أسرار التنويم المغناطيسي في المغرب.. حينما يقدم التنويم الإيحائي كتقنية طبية بديلا موثوقا به للتخدير
الكاتب :
"الغد 24". (و.م.ع)
هناء ضاكة
يبدو أن فكرة استحالة الخضوع لعملية جراحية دون تخدير عام أصبحت متجاوزة، فقد أثبت نجاح تقنية التنويم المغناطيسي أو الإيحائي أو بالإضافة إلى تخدير موضعي وكمية مخففة من عقاقير تخفيف الألم، أن الأمر ممكن فعلا، بل وبديل موثوق به للتخدير العام.
الأمر المدهش بالنسبة للتنويم المغناطيسي لدى استخدامه في المجال الطبي يتمثل في كونه يجعل المريض لا يشعر بالألم تماما أثناء العملية، وذلك عن طريق إدخاله من طرف متخصص في التنويم الإيحائي في حالة من الهدوء العميق والاسترخاء عن طريق مجموعة من الخطوات التي تبعده عن الواقع بشكل تدريجي، مع إبقائه في حالة من الوعي بما يدور حوله.
وفي تعريفه للتنويم المغناطيسي أو بالأحرى التنويم الإيحائي، قال رئيس الفيدرالية الوطنية لأطباء التخدير والإنعاش، الدكتور جمال الدين الكوهن، إن هذه الطريقة عرفت طفرة مهمة في بداية هذا القرن على المستوى العالمي، خصوصا بعد الدراسات والتجارب العلمية الدقيقة التي أثبتت فاعليته في مجال التخدير وعلاج الألم في نهاية القرن الماضي، وقد تأتى فهم بعض ألغازها والوقوف على مبادئها، حيث أكدت التجارب أنها حالة طبيعية وفزيولوجية تنبثق من مبادئ ومعطيات عادية للوظيفة الدماغية.
وأضاف الدكتور الكوهن، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء حول العلاج بالتنويم المغناطيسي، أن هذه الظاهرة حالة طبيعة لدى جميع الأشخاص مع تفاوت نسبي عند البعض منهم، وقد شكلت أبحاث ماري اليزابيث فامونفيل في أوساط التسعينات نقطة تحول تاريخية بعد إجرائها للعديد من العمليات الجراحية مستعملة هذه التقنية في هذا المجال.
وسجل الكوهن أنه يتم القيام بعمليات عبر التنويم المغناطيسي في اختصاصات عدة منها، على الخصوص، عمليات الفحص بالمنظار للمعدة والقولون وفي الجراحة السطحية كالفتق، وأيضا في التحضير ومواكبة عملية الولادة.
وأكد الكوهن أن جل من استفادوا من هذه التقنية أبدوا ارتياحا كبيرا وإعجابا بها، كونها تضفي قدرا كبيرا من الأنسنة للعناية الطبية، وتظهر نتائج جد حسنة في علاج وإدارة الألم أثناء وما بعد العمليات الجراحية، وكذا خلال إعادة التأهيل المبكر لما بعد العمليات.
وبخصوص استعمال التنويم المغناطيسي في المجال الطبي في المغرب، أبرز أن هذه الطريقة لم تعرف اهتماما كبيرا إلا في السنوات القليلة من بداية هذا القرن، حيث بدأ تكوين بعض الأطباء والعاملين في مجال الصحة في هذا المجال وذلك عن طريق الجمعية المغربية للإيحاء الطبي، وكذا من خلال دبلوم جامعي يعد الأول من نوعه في المغرب وفي إفريقيا بجامعة العلوم الطبية الخاصة "أبو القسيس" بالرباط.
وفي هذا الإطار، عبر رئيس الفيدرالية الوطنية لأطباء التخدير والإنعاش عن أسفه لكون التنويم الإيحائي لم تتم "بعد دمقرطة" استعماله كأداة إضافية لجميع العاملين في قطاع الصحة، وإن كان الإيحاء الطبي يعتبر أداة إضافية للعناية الصحية بالمغرب لأي مختص في مجال اختصاصه.
ونبه إلى كون التنويم المغناطيسي لا يعتبر بديلا عن التخدير الكيمائي العام ولكن طريقة إضافية لتحسين الأداء وفي بعض الحالات قد يشكل بديلا في الجراحة الخفيفة، والفحوصات بالمنظار والجراحات السطحية.
وأكد الكوهن في هذا الصدد، "لا نتصور القيام أو المغامرة في عمليات كبيرة وخطيرة بهذا الشكل من التنويم حصريا، مع أننا نؤكد أن نفس ظروف الحماية والأمن والأمان الملزمة لمراقبة المريض والسهر على أحسن الظروف الآمنة يتم توفيرها عند إجراء العمليات الجراحية وعمليات التشخيص التي تخص علم التخدير والإنعاش".
فعلم التخدير، أو "البنج"، يوضح هذا الإخصائي، علم قائم بذاته و عرف في العقود الأخيرة تطورات جد مهمة واكبت وساهمت في تطور العمليات الجراحية الحديثة وطرق الكشف بالمنظار، كما أن هناك ابتكارات جديدة من أجل تحسين ظروف التخدير لسلامة أكثر للمريض كالتخدير الموضعي مثلا وتطوير وسائل المراقبة والأدوية الجديدة الخاصة بالتخدير أو البنج والتي أصبحت جد سليمة بناء على دراسات علمية أثبت سلامتها في شأن التأثيرات الصحية اللاحقة على المرضى.
لذا، فالتخدير بالإيحاء الطبي، بالنسبة لهذا الأخصائي، قد يأتي في هذا السياق، كوسيلة أخرى إضافية لتحسين سلامة المريض في إطار شامل، وحتى يتمكن الطبيب من إعطاء حلول إضافية أكثر للسهر على تأمين التدخلات الجراحية، آخذا بعين الاعتبار خصائص المريض وكذا لشخصنة التدخل الطبي وتوفير عناية إضافية أكثر بهذا المريض.
ويتحدث الدكتور الكوهن عن ثلاثة مستويات للإيحاء الطبي، الأول La Communication hypnotique ، وهو نوع من التواصل الصحي مع المريض أخذا بعين الاعتبار خصوصياته الطبية وواقعه وحالته النفسية، ويعتمد على تقنيات خاصة للتواصل تسمى بالتقنيات الإيحائية.
والمستوى الثاني l'hypnose conversationnelle تضاف إليه عملية التركيز على ما هو عليه في المستوى الأول وهو كفيل بتحسين ظروف العناية بالمريض، ولا يستوجب المستوى الأول والثاني تكوين قوي وخاص في هذا الميدان، يقول الدكتور الكوهن.
أما المستوى الثالث، فيركز على مواكبة المريض في ذكرياته الجميلة من الماضي على سبيل المثال، بطرق خاصة تعتمد على خصائص الوعي الإيحائي وعلوم التواصل الإيحائي للوصول إلى حالة انفصالية للعقل وتفكيكه عن الواقع المعاش، مما يسمح بالقيام بالعملية الجراحية دون مبالاة أو إحساس بالألم.
وأبرز الدكتور الكوهن أنه يتم في المغرب السهر على تكوين أكبر عدد من الأخصائيين في التخدير والعاملين معهم، وهناك نادي خاص في الجمعية المغربية للإنعاش وعلاج الألم والتخدير، معربا عن أمله في أن يدخل هذا التخصص في برامج تكوين الأطباء عموما والعاملين بالصحة، على الأقل بالنسبة للمستويين الأول والثاني وكذا بالنسبة لأطباء التخدير والإنعاش في مستوى عملهم لتكون الممارسة أكثر حضورا ولكون استعمالها يظل قليلا في القاعات الجراحية بالمغرب في الوقت الحالي.
وأشار إلى أنه يتم القيام منذ 2014 باستشارات وبعيادة وتتبع الألم المزمن والاضطرابات النفسية عن طريق التنويم المغناطيسي، وكذا في مجال التخدير، مبرزا أن الجمعية حققت السبق في تكوين أطباء وممرضين في قاعات العمليات وهذا شرط لنجاح هذه التقنية على الأقل المستويين الأول والثاني.
من جهتها، أكدت الأخصائية في التنويم المغناطيسي، زينب الكوهن، أن التنويم المغناطيسي أو الإيحائي هو "علاج موجز وموجه نحو الحل، ومن الواضح أن المريض يتوخى تحقيق هدف ما ويكون العلاج بالنسبة له هو تحقيق هذا الهدف"، موضحة أنه "في العلاج بالتنويم المغناطيسي لا نقوم بالتشخيص ولكننا نقوم بتحليل ومعرفة الأسباب".
وأضافت زينب الكوهن "إننا نناقش مع الشخص فكرة واضحة يريد بلوغها على سبيل المثال: أريد أن أشعر بمزيد من الثقة والهدوء، أريد فقدان الوزن، أريد أن أنام بشكل أفضل، الإقلاع عن التدخين...)، مشيرة إلى أنه غالبا ما نستخدم التنويم الإيحائي من أجل مساعدة الأشخاص في السيطرة على سلوك غير مرغوب فيه أو بالأحرى التعامل بشكل أفضل مع الضغوطات أو القلق أو الألم. وأكدت أنه "في بعض الأحيان، لا تكفي الإرادة لوحدها للوصول إلى الهدف، وبالتالي يصبح جوهر العلاج بالتنويم المغناطيسي تفكيك اللاوعي بما لا يستطيع العقل الواعي لتحريره ويعيش حياة أكثر أمانا مما هو عليها، وذلك في انسجام تام مع احتياجاته ورغباته.
وفي حديث مع إحدى السيدات التي كانت تتواجد في عيادة الخبيرة في التنويم، أوضحت لطيفة، في الأربعينيات من عمرها، أنها خضعت لثلاث جلسات مع الأخصائية، مضيفة "كنت أشعر بقلق شديد وضغوط كثيرة في المنزل وفي العمل وكان لدي الكثير من المخاوف والقلق من المستقبل، خاصة خلال فترة الحجر الصحي بسبب انتشار الجائحة، لكن بعد خضوعي للجلسة الأولى شعرت بتحسن حقيقي وأصبحت قادرة على القيام بأشياء لم أكن أستطيع فعلها منذ وقت طويل. فأنا الآن، في وضع أفضل".