الكاتبة المبدعة ربيعة ريحان وملصق روياة "الخالة أم هاني"
"الخالة أم هاني" رواية للمبدعة ربيعة ريحان تستنطق العوالم السفلى لتاريخ مدينة "عبدية" تقبع في الهامش
الكاتب :
إنصاف الراقي
إنصاف الراقي
تدور أحداث رواية " الخالة أم هاني " للكاتبة المغربية، المبدعة ربيعة ريحان في مثن جغرافي ينتمي إلى الهامش و إلى منطقة آسفي، وبالضبط إلى منطقة عبدة. وبأسلوب أخاذ تتصيد الكاتبة الشخصيات الهامشية بمجهر الكاتبة الخبيرة في متاهات الأنفس، وهي تغوص بعيدا في عوالمها المتخيل المفعم بالنوستالجيا.
إنها رواية عن العوالم السفلية وعن تاريخ مغاير وعن مدينة أجهضت أحلامها بعد خروج الاستعمار الفرنسي وبداية الحصول على الاستقلال.
تقدم ربيعة ريحان في روايتها المشحونة بالحكي، تشريحا مفصلا لبنية المجتمع المغربي من خلال سيرة "الخالة أم هاني".. هذه السيدة التي تزوجت خمس مرات وتعرضت للطلاق خمس مرات وعانت كثيرا في مجتمع يئن تحت سيطرة مجتمع ذكوري وشطط في استعمال السلطة. امرأة تُبَخَّسُ أعمالها.. تُحتَقر.. تتعرض للمهانات وللاستغلال بكافة تجلياته.
خمس مرات من الزواج بتعداد المرارات والأحزان بدون أن تشعر ولو مرة في حيواتها الزوجية المتعددة، بأنوثتها وبرغباتها... بحاجياتها.. بجسدها.. إنها دائما حمل ثقيل يؤثث المشهد ويؤثته.. تلبي الرغبات كآلة مجبولة على العطاء لا الأخذ، من هذا الشخص إلى ذاك، ملبية الغرائز دون أن يكون لها حضور قوي في المشهد وفي داخل المجتمع الذي لا يعترف سوى بهيمنة الرجل.
تفضل الخالة الطلاق على التمسك بزواج لا تجد فيه طعم إنسانيتها، وتتمرد على مجتمع سرى فيه خطرا محدقا بتصرفاتها وأفعالها، فبدت كأفعى سامة تحاول أن تنفث السم في العشيرة والقبيلة وفي جماعة الذكور.. مجتمع أبيسي بثقافة ذكورية يجعلها مهانة تتعرض للإذلال. وهنا تفضل الخالة أن تعيش بقية عمرها وحيدة، متنقلة بين الأحياء، ملتحفة خيباتها المتتالية رغم أناقتها، وجمالها الساحر الذي كان يفتن الرجال، وتغير منه باقي النساء، يقول الراوي: "كل الرجال يرون النساء ضروريات لبناء البيوت واستمرار الحياة، ذلك أمر لا نقاش فيه، من سيطبخ ويكنس وينجب ويربي، ومن ستنقلب على ظهرها في الليل، جاهزة لتلبية رغبة الزوج وإمتاعه، حتى لو كانت جسدا هامدا أضناه التعب؟".
وفي انسيابية الحكي يضيف: "الخالة امرأة تنتمي في (الفراش) إلى جيل الخمسينيات، جيل الحياء والخفر". ولكن هذا الحياء فيه نوع من الأذية النفسية والجسدية ويترك نذوبا في النفس كما في البدن. يقول السارد على لسان الخالة: "لقد هتكني عيسى بالمعقول، وتسبب لي في نزيف، لم يبرأ منه جرحي حتى بعد أن طلقني، وصرت في عصمة أزواج آخرين، دائما ظل هناك دم بعد النوم".
الرواية تطرح امتدادا لحالات الهيمنة الذكورية نفسها في هذا المجتمع الذكوري، وعلى لسان ابنتها شيماء، وريثة سر الخالة، تطرح السبب الذي جعل والدتها تتخلى عنها صغيرة، وتمنحها للخالة كي تتبناها؟ يقول السارد على لسان شيماء: "هل فكرت والدتي في الأمر مليا، وهي تعرضني على الخالة أم هاني؟ ألم يراودها الإحساس الأمومي بأنها ستفقدني ولن تراني؟ أكنت رخيصة إلى ذلك الحد الذي سمحت لها فيه بأن تأخذني لتتبناني، وتضع حياتي بمحاذاة حياتها المتقلبة؟"، مضيفا في البوح على لسانها: "هل يمكن أن يفكرن (صويحباتها) في ما إذا كان الهبل وراثيا؟ وأنهن يتعاملن مع هذا المعطى بجدية؟ هل يمكن أن يندفعن بعيدا، وينظرن إليّ كواحدة يمكن أن ترث ذلك من أم هاني؟ ثم ما الذي يجمعني بالخالة، حتى أرث منها ذلك؟ إنها ابنة خالة أمي، فلا هي جدي ولا هي جدتي… ودماؤنا لم تعد صافية، اختلطت إلى حد ما بالغريب منذ الستينيات من القرن الماضي، ولم تعد موريسكية بما يكفي"..
إن رواية "الخالة أم هاني" للمبدعة ربيعة ريحان، ملخص مغري، ومفعم بالحكي المشوق، في إيلامه الشديد لمهانات وإذلال المرأة في مجتمع ذكوري يقدس الرجل، ويُشَيِّء المرأة المُحمَّلة ذاكرتها بالجراح.