الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

بونيت: واقعة عبد الرحيم بوعيدة والمقعد وما يليه...

 
عز الدين بونيت
 
 
بدا لي مفيدا أن أدلي بتعقيب مركّز على واقعة مقعد عبد الرحيم بوعيدة، وما تولّد عنها من أحداث؛ بالنظر إلى التطورات التي عرفتها هذه الواقعة.
 
كنت أنسب رد فعل الأستاذ بوعيدة الأول إلى فورة الغضب، التي تعتري كل شخص يشعر بنفسه مغبونا في نتيجة كان يتوقعها، وراوده الأمل لحظة بالوصول إليها. وبالفعل فقد اعترف الرجل على لسانه بأنه كان غاضبا في البداية، لكنه بعد ذلك استرجع زمام نفسه وتوجّه إلى المسار القانوني المتاح في مثل هذه الحالات؛ خاصة وهو مطمئن (حسب ما يقول) إلى أن القضاء سينصفه، كما أنصفه من قبل حين تعرض لموقف مماثل استهدف مقعده بمجلس جهة گلميم.
 
لكنني، بعد الأحداث التي اندلعت عقب ذلك، بدأت ألمس أن الأمر لم يكن فقط غضبا شخصيا خاصا ببوعيدة وحده، بل تحوّل إلى غضب عارم امتد إلى كل الناخبين وغير الناخبين الذين اعتبروا أن شخص بوعيدة يمثل رمزا لبديل قرروا أن يمنحوه ثقتهم ويفرضوا تمكينه من تجسيد إرادتهم في التغيير.
 
بدون أن أبث في مصداقية النتيجة الرسمية المعلنة، بقبول دعوى بوعيدة أو دحضها، وبصرف النظر عن الانزلاقات التي شهدتها الاحتجاجات، مما لا يمكن قبوله أو تبريره، يهمني أن أستخلص مما جرى ثلاثة مدلولات:
 
1 - ما يجدر بنا الانتباه إليه في هذه الأحداث هو أنها كانت احتجاجات ارتبطت بعملية تدخل في نطاق الممارسة الديمقراطية، أعني المشاركة في ممارسة السيادة، عبر آلية الاقتراع المباشر (كما ينص على ذلك الدستور حرفيا): مواطنون وثقوا في الطريق الانتخابي، وفي جدوى المشاركة السياسية، وفي صيغة الديمقراطية التمثيلية، يرفضون الاستسلام للعدمية والعبث بمصداقية قواعد اللعبة المتفق عليها؛ فيخرجون محتجين صارخين مطالبين بالعودة إلى الصواب، من وجهة نظرهم، وإعادة المقعد إلى من يعتبرون أنه ممثلهم الذي اختاروه، وباحترام ممارستهم لسيادتهم.. إنهم مصرون على جدوى المشاركة في هذه الآلية. وفي ذلك تمسك مبدئي بشرعية المؤسسة البرلمانية، كإطار لتمثيل المواطنين، وبجدية هذا التمثيل، بالنسبة لكل المغاربة من جنوب المغرب إلى شماله. هذا هو المدلول الأول الذي قرأته في هذه الاحتجاجات.
 
2 - أما المدلول الثاني، وهو ينسحب على مجمل العملية الانتخابية التي جرت في 08 شتنبر، فهو أن المواطنين الذين توجهوا إلى صناديق الاقتراع وأدلوا بأصواتهم، لم يفعلوا ذلك عبثا أو استجابة لتعبئة مغشوشة تطعن في إرادتهم، كما يروج لذلك بعض المنهزمين في الاستحقاق؛ بل قرروا بوعي، على وجه العموم، أن يصوّتوا بالطريقة التي صوّتوا بها، وفي الاتجاهات التي صوتوا من أجلها أو ضدها. وحين شعر بعضهم (كما في گلميم) أن هناك شبهة للتلاعب بفحوى اختيارهم، رفضوا الإذعان لهذه الشبهة، وقرروا أن يهبّوا لحماية إرادتهم من التلاعب بها. المواطنون الذين خرجوا للاحتجاج في گلميم، ما كانوا ليخرجوا لو لم يكونوا بالفعل مقتنعين بأن مرشحهم الذي أُعلن انهزامُه، هو دون غيره من يعتبرونه ممثلا لهم، يستحق لقب نائب الأمة.
 
3 - أما مناط المدلول الثالث لهذه الاحتجاجات فهو: أن أولئك الذين يصرون على أن التزوير واستعمال المال في شراء الأصوات هما السبب الرئيس في اندحارهم، هم في الواقع يدينون أنفسهم أكثر مما يبرئونها؛ إذ ما الذي جعلهم يعجزون عن فعل ما فعله بوعيدة، بصبر وعمل دؤوب طيلة سنوات لبناء قاعدة من الأنصار والناخبين صلبة ووفية لم تنهزم أمام إغراء المال، ولا أمام مسعى التزوير، فخرجت لتدافع عن إرادتها -مع التحفظ ضد كل الانزلاقات- وتطالب بإعادة الأمور إلى نصابها...
 
وأخيرا، المواطنون الناخبون راشدون. وقد يخطئون في اختيار من يمنحونه ثقتهم، لكنهم لا يخطئون في من ينزعون منه تلك الثقة أو يمنعونها عنه.