفائتة، تمكّنت الدولة من توجيه تواصلها لبيع الأمل، مدعمة ذلك ببعض الأوراش التي كانت الحكومة خارج نطاقها إعلاميا، وتم إشراك الثلاثي الفائز بالانتخابات في عملية التسويق في إطار السيناريو سالف الذكر، الذي اعتمد على ثلاثة متسابقين لدرء المفاجئات بدل متسابق واحد كما حصل في انتخابات 2016.
 
الإسلاميون الآن خرجوا من باب الخلفي، ليس فقط لأن الجمهور عاقبهم على كذبهم وضعفهم وانتهازيتهم، أو لأنه أراد إزاحة عنصر تشويش أو غير ذلك، بل وأيضا لأن الموجة-الموضة انحسرت ويستحيل، استحالة مطلقة، أن تعود إلا إذا حصلت "كسيدة" كبيرة بمضاعفات كبيرة. والخوف اليوم من وقوع هذه "الكسيدة"، لأن بروفايلات عدد كبير من المنتخبين محليا وجهويا وبرلمانيا لا تبشر بخير، فهناك الكثير من الضالعين في الفساد ومن ذوي السوابق ومن الانتهازيين والملهوطين، والأحزاب السياسية المغربية اليوم ذات الطابع الزبوني مليئة بهؤلاء ولم يعد يهمها خط إيديولوجي أو اختيار مذهبي أو نهج سياسي أو وازع أخلاقي، ولذلك رأينا كيف نشط الترحالُ بينها، وتبادُلُ المرشحين في سوق راجت فيها أموال ضخمة.