الغد 24 خبر الغد تقرأه اليوم

تغوّل الخوانجية يُدخل تونس إلى عهد الظلامية.. والبداية بحكم السجن لتكميم المدونة آمنة الشرقي

 
أحمد نشاطي
 
لا أخفي أنه كان لدي أمل كبير في أن يعبّر القضاء التونسي، في قضية المدونة التونسية آمنة الشرقي، عن استقلاليته، وعن تحرره من ظلاميي حزب النهضة، الذين سيطروا على البرلمان، ويمارسون "خطة التمكين" للسيطرة على مختلف مقاليد الحكم، ليجرّوا تونس إلى المستنقع القذر، الذي انجرت إليه الشقيقة مصر بفعل عصابات وميليشيات جماعة الإخوان المسلمين... لكن هذا الأمل تبخّر مع الحكم الذي أصدرته المحكمة الابتدائية في تونس العاصمة، القاضي بسجن آمنة ستة أشهر مع الغرامة...
 
يلزمنا الوقوف كل من موقعه في وجه هذا السيل الظلامي الجارف لنقول: لا لمحاكم التفتيش.. تكفينا كمامات كورونا.. فلا تزيدوننا كمامات الأفواه
 
تعود هذه الواقعة إلى شهر ماي المنصرم، حين شاركت المدونة التونسية آمنة الشرقي، كما شاركنا نحن جميعا، صورة على صفحتها في موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك، وُصفت بأنها تمثل "سورة كورونا"، فاعتبرها طيور الظلام "مسيئة إلى القرآن"، لأن الصورة تحاكي شكل الآيات القرآنية في المصحف، وخرج خوانجية تونس علنا ليعلنوا عن ظلاميتهم، وأرعدوا وأزبدوا واعتبروا الصورة "تحريفا للقرآن"، بل و"استفزازا لمشاعر التونسيين" في شهر رمضان، وهكذا بات سدنة الظلام يتحدثون بلسان التوانسة، الذين لا تتحمل أغلبيتهم الساحقة وجوههم الكالحة، سواء كانوا إخوانا أو سلفيين...
 
كثيرون تفاجأوا بتلك الضجة الكبيرة، التي أحدثتها التدوينة، إلى درجة دخول النيابة العامة على الخط، التي أحالت الموضوع للدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية في تونس.
 
شخصيا لم أتفاجأ إطلاقا، بل يمكن انتظار ردة أدهى وأمرّ مع الوقت، لأن الرئيس التونسي الجديد، الإخواني المتخفي، يهيء الأمور على نار هادئة ليقبض على مقاليد الحكم بيد من حديد، وآنذاك سيفتح كل الأبواب مشرعة لظلاميي حزب النهضة الإخواني... وتذكروا هذا الكلام.. إلا في حالة واحدة، إن انتفض الشعب التونسي لطرد خوانجية النهضة من رئاسة البرلمان، وتعقُّب آثارهم في باقي مؤسسات الدولة...
 
عند نشر التدوينة، وفي غمرة هجمة قبائل الظلام، اضطرت آمنة الشرقي إلى حذف الصورة، لكنها نشرت تدوينة ترد فيها على رسائل التهديد والقتل التي تلقّتها، كما واصلت نشر تدوينات تعبر فيها عن آرائها المتنورة، ودفاعها عن العلمانية، وعن حرية الرأي والتعبير، إذ تعتبر أن الأديان، مثلها مثل جميع الأفكار والإيديولوجيات، قابلة للنقاش... وأوضحت على صفحتها: "نشرت تلك الصورة وعبرت عن أفكاري بشخصية مكشوفة، لأننا نعيش في دولة تضمن حرية التعبير عن الرأي والمعتقد".
 
فالفصل السادس من الدستور التونسي ينص على أن "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي"، رغم اللخبطة في صياغة الفصل وهذا موضوع آخر...
 
استنادا إلى هذا الفصل، جاءت مفاجأة آمنة لما حدث من تطورات، إذ تقول "تفاجأت باستدعائي للتحقيق وبطريقة اعتبرتها رجعية ولا تستند لروح القانون. فقد تم استجوابي من قبل سبعة ممثلين للنيابة العمومية، حيث وجهوا لي تهم ممارسة العنف والإساءة للدين، وهنا أتساءل كيف يمكن أن تكون تلك التدوينة عنيفة؟".
 
ضرورة تغيير القوانين المتعلقة بـ"ازدراء الأديان" و"زعزعة عقيدة مسلم" التي باتت شبيهة بظهير "كل ما من شأنه" لاستعماله ضد حرية التفكير والتعبير والضمير
 
آمنة هنا ليست وحدها، لا في تونس ولا في الدول المغاربية بالخصوص، فهناك الملايين ممن يتشاركون أفكارها ومبادئها في التنوير ومواجهة التكفير، مثلما عبّرت هي نفسها عن ذلك بالقول إن "الحل يكمن في إرساء دولة علمانية تكفل حقوق المتدين واللاديني دون أي تمييز"، وأيضا بدعوتها إلى ضرورة تعديل القوانين، التي تمس بالحريات الفردية، وبحقوق الإنسان في أبعادها الكونية، التي تسمو على القوانين الوطنية...
 
إن المطلوب اليوم هو أن يتكاثف كل التنويريين والعلمانيين، من أجل الدفاع عن ثقافة النور في مواجهة ثقافة الظلام، والنضال من أجل تغيير القوانين، خصوصا تلك المتعلقة بـ"ازدراء الأديان" أو "زعزعة عقيدة مسلم"، لأنها تتحوّل لدى طيور الظلام إلى ما يشبه القانون البائد "كل ما من شأنه"، لاستعماله ضد العقل وضد حرية التفكير وحرية التعبير ومن أجل إحكام الوصاية على الضمير...
 
وهذا بالذات ما يقع عندنا، من قبل طيور الظلام الذين يعمدون إلى التكفير، فيتحرك الذباب الإلكتروني، الإخواني بالخصوص، ومعه السلفي، للمس بأعراض الكثير من الشخصيات الفكرية والسياسية والحقوقية والفنية، في الوقت، الذي كان يلزم أن تتحرك النيابة العامة بملاحقة المحرضين على التطرف والعنف والقتل، نجدها تستدعي وتحقق مع الضحايا، وكأنها تنتظر حتى يقع الفأس في الرأس، ويسقط شهيد آخر، بعد الرفيقين شكري بلعيد ومحمد الحمامي، قد يكون في تونس أو المغرب أو الجزائر أو أي بلد آخر لا تُحترم فيه حرية المعتقد...
 
يلزمنا جميعا، كل من موقعه، أن نقف في وجه هذا السيل الظلامي الجارف ولنقول: لا لمحاكم التفتيش، تكفينا كمامات كورونا، فلا تزيدوننا كمامات الأفواه...
========
مدير نشر موقع "الغد 24"