الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

نوال السعداوي تبقى كبيرة وخالدة وطيور الظلام يبقون عديمي الأخلاق ومزبلة للأحقاد والضغائن

 
محمد نجيب كومينة
 
كانت صرخة نوال السعداوي بداية ثورة هزت الذكورية الراسخة في عقل المجتمعات العربية، برجالها ونسائها، وجعلت الكثير من النساء يتحررن من طابوهات كرست القهر وسوّغته، وينتفضن ضد شرطهن وضد الثقافة التي تعيد إنتاجه في الفضاء الأنثروبولوجي العربي الغارق في تقاليد وأفكار ومؤسسات عفا عنها الزمن.
 
"المرأة والجنس" و"الأنثى هي الأصل" وغيرهما مما تجرأت على كتابته نوال السعداوي كان له مفعول الصدمة بالنسبة للإناث والذكور على حد سواء. وكان بداية تغيير في رؤى الكثيرين والكثيرات ممن حررتهم من أسر الصحاري القاحلة والفوات، بحيث منحتهم آفاقا جديدة للنظر والتفكير والفعل من أجل خلخلة الجامد وتحريك الراكد واستيعاب منطق الحقوق والمساواة، ومنذئذ جرت مياه كثيرة تحت الجسور، وتدفقت وتجددت، وفي المقابل تحركت الرجعية بكل أطيافها تحت مفعول هذه الصدمة، وجعلت من نوال السعداوي وكل من تشرّب أفكارها وشاركها القناعات وسعى إلى تطوير ما أتت به هدفا لحرب لم تهدأ بعد، ومن سوء الحظ أن ما كتبته نوال السعداوي بنفَس تقدمي وتحريري جاء في فترة ردة وتراجع لقوى التقدم تفاقم على مدى نصف قرن من الزمن وإلا لكان أثره ولكانت نتيجته أقوى مما كان.
 
نوال السعداوي ستظل، كما فاطمة المرنيسي التي عاصرتها، راسخة في تاريخنا كعلامة فارقة شاء من شاء وكره من كره، لأنها تجرأت واخترقت المحظور وأطلقت مسارا نحو التحرر من ذكورية بئيسة تأتّت لها السيطرة وشكلت وجها من أوجه انحطاط لم نتخط بعد عتبة الخروج منه رغم المظاهر والاستهلاك المرضي.
 
تعبير طيور الظلام عن فرحهم بوفاة نوال السعداوي، بعد أن بلغت من السن ما بلغت، يدينهم ويظهر لكل من ما تزال تخامره ذرة شك أنهم عديمو الأخلاق ومزبلة للأحقاد والضغائن وكل العفن الذي لا يغسله صابون ولا يذيبه الزمن. بؤساء فكرا، بؤساء عاطفة، بؤساء إيمانا، لأن المفروض أن يساهم الإيمان الصادق في تطهير القلوب من الغل والحقد والضغينة وإلا كان شيئا آخر يجب أن يوجد له اسم آخر.
 
لا أحد يخلد، والخلود وهْم كما علمنا الرواقيون منذ قرون غابرة، لكن الأفكار الخلاقة المحررة لوعي وطاقات وقدرات الإنسان تخلد، ومنها أفكار الكبيرة نوال السعداوي، التي سيستمر تداولها وسيعاد اكتشافها في الأوقات المناسبة كما تمت إعادة اكتشاف أفكار أرسطو وسبينوزا وروسو وماركس وروزا لكسمبورغ وغيرهم...